تعطلت المبادرات المحلية والدولية ومعها توقفت محركات عملية تأليف الحكومة فهرع الجميع لإدارة محركات ماكيناتهم الانتخابية تحت سقف المواقف الشعبوية العالية النبرة والحدة   وعمدوا لاستجماع قواهم على بعد  ثمانية أشهر  من الانتخابات.  ففي معركة البقاء والوجود من أجل مقعد نيابيّ كلّ الأسلحة مشروعة ومتاحة. فلا أنين المرضى المتألمين المنازعين دون حبّة دواء ولا صرخات الفقراء الجائعين الذين  فاقت نسبتهم الـ 60%  يردع الزَّاحفين المستجدين مقعدًا من هنا أو من هناك . 

الجميع يتمسكون  بمكاسبهم وغنائمهم بغية حماية مصالحهم الضّيقة. إنها مصيبة لبنان الكبرى: لعبة الكراسي من الكرسيّ الأوَّل وحتّى آخر كرسي في آخر زاروب وحي. 

ربما كان صراع الكراسي في الماضي مشروعًا نوعًا ما ضمن النِّظام الديمقراطي إلّا أنَّ ما نمرّ به اليوم من مآسٍ ومعاصٍ ومعضلات وأزمات وقد أطاح بأبسط مقومات العيش يتقدّم على ما عداه وهذا ما لا تبالي به تلك الطّبقة السّياسية البالية المهترئة.

بالعودة إلى حسابات أهل السّلطة فإنَّ أحجية تشكيل الحكومة وتقاذف اتهامات تعطيلها يُعدّ مادة دسمة ووقودًا فعّالًا في معركة الانتخابات النّيابية المقبلة.

 أكثر من طرف ومن بينهم حزب الله حذروا من لعبة إدخال الحكومة في بازار الانتخابات ومع أنَّ حسابات الحزب تنطلق من الدَّاخل لتصل الى مصالحه في الإقليم وعدم التّفريط بالانجازات التي حققها ومع ارتيابه من الانهيار الشّامل والخوف من فوضى عارمة قد تأكل الأخضر واليابس، إلّا أنّه لا يحبّذ لعبة الانتخابات بالوقت الحاضر بانتظار موعدها في أيار المقبل ليبني على الشّيء مقتضاه.

بالمقابل على جبهة بيت الوسط البيّاضة المعركة، هي معركة وجود واسترجاع مواقع شعبيّة وسياسيّة تُخاض حتَّى آخر نفس. الخطاب الغرائزي الطّائفي فيها يعلو على كلّ الأصوات. باسيل من جهته رفع البطاقة الحمراء على دور بري كوسيط مستعينًا بصديقه نصرالله مؤتمنًا إيّاه على حقوق المسيحيين المغتصبة من قبل الثّنائي بري الحريري . 

بالمقابل ومع ترويجه لإمكانية الاعتذار استنفر الحريري المجلس الشَّرعي الإسلامي أعلى مرجعية سنيَّة دعما لمصالح أهل السنة مُتكئًا على دعم الرَّئيس بري. بالتالي اقتنع الفريقان بعدم إمكانية وجدوى تأليف حكومة لن يكونا بداخلها قادرين على شدّ عصب النّاخبين لقراراتها الغير شعبيَّة التي ممكن أن تتخذها لإنقاذ ما تبقّى من اقتصاد منهار وبناء خطة متكاملة مع صندوق النَّقد الدّولي مطلوبة دوليًا لإعادة ضخّ المساعدات الماليّة في شريان الاقتصاد اللّبنانيّ.

بالموازات تعمل القوى على اختلاف أنواعها على تزييت ماكيناتها الانتخابيّة فيما مكاتب استطلاع الرأي تعمل بأقصى قدراتها لتلبية حاجات السّوق. وفيما لا همَّ لأطراف النِّزاع إلّا حسابات الرّبح والخسارة  إنتخابيًا متناسين مسؤولياتهم تجاه مواطنيهم الموجوعين البائسين الفقراء، يتجه الوضع المعيشي والحياتي إلى مزيد من التّدهور والتّأزم بحيث ارتفع منسوب الغلاء مع رفع الدعم الى حدٍّ لا قدرة لعامة الشّعب على تحمّله أو التّأقلم معه. أضف اليه تهاوي كافة القطاعات ما يجعل الانفجار الاجتماعي أو الارتطام الكبير حاصلًا في أيَّة لحظة لا محالة.

أخيرًا وبعيدًا عن حسابات حقل أهل السلطة هل تأتي نتائج حسابات البيدر على قدر الآمال  فتلبي الجماهير نداءات الاستغاثة وبذلك تكون لدغت من الجحر مرتين؟ أو تكون الانتخابات هذا إن حدثت صفعةً مدوية على وجه كلّ من أوصل البلد الى ما وصل إليه  وبداية حقبة التّغيير المنتظر؟  أم أنّ تسارع الأحداث والتَّطورات بانتظارالانتخابات قد يأكل الأخضر واليابس ويطيح بالانتخابات والبلد على السّواء ما يجعلنا على مشارف مؤتمر تأسيسيّ جديد يؤسس لجمهورية ثالثة مجهولة المعالم حتى الآن؟

أسئلة كبيرة وكثيرة لكن العلم يبقى عند الله.