مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

في جدلية الزواج المختلط والتحديات التي يطرحها

04-06-2020

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

يرى البعض في الزواج المختلط وسيلة لتحقيق التعايش بين الثقافات والتواصل بين الأديان والاندماج بين اللغات والتقارب بين الدول ، وينتج عن هذه التزاوج العديد من القضايا المهمة ذات التأثير المتبادل بين الطرفين ومن ثم ينعكس على الأبناء والمجتمع من الناحية النفسية والاجتماعية.

ويشير مصطلح الزواج المختلط إلى اختلاف طرفي الزواج (الزوج والزوجة) من حيث الجنسية أو الدين أو اللغة. والسوأل الذي يطرح نفسه :كيف يمكن لشخصين من بيئتين وحضارتين وبلدين مختلفين أن يتفاهما ويتأقلما معاً؟ لا بل أن يتزوّجا ويؤسّسا عائلة واحدة! سؤال يحتمل إجابات متعددة ، وقد يكون موضع جدل لا نهاية له لما يحمله في طياته من تأويلات بين مؤيد و معارض . إلا أننا منذ القدم نشهد زيجات مختلطة من عائلات مختلفة ومناطق مختلفة وحتى بلدان أجنبية فمنها ما ينجح ويتحدّى الفروقات ويصمد ، ومنها ما يؤول إلى فراق وطلاق ، فلا قاعدة محددة بل يتعلق الأمر بالشريكين نفسيهما في مواجهة الصّعوبات وتذليلها أمام الحب والاحترام والتفاهم المتبادل والتباين بين السالب والموجب.

لا شكّ في أن تقبّل الآخر يفرض علينا معايير معيّنة في ضبط النفس وتفهّم رأي مغاير واحترام طريقة عيش مختلفة وتقبّل عادات وتقاليد متنوّعة. فكيف الحال إذا تعلّق الأمر بزواج وشراكة أبديّة، وعائلة جديدة ومجتمع غريب؟ لكن من جهة أخرى، ومع التّطوّر ووسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الإنترنت وفي ظل العولمة، بتنا نعيش في قرية كونيّة منفتحين على الآخر مُلمّين بأعراف وتقاليد وحضارات ولغات وبلدان لم نكن نفقه عنها شيئاً سابقاً ، فأصبحت فكرة "الآخر" مقبولة في أغلب الذهنيات والعائلات والبلدان ، بعيداً عن الأحكام المسبقة والرّفض القاطع والممانعة الفوريّة.

فعندما يتعلّق الأمر بالزّواج المختلط من بيئة وبلد غريب، لا بدّ من الاستفادة من أوجه الشبه والتعلّم من الجديد ومحاولة تخطّي الفروقات وتبسيط الخلافات ، لبناء عائلة متضامنة وزواج متين ، هذا إذا كنا نبحث على ما يلم الشمل وليس ما يفرق بطبيعة الحال ، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ كلّ فرد يمتاز بشخصيّة مميّزة عن الآخر تؤثّر بوضوح في سائر خياراته الحياتيّة والإنسانيّة والعاطفيّة والعمليّة والاجتماعيّة والنفسيّة ، فقدرة كلّ إنسان على التأقلم تختلف من شخص إلى آخر بناء على البيئة الحاضنة وظروف حياته والتّجارب التي خاضها ومحيطه العائليّ والاجتماعيّ ومستواه العلميّ.

وللمزيد من التوضيح ، اقول إنّ قدرة المرء على الانسجام في بيئة مختلفة تتعلّق بشخصيّته  وهذه هي الجزئية المهمة ، أكان منفتحاً على الآخرين أم منغلقاً على ذاته كما أنّ القدرة على الانسجام ضمن أيّ ثنائيّ مردّها إلى الحوار والتفاهم والاحترام المتبادل بين الشّريكين ، إذ إنّ وجود الآخر الدّاعم من شأنه أن يساعد معنوياً وفعلياً على التأقلم بسرعة أكبر وهذا أمر طبيعي ، فلا قواعد واضحة ولا أبحاث موثّقة في هذا الإطار.

وأشير هنا إلى ان الشّرقيّون والعرب قد اثبتوا بصفة عامة قدرتهم على التّأقلم في بلدان عربيّة أوأجنبيّة أخرى وبرعوا في العمل وأثبتوا أنفسهم في بلاد الاغتراب والمهجر وأقول هذا عن تجربة ، كما اتخذوا أزواجاً وزوجاتٍ من بلدان مختلفة وكانت زيجاتهم ناجحة من الناحيتين الحضاريّة والاجتماعيّة ، فاختلاف المجتمع والبيئة والبلد يؤثّر في الزّواج ولكن ليس بقدر اختلاف الشّخصيّة والطّبع.

كما تلعب طبيعة الزّواج والظروف ومكان الإقامة دوراً أساسيّاً في نجاح العلاقة أو فشلها ، وهنا أقول لا بدّ لنا من دراسة المدّة التي قضاها الشخص بعيداً عن بلده الأم وتأقلمه فيه قبل الزواج وأثناءه ، كما يجب معرفة كيفيّة التعرّف إلى الشريك ، مِن خلال معرفة شخصية أو من خلال الأصدقاء وسواها من المعايير التي قد تؤشر الى طبيعة التأقلم والانسجام. لكن لا شمول أو تعميم في المطلق ، لأنّ كلّ حالة فريدة من نوعها وهذا امر طبيعي.

ولعلّ الحالات الأكثر شيوعاً في مجتمعاتنا الشرقية هي زواج الشاب الشرقيّ من فتاة أجنبيّة وإقامتهما في بلد أجنبي ، ولكن هذا لا يمنع أيضاً وجود شبّان شرقيين في بلدان نسائهنّ أجانب ، أو وجود أزواج أجانب لسيّدات شرقيات في بلاد الشرق ، أو سفر المرأة الشرقية للإقامة في بلد زوجها الأجنبيّ ، وتبقى بطبيعة الحال قدرة التّناسق منوطةً بتماهي الطّباع ما بين الرّجل والمرأة ، وليس باختلاف البيئة فحسب فقد أصبح اختلاف الحضارات واللغات والبلدان طبيعيّاً بين الناس الذين يسعون عادةً جاهدين إلى الإنفتاح والاطلاع على العادات والتقاليد والأعراف من خلال كبسة زرّ أو سفر أو مغامرة.

كما أريد أن أنوه هنا على قدرة العائلات الشّرقيّة عموماً على احتضان الغريب وتقبّل الآخر ، فالإنسجام ضمن المحيط والعائلة يخفّف من وطأة المشاكل المحتملة ويساعد على التّعايش في بيئة جديدة وحضارة مختلفة. وفي النهاية لا بد لي من التّأكيد أنّ الانتقال من منطقة إلى أخرى في نفس البلد قد يكون في بعض الأحيان مصدر إزعاج للمرء ، فكيف الحال إذا انتقل إلى بلد آخر وعايش حضارة أخرى حيث تختلف اللّغة وتقاليد المجتمعات؟

 

اخيراً وبالنسبة الى الأولاد من الزواج المختلط فلا شيء يؤكّد أو ينفي وجود مشاكل تتعلق بالأولاد في ما خصّ الزّيجات المختلطة. إنّ الغنى والانفتاح والثقافة التي يكتسبها الأولاد من أبوين من بلدين مختلفين تكاد لا تُحصى، علمياً وعملياً ولغوياً وحضاريّاً وإنسانياً. إذ إنّ النّضج الفكريّ والعاطفيّ والوعيّ الاجتماعيّ لكلا الطّرفين من شأنه أن ينعكس طاقة إيجابيّة للعائلة برمّتها ، وإنما قد يتأثر الأولاد بالاختلاف الواضح في العادات والتقاليد في حال أهمل الوالدان تعليمهما عن كلا البلدين ، أو لم يُسافرا إلى البلد الثاني مع أولادهما لفترة طويلة من الزّمن ، أو أبدى أحدهما الامتعاض من تقاليد المجتمع الآخر وأعرافه.

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما