مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

التعريف بالأنثروبولوجيا

26-06-2018

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

يختلف تعريف مفهوم الأنثروبولوجيا باختلاف المرجعيات الثقافية للباحثين في هذا المضمار فمنهم من يستخدم مفهوم الأنثروبولوجيا كمفهوم عام يشمل كافة النواحي الإجتماعية و الثقافية للإنسان أي دراسة الإنسان كمفهوم مطلق من حيث انتاجه عبر التاريخ: ثقافة ، تقاليد ، عادات ومعتقدات

وهناك من يطلقها لتقتصر على ما هو عضوي أو حيوي في الإنسان فيستخدم الأمريكيون على سبيل المثال مصطلح الأنثروبولوجيا المادية اوالفيزيائيةPhysical      Anthropology للإشارة إلى دراسة الجانب العضوي أو الحيوي في الإنسان بينما يستخدمون مصطلح الأنثروبولوجيا الثقافية Cultural Anthropology لتوصيف مجموع التخصصات التي تدرس النواحي الاجتماعية و الثقافية لحياة الإنسان (يدخل في ذلك الدراسات التي تتعلق بحياة الإنسان القديم أو حضارات ما قبل التاريخ) . فإذا كان هذا الإهتمام بالأنثروبولوجيا كعلم يدرس الثقافة البشرية بمعناها الشامل داخل الولايات المتحدة الأمريكية فإننا نجد العكس في فرنسا حيث ارتبط مفهوم الأنثروبولوجيا بدراسة التاريخ الطبيعي للإنسان و يذكر الباحث الفرنسي جان بواريه  Jean Poirier انها ظهرت أولا في كتابات علماء الطبيعة إبان القرن الثامن عشر لتعني دراسة التاريخ الطبيعي للإنسانL'histoire naturelle de l'homme، وربما كان عالم الطبيعة الألماني يوهان بلوميناخ في رأي بواريه هو أول من أدخل كلمة الأنثروبولوجيا في منهج تدريس التاريخ الطبيعي بالمناهج الجامعية كما استخدمها في كتابه الذي صدر عام 1795 تحت عنوان ''عن التنوعات الطبيعية الجوهرية بين البشر" وإذا كانت الأنثروبولوجيا كعلم يهتم بدراسة الثقافات و التقاليد و العادات و كل ما يتعلق بالإنسان يعني دراسة ذلك الكل المعقد الذي يسمى ثقافة فإن هذه الدراسة تحتاج إلى مادة لتقوم بتحليلها وهذه المادة توفرها الإتنوغرافيا والتي شكلت على الدوام إشكالية تاريخية ومعرفية لانثروبولوجيا.

إن مصطلح الإتنوغرافيا يعني الدراسة التحليلية لأسلوب الحياة  والعادات والتقاليد والقيم والفنون و المآثر الشعبية لدى جماعة معينة أو مجتمع معين خلال حقبة زمنية محددة غير أن الأنثروبولوجيا تختلف عن الإتنوغرافيا فهي لا تعتمد على أسلوب الوصف فقط بل تتعداه إلى تحليل هذه المادة  المركبة  بهدف الوصول إلى تصورات نظرية وبهذا تشكل المادة الإثنوغرافية قاعدة أساسية لعمل الأنثروبولوجيا حيث تكمل إحداهما الأخرى.
أن الأنثروبولوجيا كعلم لم تتبلور إلا في أواخر القرن التاسع عشر، لكن وصف ثقافة الشعوب قد جذب العديد من المفكرين و الرحالة وحاول بعضهم إعطاء تفسيرات لهذه الاختلافات ، فالحروب والرحلات التجارية والإستكشافية و كذلك البعثات التبشيرية ساهمت في حدوث تواصل بين الشعوب ففي الحضارة المصرية شكلت الرحلات التجارية نقطة التقاء بالأخر و التعرف عليه ثقافيا و اجتماعيا و في هذا المضمار يكتب مونتسكيو في عرضه لتاريخ الإتنوغرافيا بأن الرحلة التي قام بها المصريون القدماء عام 1493 ق.م تعد من أقدم الرحلات التاريخية على الإطلاق حين أبحر في النيل باتجاه جنوب مصر أسطول مكون من خمسة مراكب وعلى متن كل مركب اربعون شخصاً بهدف تسويق بضائعهم النفيسة مثل البخور والعطور،وقد نتج عن هذه الرحلة تواصل بين المصريين القدماء وشعوب إفريقيا و تأكيد لإقامة علاقات معهم فيما بعد فقد صورت النقوش في معبد الدير البحري إستقبال ملك و ملكة بلاديونت لمبعوث مصري كما أوضحت النقوش كذلك بعض تفاصيل الصفات البدنية لتلك الشعوب وبدا واضحا ما اتصف به أهل المملكة من السمنة المفرطة . وفي الثقافة الإغريقية نجد توصيفاً في كتابات عدد من الكتاب الإغريق مثل الشاعر اليوناني هوميروس الذي عاش خلال القرن التاسع قبل الميلاد وهو صاحب ملحمتي الإلياذة والأوديسا . وكذلك المؤرخ هيرودوت الملقب بأبي التاريخ ففي كتابه "التواريخ" حرص على تقديم كل ما يستحق التدوين عن التاريخ الإنساني فقد قدم معلومات في تسعة فصول عن خمسين شعبا من خلال رحلاته و قراءاته وذلك إلى جانب وصفه الدقيق للحرب التي دارت بين الفرس و الإغريق إبان القرن السادس قبل الميلاد ولم يكتف هيرودوت بهذا القدر بل كان يصف المعتقدات والعادات ويقارن بين الشعوب ومعتقداتها وعاداتها و في هدا الصدد يقول: ''في غير مصر يطلق كهنة الآلهة لحاهم وشعرهم أما في مصر فيحلقونها .

 


تكمن أهمية هيرودوت في كونه استطاع في ذلك الوقت المبكر أن يطرح فكرة وجود تنوع بين الشعوب في النواحي الثقافية واللغوية والدينية ولم يفته الإشارة إلى عناصر التبادل الثقافي و اقتباس الشعوب بعضها من بعض وهو ما سيتبلور لاحقاً داخل حقل الانثروبولوجيا بمفهوم التبادل الثقافي والإنتشار الثقافي . وفي هذا المضمار كتب هيرودوت أن الإغريق قد أخذوا عن الليبيين الثياب والغناء والعربات: '' يبدو أن اثواب ودروع وتماثيل أثينا قد نقلها الإغريق عن النساء الليبيات غير أن لباس النساء الليبيات جلدي ودروعهن مصنوعة من جلد الماعز وليست  من جلد الثعابين. ومع نهاية القرن الخامس الميلادي تقريبا بدأت السلطة في روما في التدهور والإنهيار ودخلت حينها اوروبا في فترة زمنية طويلة عرفت بالنكسة الحضارية و ارتداد الفكر إلى حقبة مظلمة و تعرف هذه الحقبة بالعصور الوسطى حيث أصبحت المعرفة خاضعة لسلطة المؤسسة الدينية وهنا تبدأ مرحلة جديدة في علم الأنثروبولوجيا .

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما