25-12-2022
آفــاق
|
اينوما
الدكتورة ميرنا داوود
أستاذة جامعية وكاتبة
بروباغاندا خيالية مُوحى بها إليهم لرفع المعنويات أو تحضيرهم لما هو قادم.
وأحياناً تكون من بنات أفكارهم ومحض تخيّلات أو اختراعاتٍ وفي مرات كثيرة مُوحى لهم من أعداء بهدف رفع سقف التوقعات الإيجابية أو من شخصٍ بعينه، حتى إذا استبان للناس، أنها لم تحدث، وربما لن تحدث، تصاب بالاحباط من الشخص المُسندة إليه.
الإشاعة هي النموذج المنحط للمعرفة الناقصة والمنقولة والكيدية والانتقامية. في هذا النوع من المعارف ينحط السلوك المعرفي إلى "عقل الرعاع" الذي يتسم بما يلي: يتم التداول بلا أي تدقيق بالمعرفة المتداولة؛ بمصادرها وموثوقية المصدر وحقيقة السياق الذي أتت فيه. وفي هذا أبسط تجليات العقل حين ينحدر إلى مجرد (ببغاء).
هذا العقل مستريح لا يُدقق فيما يأتيه ولا يبذل أدنى جهد عقلي (للعقلنة والتفكير) .في الإشاعة تدبير انتقامي يتناول فيه مُطلق الإشاعة موضعَها تناولاً انتقامياً شخصياً وذلك انتقاماً من موقف مر بينهما أو سوء تفاهم استحال إلى موقف عنيف، أو انعكاساً عن تضارب مصالح وفي الإشاعة أبرز تأكيد على (العجز الفكري) ، أي ممانعة الشخص لأي تغيير في (ثقافته) السائدة. والمقصود هنا المعرفة الشائعة كعقبة تمنع أي تطور لاحق.
وهنا يقوم المتضررون من هذا الاستفزاز بإطلاق إشاعة مصدرها خليط من التأويل الخاطئ والتفكير الظني أو الدفاع الوجودي؛ حيث تشكل المعرفة الجديدة ما يعتبره انتهاكاً لمسلماته الدينية أو الطائفية أو العشائرية أو المناطقية... وهي مصادر أساسية في (العقل المُكوِّن) للناس الذين يأتون إلى الحياة (كصفحة بيضاء) بإمكانيات ذكاء متفاوتة ، فيتم زرع أفكار تتراوح بين المسلمات والتعليم وصولاً إلى رفع درجة هذه الأفكار إلى حالة (مقدّس) حيث تتعمم حالة التقديس لتطال الأفكار ومنابعها وحامليها وناقليها. وعندما تأتي أفكار جديدة أو علمية يمارس البعض صراع دفاعي عن (الأنا) لأنهم يكونون قد تماهوا مع أفكارهم إلى حد أنها تصبح هي (أناهم) وهي التعبير الأمثل عن وجودهم هؤلاء لا يعيشون إلا الأفكار. بمعنى آخر هم لا يسعون وراء الحقيقة بل يعيشون حقائق الآخرين (محيطهم و ما ورثه محيطهم من أجدادهم. إنهم يرددون (الأسطوانات) التاريخية دون أي تفكير. يدافعون عنه بلا أي معرفة، وفي أحسن الأحوال يضيفون معارف تعزز هذه المنظومة التاريخية الموروثة دون أي معرفة نقدية أو تشكيكيّة. ولهذا عندما تأتي أفكار جديدة لا يميّزون بين حامل الفكر وبين شخصه، وبدلاً من أن يتوجه التفكير والنقد أو الدفاع أو في أحسن الأحوال الجدال والحوار، نراهم يتوجهون للقضاء (المعنوي) عليه بتوجيه الإشاعة إليه بقصد الإساءة إليه كرد انتقامي كيديّ على ما يعتبرونه مخالفاً لطمأنينتهم المُستباحة.
في الإشاعة يعمل الخيال فيضيف إلى التأويل عناصر المبالغة والإضافات بقصد التشويق الروائي والإثارة (المُضادة للشخص المراد الإشاعة عنه) وتكاثف الانفعال المراد له أن يكون مُعمّماً وذلك بقصد تعبئة الآخرين ضده. فالمعركة معه لا تكون منفردة أو بفروسيّة.
إنها معركة تقتضي تأليب الجميع على المُراد إنهاؤه. إنها معركة لابد أن تحدث قتيلاً أو ضحيّة ولهذا لابد أن تدفع الغرائز إلى منتهاها. فالاشاعة هي أعلى درجات القتل العدواني المتخذ للغريزة أداة ودافعاً للتصفية المعنوية، دون أي شعور برادع أو ضمير؛ ذلك أن أغلب الذين يرددون الإشاعة لم يختبروا الشخص ولم يعايشوه، ولم يكونوا وقت الحدث بل يعتمدون (ثقافة هكذا سمعنا). هذا النوع من المعرفة هو الأسوأ في التكوين المعرفي للبشر الذي تستدعيه سوية منخفضة للذكاء تكاد أن تكون لدى أغلبية البشر. (د.ميرنا داود،باحثة أكاديمية ).
أبرز الأخبار