21-06-2019
آفــاق
الدكتورة ميرنا داوود
أستاذة جامعية وكاتبة
وهذه اللغة التي نطق بها السيد المسيح ما زالت تنفس في سوريا وبالتحديد في مدينة معلولا الواقعة على بعد 50 كيلومتراً عن العاصمة دمشق، وهي مدينة جميلة تعانق السماء في أعالي جبال القلمون، وفيها يرضع الأطفال هذه اللغة وهم في المهد، وحتى قبل أن يتعرفوا على اللغة العربية.
والجدير بالذكر أن الآرامية هي اللغة المحلية في معلولا، ولكن غالبية سكان المنطقة لا يتقنون كتابتها، فأهالي معلولا ينطقون بالآرامية قبل تعلمهم للغة العربية بواقع الحال.
وسعى سكان معلولا للحفاظ على هذه اللغة من الاندثار أمام تحديات هجرة شبانها وخوفاً من ضياعها، فاستجابت الحكومة السورية لندائاتهم بإقامة معاهد لتعليم اللغة الآرامية المحكية ومبادئ كتابتها لمن يرغب من السكان المحليين أو أي راغب من خارجها لتضم لجامعة دمشق لاحقاً وتصبح ملحقة بقسم اللغويات رسمياُ.
وتم افتتاحها فعلاً في معلولا في عام 2006 تزامناً مع ادخال تعليم الآرامية الى قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة دمشق، الى جانب لغات سامية اخرى كالكلدانية والسريانية وهي اللغات الأصلية لسكان سوريا الطبيعية.
ومن المعروف والموثق في مراجع رسمية أن اللغة الآرامية، من اللغات السامية التي بقيت متداولة في منطقة بلاد الشام حتى عام 250 ميلادي، ثم سميت باللغة السريانية تلتها اللغة العبرية فالعربية.
وللغة الآرامية لهجات مختلفة منها: القديمة والرسمية والغربية والشرقية وأخرى مثل التدمرية والنبطية والحضرية.
ولا يغيب عن أذهان أي عالم أو متخصص في مجال اللسانيات أن اللغات تتوالد بعضها عن بعض فعلى سبيل المثال لا الحصرفان كلمة "شلوما" بالآرامي تحولت الى "شلومو" باللغة السريانية ثم "شلوم" باللغة العبرية والتي يقابلها "سلام" بالعربية فالأصل واحد و يعود لألف عام قبل ميلاد المسيح.
والجدير بالذكر أن تدريس اللغة الآرامية توقف في معاهد معلولا في عام 2010 بسبب اختلافات منهجية وتطبيقية.
وتعتمد كنائس عديدة في الشرق الأوسط الصلوات بلغة السيد المسيح، إلا أن الحديث اليومي بهذه اللغة ومعاصرتها ليوميات حياتنا الراهنة أمر مختلف؛ فما مصير اللغة الآرامية في القرن الواحد والعشرين وهل هي فعلاً مهددة بلأندثار والتلاشي؟
قبل اندلاع الحرب في منتصف آذار 2011، كانت معلولا وجهة يزورها سياح من جميع أصقاع العالم لسماع لغة المسيح تتردد في أزقتها. وكان عدد سكانها أكثر من ستة آلاف نسمة، غالبيتهم من الروم الكاثوليك الذين يتحدثون اللغة الآرامية. إلا أن معظمهم فروا مع وصول الفكر التكفيري الظلامي إليها في 2013، وسيطرة الارهابيين عليها. حيث قام الظلاميون بخطف 13 راهبة قبل أن يفرج عنهن لاحقاً. وفي منتصف نيسان 2014، استعادت القوات الحكومية النظامية بسط سيطرتها على معلولا، إلا أن غالبية السكان ممن نزحوا إلى دمشق أو لجأوا إلى الخارج لم يعودوا إليها، ويقدر عدد سكانها حالياً بنحو ألفين فقط.
وبالعودة الى اللغة الأرامية يؤكد الباحثون أن 80 % من سكان معلولا لا يتكلّمون الآرامية وأعني بذلك الجيل الصاعد ، في حين أن أعمار البقية التي تتكلمها هم فوق الستين عاماً. فيما مضى كانت الأجيال السابقة تتعلم اللغة الآرامية قبل العربية، وتلفظ أولى كلماتها بالآرامية. أما أجيال الحرب، فقد ولدوا خارج معلولا، وتعلم أولادها العربية أولاً بسبب الظروف.
وعندما تسأل المعمرون في البلدة يأتيك الجواب: "لأكثر من ألفي عام حملنا في صدورنا وعلى ألسنتنا لغة السيد المسيح، ونحن من أواخر الناس على الأرض ما زلنا ننطق و نتشرف بهذه اللغة"، من دون أن يخفوا خشيتهم من اندثارها. وتُعد معلولا البلدة الأشهر من أصل ثلاثة بلدات في محيط دمشق لا يزال سكانها يتحدثون الآرامية. كما يتكلم سوريون مسيحيون منتشرون في شمال شرق سوريا اللغة السريانية المنبثقة أساساً من الآرامية.
فماذا بقي اليوم من هذه اللغة السامية وكيف السبيل الى ابقائها نابضة حية؟
أبرز الأخبار