مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

قراءة في مفهوم الهوية

18-07-2018

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

لفظ"هوية" في اللغة العربية هو اسم مصاغ انطلاقا من الضمير المنفصل "هو" ويبدو أنه ترجمة حرفية للفظ اليوناني الأرسطي tautotes الذي يعني الشيء المطابق لذاته هو المعنى الذي تؤديه في اللاتينية كلمة Idem، التي تعني هو نفسه، ومنها اشتُق مصطلح Identité (هوية) المستعمل في الكثير من اللغات الأوربية،
ليس فقط المنحدرة من اللاتينية مثل الفرنسية والإيطالية والإسبانية، بل حتى ذات الأصل الجرماني مثل الألمانية والإنجليزية والهولندية والدانماركية...
وهنا استعرض فلسفة ادوار سغيد التي تطرح اشكالية وهو ما يمكنني أن أُسميه (سياسة الهوية) وبحسب سعيد هو الشعور بأنَّ كل ما تفعله يجب أن تشرّعه هويتك الوطنية، أو أن يمر عبر مصفاتها، وهي في معظم الأحيان مجرَّد وهمٍ،  أقصد الهوية التي تقول: إنَّ كل العرب متجانسين، ومتطابقين. وضدَّ كل الغربيين المتشابهين  إذن، دور المثقَّف الأساسي في هذه اللَّحظة هو تكسير تلك الهوِّيات الكبيرة: الوطنية، والثَّقافية، والعابرة للثَّقافات".
يُعَدُّ إدوارد سعيد من الفئة القليلة التي تمردت على القوالب النَّمطية، والأطر الجامدة في تحديد الهوية؛ إذ لم تعد هذه الأخيرة بالنِّسبة إليه ذات بعدٍ واحدٍ حيث قال عنه محمود درويش في قصيدته "طباق"، بعد لقاءٍ جمعهما في الولايات المتَّحدة الأمريكية:
"والهوية؟ فقال: دفاعٌ عن الذَّاتِ إن الهوِّية بنت الولادة لكنَّها في النِّهاية إبداعُ صاحبها،لا وراثة ماضٍ.
 
ماذا تمثل حالة اللاَّجئين بالنسبة إلى مثقف كبير كإدوارد سعيد؟ إنها تعبر، لامحالة، عن أشد أنواع الظُّلم، والذي ليس يلحق فردًا بعينه، وإنَّما يشمل الجماعات إذ كيف يمكن للاجئٍ استوطن بلدًا آخرمعاودة زرع الجذور في مكان بين اثنين؟ دعونا نفكر في وضعية اللاَّجئ هو المنفي من بلده الأصلي، ليجد نفسه في مكان على الحدود مع بلد آخر. وهذا (البَين بَين) يجعل منه، لا محالة، كائنًا يعيش نوعًا من التَّمزق الدَّاخلي فهو الفرد الذي لا يتمتع بمواطنة البلد الذي ينتمي إليه، ولا يتمتع بمواطنة البلد الذي أتاه لاجئًا. هذه الوضعية التي يعيشها الإنسان اللاَّجئ في عالمنا المعاصر،  هي الَّتي كرَّس سعيد جهوده للدِّفاع عنها، إيمانًا منه أن دفاعه ذاك هو دفاعٌ عن إنسانية الإنسان، بصرف النَّظر عن دينه أو عرقه أو الأصل الذي ينتمي إليه؛ ذلك أن المثقَّف يُعرَفُ بكونه إنسانًا كونيًّا: لا دين يتعصب له، ولا هوية منغلقة ينتسب إليها. إن المثقَّف الحقيقي هو الذي يقف مدافعًا عن الإنسان.
 
يقول سعيد في هذا المجال: "أعتقد أن العامل الأهم، الذي كثيرًا ما يُغْفَلُ عنه في مسألة الهويات؛ هو دور التَّربية، فمعظم تقاليد التَّعليم وطنيةٌ على نطاقٍ ضَيِّقٍ. يقولون: نحن ننحدر من تقاليد عظيمة، من الآباء المؤسِّسين، وهكذا دواليك، ولكنَّهم يشيرون، ضمنيًّا، إلى أن التَّقاليد الأخرى دونية، وهذا فظيع، علينا التَّشديد على رؤيةٍ أوسع وأشمل للإنسانية".
العناصر التي يمكنها بلورة هوية جمعية هي كثيرة، أهمها اشتراك الشعب أو المجموعة في: الأرض، اللغة، التاريخ، الحضارة، الثقافة، الطموح وغيرها. 
 مبادىء الهويّة كما نعرفها بالمطلق هي ان تكون منسجمة مع معطيات الفكر القانوني والسّياسي، الّذي يستند إلى قانون المواطنة بوصفها معياراً جوهريّاً لتحقيق المساواة. وأن تعبّر الهويّة عن الواقع، أي أن تكون انعكاسا ًلتصوّر فئة ما دون غيرها. اما عن مكوّنات الهويّة الوطنية فهي: موقع جغرافي , ذاكرة تاريخيّة وطنية مشتركة, ثقافة شعبيّة موحّدة ,حقوقٌ وواجباتٌ مشتركة واقتصاد مشترك.
إن المبالغة في الدفاع عن الهوية يأسرها، ولا يجعلها تتطور وتتعايش فالهويات الضعيفة وحدها التي تبتلعها العولمة وليس هذا فحسب فالهوية المُحاطة تبقى في موقع دفاعي يجعلها نُهباً لنظريات المؤامرة . 
الهوية ديناميكية لا تنتهي  إنها  تتعايش مع الأخريات والهوية تصير بنا وبالآخرين. ولهذا فهي مستقبليّة وليست ماضوية.
 بطبيعة الحال فان  الهوية السورية لا تختلف عما عرضته سابقا إلا من حيثُ أن الحرب فتحت المجال أمام مواجهة السوريين لعدة أمور دفعة واحدة، وإن كانوا حتى الآن لم يحلوا مشكلة الهوية بعد لهذا يتشدد السوريون في قضية هويتهم، وخاصة خلال الحرب الطويلة فلقد راوح مفهوم الهوية بين نكران للعروبة بسبب سلوك دول عربية وبسبب اشكالية الهوية الكردية ولا سيما ان الهويات المحلية في حالة صراع .والانثناء على الهوية الوطنية السورية المحض، وبين اندلاع صراعيّ للهوية الإسلامية ونظائرها الطائفية وهي كلها تناذرات الصراع الذي فُرّغ من مضمون الفعل السوري المحض إلى تداخلات مع الإقليم ومع ما هو دولي، مما حرم التجربة الصراعية بمعناها التاريخي هنا من أي تراكم معرفي يضاف إلى مفهوم الهوية ويرتقي به.

 

لقد قررت أن اتناول مأزق الهوية مفهوميّاً وبالتالي فلسفيّاً لا عن الهوية السورية لأنني على قناعة بأن الحديث عن الهوية في الحروب لا يصح.
ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما