10-05-2022
مقالات مختارة
|
النهار
عقل العويط
عقل العويط
التصويت الأخلاقيّ يفترض أنْ يكون مسألةً بديهيّة. وإلّا يكون الناخب – مطلقًا - بلا أخلاق. في لبنان، الآن وهنا، لا يعود هذا التصويت الأخلاقيّ محضَ مسألةٍ بديهيّة. إنّه جوهر. بل مسألة وجود وعدم وجود.
يستنتج العاقل، كلّ عاقل، ديالكتيكيًّا ومنطقيًّا وعمليًّا، أنّ كلّ مَن لا يصوّت تصويتًا أخلاقيًّا، هو – عن وعيٍ وسابق تصوّرٍ وتصميم - بلا أخلاق، عاهر، خسيس، عبد، مأجور، دنيء، فاقد الأهليّة الوطنيّة، مجرم، ومرتكب خيانة عظمى.
ماذا يعني أنْ أصوّت تصويتًا أخلاقيًّا؟
يعني أنْ أصوّت "ضدّ"، بسبب ما آل إليه الوضع اللبنانيّ على المستويات كافّةً.
لكنْ، لماذا ضدّ؟
لأنّه تصويتٌ ضدّ "السياسة" الانحطاطيّة البذيئة والخسيسة، بعد تفريغ هذه السياسة من الثقافة، من معناها الأصليّ، وبعد تمريغها في الدعارة السياسيّة. لأنّه تصويتٌ ضدّ الخيانة العظمى (هل تعلمون ما هي الخيانة العظمى؟!). لأنّه تصويتٌ ضدّ المقايضة. لأنّه تصويتٌ ضدّ المحاصصة. لأنّه تصويتٌ ضدّ الصفقة. لأنّه تصويتٌ ضدّ السرقة. لأنّه تصويتٌ ضدّ الفساد. لأنّه تصويتٌ ضدّ انتهاك الدستور. لأنّه تصويتٌ ضدّ الجوع. لأنّه تصويتٌ ضدّ الفقر. لأنّه تصويتٌ ضدّ 7 أيّار (هل تتذكّرون 7 أيّار؟). لأنّه تصويتٌ ضدّ السلاح غير الشرعيّ. لأنّه تصويتٌ ضدّ الاحتلال. لأنّه تصويتٌ ضدّ الارتهان إلى الخارج، كلّ خارج. لأنّه تصويتٌ ضدّ الوصاية. بل لأنّه تصويتٌ ضدّ الموت. وضدّ ثقافة الموت.
أصوّت - في هذه الحال - ضدّ مَن في لبنان؟
ديالكتيكيًّا ومنطقيًّا وعمليًّا، أصوّت "ضدّ هؤلاء".
مَن هم "هؤلاء"؟
عدّوا معي: إنّه تصويتٌ ضدّ المسؤولين والحكّام. إنّه تصويتٌ ضدّ السلطة. إنّه تصويتٌ ضدّ الحكم. إنّه تصويتٌ ضد الأكثريّة الحاكمة. إنّه تصويتٌ ضدّ كلّ الأطراف الذين يؤلّفون الأكثريّة الحاكمة.
لكنْ، مَن هي السلطة؟ مَن هو الحكم؟ مَن هي الأكثريّة الحاكمة؟ ديالكتيكيًّا ومنطقيًّا وعمليًّا، السلطة هي هذه السلطة اللبنانيّة. الحكم هو هذا الحكم الللبنانيّ. الأكثريّة الحاكمة هي هذه الأكثريّة اللبنانيّة الحاكمة التي يتألّف منها مجلس النوّاب اللبنانيّ هذا، وتتألّف منها هذه الحكومة اللبنانيّة (والحكومات السابقة طبعًا).
هذا التصويت الضدّيّ هو تصويتٌ أخلاقيٌّ بامتياز. وهو، وإنْ يكن مسألةً بديهيّة، يمثّل الآن وهنا، في 15 أيّار الانتخابيّ هذا، أعلى درجات سلّم القيم المعياريّة والوطنيّة والسياسيّة.
التصويت إذًا هو موقفٌ أخلاقيٌّ. هو إذًا موقفٌ سياسيّ. فلا معنًى لأيّ موقفٍ سياسيٍّ إذا لم يكن موسومًا بالأخلاق. مَن يصوّت تصويتًا أخلاقيًّا، يصوّت "ضدّ". التصويت الضدّيّ هو تصويتٌ سياسيٌّ مطلقًا.
لا بدّ من ربط الأمور بعضها ببعض. نزل اللبنانيّون إلى الشوارع في 17 تشرين الأوّل 2019 في "ثورةٍ أخلاقيّة" هي ضدّ اللّاأخلاق في السياسة وضدّ اللّاأخلاق في الحكم والسلطة وإدارة شؤون الدولة والناس.
نزولهم كان ثورة. ويظلّ – في التاريخ - ثورة. مخطئٌ ومجحفٌ كلُّ مَن يظنّ أنّ ما حصل يومذاك لم يكن ثورةً. نزولهم كان موقفًا أخلاقيًّا ضدّيًّا مطلقًا. هذا الموقف الأخلاقيّ الضدّيّ المطلق، من المفجع أنْ يُقال إنّه لم يكن ثورة. في ما بعد، "دخلت" أمورٌ كثيرة على الخطّ (خطّ الثورة)، و"دخل" أطرافٌ وأحزابٌ وسياسيّون وعملاء ومأجورون ومدسوسون ومفخّخون وأحصنة طروادة وحساباتٌ، فصار ما صار، ممّا كان لا بدّ من أنْ يصير، وممّا لم يعد ثورة. في هذا كلّه، يجب عدم إلغاء الموقف الضدّيّ الأخلاقيّ، الذي هو ثورةٌ بامتياز.
عشيّة 15 أيّار، أدعو إلى التصويت الأخلاقيّ. وهو تصويتٌ ضدّيٌّ بامتياز. وهو ثورة. كلّ مَن له أذنان سامعتان فليسمع. وكلّ مَن له عقلٌ فليعقل. والسلام.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار