مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

العقد الاجتماعي بين الفلسفة والسياسة

10-04-2021

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

الدكتورة ميرنا داوود تكتب في زاويتها الخاصة آفاق عبر اينوما عن العقد الاجتماعي

يُشير مصطلح العقد الاجتماعي ( Social Contract) إلى العقد المبرم بشكل فعلي أو افتراضي بين طرفين كالحكومة والشعب، أو الحاكم والمحكوم، بحيث تحدّد بموجبه الحقوق الخاصة بكل فئة والواجبات المفروضة عليها، وظهر ذلك منذ القدم عندما بدأت الحياة البشرية بصورة من العشوائية والفوضى فوضع العقل البشري اتفاقاً وعقداً لتنظيمها على هيئة مجتمع وحكومة. كما يُطلق هذا المفهوم على جُملة من العادات والتقاليد والمصطلحات التي تندرج تحت خانة النظرية السياسية، بحيث يمثّل هذا العقد اتفاقاً محدداً بين مجموعة من الأشخاص الذين يساهمون في وضعه وصياغته. لقد شكلت نظرية العقد الاجتماعي نقطة تحول كبيرة في تاريخ الفكر السياسي فقد ساهمت في ظهور المفاهيم التي تقوم عليها الأنظمة الليبرالية الديمقراطية الحديثة في عالمنا المعاصر.

 ومن أهم رواد تلك النظرية " توماس هوبز" الذي ولد و نشأ في انجلترا في القرن السابع عشر وقد بلور  نظرياته السياسية من محاولة فهمه لطبيعة البشر في الحالة الطبيعية وهي تلك الفترة التي سبقت فكرة المجتمع والدولة. وانتهى هوبز إلى القول بأن الحالة الطبيعية للبشر كانت شريرة بالأساس وقد حكم تلك الفترة مبدأ الأنانية والجشع. فالإنسان كان “ذئبا لأخيه الإنسان”. كما وصف الحالة الطبيعية للبشر بأنها كانت مرحلة “الكل ضد الكل ” لأن الأفراد تغلب عليهم النزعة الحيوانية الأنانية  كما اعتبر هوبز أن البشر أعداء بالطبيعة، وأن العصر الذي سبق الدولة لم يكن فيه أي تمييز بين الفعل الأخلاقي والغير أخلاقي أو بين العدل والظلم.

وبعد هوبز تطورت نظرية العقد الإجتماعي على يد جون لوك الذي اختلف مع هوبز في أن الحالة الطبيعية امتازت بالتناحر والصراع واختلف جون لوك مع توماس هوبز في فكرة السلطة المطلقة للحاكم إذ نادى بضرورة الفصل بين السلطات الثلاث ودعا إلى الخضوع لرأي الأغلبية. ورفض فكرة التنازل التام للدولة عن الحقوق بل اعتبر أن الحكومة  بمن فيهم الملك والبرلمان عليها مسؤلية كاملة تجاه الشعب، ولا تكون سلطتها مطلقة، بل هي مقيدة بمسؤليات قانونية ودستورية. ولهذا يعتبر البعض جون لوك من أهم المفكرين تأثيرا على الفكر السياسي الحديث.

 ولم يختلف جان جاك روسو كثيرا مع أفكار جون لوك حيث رفض فكرة الحكم المطلق للحاكم ورفض التنازل عن كافة الحقوق للحاكم ورأى روسو أن الإنسان تميز بالصلاح في الحالة الطبيعية فالحالة الطبيعية امتازت بالمثالية والخير.ورأى أن المجتمع قد نشأ مع التطور الأقتصادي وظهور الملكيات الخاصة. إن فلسفة جان جاك روسو السياسية لا تنفصل عن السياق التاريخي للقرن الثامن عشر فقد شكل  تيارا فلسفيا يعكس على نحو نظري مصالح تيار اجتماعي في طور التشكل والبروز واعني هنا الطبقة البرجوازية  الصاعدة وذلك بإحلال المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية أمام جبروت الحكم المطلق  إذ أن الخيط الرابط الذي يجمع الأدبيات التنويرية هو التنظير للفكر البرجوازي ولنظامه الذي بدأ يتبلور شيئا فشيئا، إذ أن معظم فلاسفة التنوير قد وضعوا نصب اعينهم نقد وتقويض دعائم النظام الاقطاعي الذي سيطر على الحياة العامة في جميع المستويات الاقتصادية والسياسية .

إن الفكر السياسي الحديث الذي بدأت بوادره الفلسفية والايديولوجية مع كتاب "الأمير" لميكيافيلي هو نتاج السياق النهضوي والتنويري بما يحمله من وضعيات اجتماعية واقتصادية  ومن احتمالات وامكانات لتجاوزها ونفيها.

إننا نجد جان جاك روسو يعلن ضمن كتابه العقد الاجتماعي أو مبادئ القانون السياسي ما يلي:

« C’est ce que Machiavel a fait voir avec évidence. En feignant de donner des leçons aux rois, il en a donné de grandes aux peuples. Le prince de Machiavel est le livre des républicains.

 يرفض روسو  تأسيس المجتمع بمقتضى قانون طبيعي او على أساس الاتفاقيات الغير المشروعة التي تنظر للعبودية ولحكم وسلطة الأقوى. فهو يعود بنا الى أحد أشكال المجتمعات الأولى، ألا وهي الأسرة و يطعن في القول الذي مفاده أن في ارتباط الأبناء بآبائهم ما يبرر التبعية، بقوله ان وصاية الوالد لا تدوم إلا طيلة الوقت الذي يحتاج اليه الابناء لان يحفظوا بقائهم، فمتى انحلت وانفكت هذه الحاجة، انحلت وانفكت أيضا الرابطة الطبيعية. كما يبين ان المجتمع لا يمكن أن يتأسس على مبدأ "حق الأقوى" فالأقوى ليس قويا بما فيه الكفاية  بحيث يكون سيدا على الدوام . وبحسب روسو فإن كل ما يكسر الوحدة الاجتماعية لا يساوي شيئا وهذا حال المؤسسات التي تضع الانسان موضع التناقض مع نفسه، فهي لا تساوي شيئا.(د.ميرنا داود)

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما