12-12-2023
آفــاق
|
اينوما
الدكتورة ميرنا داوود
أستاذة جامعية وكاتبة
الدكتورة ميرنا داوود تكتب لإينوما عن فائض القوة وفائض التطرف
نشأ الاستعمار التقليدى نتيجة تراكم القوة فى دولة من الدول على نحو بات لديها فائض فى القوة غير مستخدم، هذا الفائض يولد ضغوطاً شديدة على القيادة السياسية التى تبدأ فى البحث عن تصريف لهذا الفائض حتى يخف الضغط الذى يمثله على الوضع الداخلى فى البلاد، و قادة الدول فى تلك الحقبة وجدوا فى استخدام القوة ضد الغير مصدراً مهما من مصادر تفريغ فائض القوة فى المجتمع والدولة، فتم تحديد مناطق النفوذ وبدأت ظاهرة الاستعمار التقليدى فى العالم. فى البداية تسابقت الدول التى تشهد فائض قوة فى احتلال شعوب وأقاليم أخرى خارج قارتها، فكان الاستعمار الأوروبى لأقاليم وشعوب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ولأن فائض القوة يضغط على صاحبه باستمرار، فلم تتوقف الدول الاستعمارية عند حدود احتلال أقاليم وشعوب لم تكن خاضعة لأحد، ففى مرحلة لاحقة بدأت الدول الفتية التى يتراكم لديها فائض قوة أكبر من غيرها فى الاستيلاء على ممتلكات الدول الاستعمارية التى تراجع فائض القوة لديها أو فاق فائض القوة الذاتى ما لدى طرف آخر، فشهدنا استيلاء فرنسا وبريطانيا ولاحقاً ألمانيا على مستعمرات دول سبقتها فى الخروج والاستعمار مثل إسبانيا والبرتغال وبلجيكا وهولندا. ولأن فائض القوة متواصل ومتغير فقد استمر يفعل مفعوله ويبحث عن منفذ للحركة والاستفادة، وبعد إتمام استعمار دول أوروبا للعالمين القديم والجديد، بدأت الدول الاستعمارية تطمع فى بعضها البعض، ففائض القوة جعل بعضها يفكر فى الهيمنة على القارة ثم العالم وبناء إمبراطورية جديدة على غرار الإمبراطورية الرومانية. بحثت ألمانيا عن السيطرة على القارة الأوروبية فاندلعت الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤ واستمرت خمس سنوات وانتهت بهزيمة ألمانيا وتجريدها من قدر كبير من ممتلكاتها الاستعمارية وفرض عليها صلح مهين تمت صياغته فى معاهدة «فرساى». استعادت ألمانيا قوتها تدريجياً وتراكم لديها فائض قوة جديد، وصعد إلى السلطة بالانتخابات زعيم جديد هو أدولف هتلر الذى أراد الانتقام لهزيمة بلاده واستعادة ممتلكاتها بالسيطرة على أوروبا ومن ثم العالم كله، فبادر بغزو دول الجوار، فاندلعت الحرب العالمية الثانية التى دامت ست سنوات من ١٩٣٩ حتى ١٩٤٥ وانتهت بهزيمة ساحقة لألمانيا وحليفتيها إيطاليا واليابان وجرى احتلال هذه الدول من قبل دول الحلفاء بعد انضمام الولايات المتحدة لهم.
السؤال هنا هل المشكلة فى فائض القوة أم فى توجيه هذا الفائض؟
فى تقديري أن المشكلة الحقيقية تكمن فى توجيه الفائض وليس فى الفائض فى حد ذاته، ومن ثم فالقضية الجوهرية هنا هى التوجيه والتوظيف لا ظاهرة الفائض فى حد ذاتها.
وإذا كان فائض القوة قد أفرز لنا ظاهرة الاستعمار والحروب البيئية فماذا فعلت وتفعل ظاهرة فائض "التطرف" التى تطغى على السطح اليوم فى بلادنا ؟
أبرز الأخبار