مباشر

عاجل

راديو اينوما

قراءة في الادب السياسي

22-05-2019

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

إن الأدب السياسي هو الأدب الذي يشتبك مع القضايا السياسية التي تهتم بالحالــــة العامــــة في أي مجتمـــع، كقضايا الحرية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ، ويكون ذلك من خلال معالجة أدبية لهذه القضايا من خلال إطـــار اجتماعـــي وعلى لسان الشخصيات التي تظهر في العمل الأدبي، سواء كان هذا العمل في شكل قصصي أو في شكل شعر أو رواية.

ولعل الأدب السياسي في العالم العربي بدأ مع فــترات الاستعمار العثماني والانكليزي والفرنسي والاحتلال الاسرائيلي ثم ظهرت في فترة الستينيات حركتا أدب الحداثة وما بعد الحداثة، إلا أن كثيرًا من الأعمال الروائية كانت شبه حيادية، واعتمدت ظلال المعالجة فيها على النقد السياسي من خلال التلميح وليس التصريح ولعل أعمال الماغوط هي خير دليل على الأدب السياسي الذي يحمل في طياته النقد والسخرية. من هنا يجد الأدب نفسه، بوصفه ظاهرة اجتماعية، بتماس مع العملية السياسية، فهو أقرب إليها من نشاطات إنسانية أخرى. ويصل الأدب أحيانا لدرجة أنه يبدو نوعاً من الممارسة السياسية، ويصبح الأديب رجل سياسة، لكن بطريقته وأدواته الخاصة. وقد لخص نجيب محفوظ هذا الموقف في عبارة بليغة قال فيها: "ليس هناك حدث فني، بل حدث سياسي في ثوب فني هذا لا يعني أن محفوظ يقر بضرورة تسخيرالأدب لخدمة أيديولوجيات معينة بما يقضي على الجانب الجمالي فيه، لكنه يتحدث عن حضور السياسة كسياق عام، وممارسة اجتماعية في النص الأدبي، أي يشير إلى تأثير الواقع المعاش على الأدب.

مما لا شك فيه أن ملامح الأدب السياسي تتمثل في معالجة مشاكل الحريات والعدالة الاجتماعية والقانون والشأن الاجتماعي، وهناك سمات أخرى في الأدب السياسي الذي عادة ما يكون أدبًا ساخرًا وأدبًا عنيفًا، خاصة فيما يتعلق بأدب السجون.
إن التعبير الساخر وإن صنف ضمن أدب الفكاهة لاشتماله عنصر الإضحاك، إلا أننا نستطيع إدراجه ضمن أرقى أشكال التعبير الأدبي خاصة لما يحمل في طياته من مواقف انتقادية تظهر إحساسنا بالمفارقة الدلالية المرفقة بانفعال الضحك، وهذا ما عبر عنه الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني بقوله: إن السخرية ليست تنكيتاً ساذجاً، ولكنها  نوعاً خاصاً من التحليل العميق،و مما لا شك فيه إذا لم يكن للكاتب الساخر نظرية فكرية فإنه يضحى مهرجاً. والأدب الساخر رسالته أقوى من الكلمات الجادة ويصل لغايته بطريقة أسهل وأيسر، ويتناقله الناس بناء على إعجابهم بجماله وذكائه ومهارته وخفته، فهو مركب بالغ التأثير في إيصال الأفكار وتوجيه المجتمعات، كما يستطيع صاحبه اصطياد المفارقة التي تثير الضحك بأسلوب التلميح لا التصريح، سواء كان ذلك عن طريق النكتة الشفوية أو الكاريكاتير أو القصة الساخرة، ومنها الفن المسرحي والدراما والسينما كما تحتوي السخرية على ألم مستتر، فكما أن قمة الحزن تتحول إلى غناء، فإن قمة الألم تتحول إلى سخرية، وقديما قالت العرب: شر البلية ما يضحك.
وبلمحة سريعة عن الأدب السياسي العالمي لا يمكننا الا الوقوف عند الأدب الروسي. لقد كان  القرن الماضي ، قرن الأدب الروسي الكلاسيكي السياسي ان صح التعبير في الرواية والقصة والمسرح والسينما. قرن تولستوي ودوستويفسكي وتشيخوف ، ولم يستطع أي أدب  قومي ، او وطني في أبعد بقعة من عالمنا الفسيح ، أن يتجنب تأثير هذا الأدب الملهم ، الذي ترجمت روائعه الى أكثر من (180) لغة من لغات العالم مرات عديدة  وصدرت في طبعات متلاحقة ، وتحولت الى افلام سينمائية ناجحة في هوليود وفي بقية انحاء العالم. ويكفي ان نقول ان السينما العالمية أنتجت ( 250 ) فيلماً ، مستوحاة من قصص ومسرحيات أنطون تشيخوف، منذ ظهور السبنما الصامتة وحتى اليوم .
الأدب الكلاسيكي الروسي ، هو أدب ” الموضوعات الأزلية ” ، فقد حاول الكتّاب الروس الإجابة عن أسئلة الوجود الأساسية : معنى الحياة ، وطبيعة الإنسان ، والخير والشر. وحاول كل منهم الأجابة عن تلك الأسئلة بطريقته الخاصة ، وتجسيد البطل النموذجي لزمانه .
لن نستطيع أن نفهم روسيا ، وكيف وبماذا يفكر الروس ، من دون أن نقرأ لهؤلاء ولغيرهم من كبار الكتّاب الروس . حقاً لقد تغيّرالواقع السياسي ، والأقتصادي ، والأجتماعي ، والثقافي في روسيا كثيراً منذ ذلك الحين ، نتيجة للأحداث العاصفة التي شهدتها خلال تأريخها الحديث ، ولكن ( الروح الروسية ) بقيت تقريباً كما كانت في العصر الذهبي للأدب الروسي في القرن التاسع عشر .لأن تغيير الأنسان أصعب من تغيير الواقع المادي .
الإنسان لا يتغير الا ببطأ شديد ولقد أخفق البلاشفة في خلق انسان سوفييتي وفق مقاييسهم طوال (73) عاما من التلقين الأيديولوجي . ولن نفهم روسيا اليوم ، ولا الروح الروسية ، الا بالرجوع الى الأدب الروسي الكلاسيكي ، وهذا صحيح الى حد كبير بالنسبة الى بقية شعوب العالم ، فالأدب الحقيقي يعكس العالم الروحي لأي شعب وثقافته .
services
متجرك الإلكتروني في أقل من عشرة أيام!

انطلق من حيث أنت واجعل العالم حدود تجارتك الإلكترونية…

اتصل بنا الآن لنبني متجرك الإلكتروني بأفضل الشروط المثالية التي طورتها شركة أوسيتكوم؛ أمنًا، سعرًا، وسرعة.
اتصل بنا

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.