مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

احذروا الحرب الناعمة

14-01-2021

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

فلسفة القوة الناعمة كما يُعرفّها "جوزيف ناي"، بوصفها ضرورة للدول "الديمقراطية" المضطرة إلى الإقناع بدلاً من القسر، فهي لهذا عنصر ثابت في السياسة الديمقراطية التي تعتمد مثلاً الشخصية الجذابة (الكاريزما) والثقافة والمؤسسات والقيم السياسية والسياسات التي يراها الآخرون مشروعة أو ذات سلطة معنوية أو أخلاقية وهي أكثر من مجرد الإقناع أو القدرة على إستمالة الناس بالحجة ، فهي أيضاً القدرة على الجذب ، والجذب كثيراً مما يؤدي إلى الإذعان في نهاية المطاف.

وتنقسم القوة إلى ثلاثة أشكال وأنواع :القوة الاقتصادية والقوة الصلبة العسكرية والقوة الناعمة وعلى هذا الأساس فالقوة الصلبة لا تنفصل عن القوة الناعمة والقوة الاقتصادية ، فهذه القوى الثلاث تشكل أبعاد وزوايا القوة والتفوق والهيمنة والسيطرة في عالم السياسة الدولية.

وينبغي لمن يتصدى للعمل في الاستراتيجيات والسياسات الدولية أن يعرف أن جدول أعمال السياسة العالمية قد أصبح اليوم مثل لعبة الشطرنج ثلاثية الأبعاد ، لا يمكن الفوز بها إلا إذا لُعبت بطريقة عمودية وأفقية ، بمعنى على كافة الأصعدة والمحاور، ومشكلة بعض اللاعبين والزعماء أنهم لا يستطيعون اللعب إلا في اتجاه أو بعد واحد أي إما إعلان وشن الحروب العسكرية أو فرض العقوبات الاقتصادية.

بالطبع فإن سياق القوة قد تغير بفعل عوامل لها صلة بالعولمة وإنتشار وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وفبركة المعلومات التي تُستخدم كمنصة من منصات حروب الجيل الرابع وأداة من أدوات القوة الناعمة ويقظة المشاعر القومية والإقليمية وعدم ردعية السلاح النووي وضمور وضعف شهوة الغزو والاستعمار العسكري لدى الدول الكبرى ، مما أدى إلى تغير وتبدل في أشكال القوة ، لأن معادلات القوة لا تعمل إلا في السياق والإطار الذي توجد فيه علاقات وموازين القوة.  فالدبابة لا تصلح لحرب المستنقعات والغابات ، والصاروخ والمدفعية لا يصلحان لجذب وكسب الآخرين.

ومن ناحية أخرى فالقوة الناعمة هي الأكفأ والأفضل في عالم اليوم على توفير القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة ، بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للوسائل العسكرية ، وهي الأقدر على تشكيل تفضيلات وخيارات الآخرين وجدول أعمال الآخرين السياسي ، وكل دولار يُصرف في مجالات القوة الناعمة أفضل وأجدى بأضعاف من صرف مائة دولار في مجالات القوة الصلبة ، وهذا بحسب الفلسفة المُتعارف عليها في تعريف القوة الناعمة والتي جاء على ذكرها المفكّر"ناي" في كتابه الشهير "القوة الناعمة".

تنقسم الحروب كما هو معلوم إلى أجيال مثل حروب الجيل الأول التي تتمثل بجيشين نظاميين ومواجهة صاروخ ضد صاروخ ، ثم حروب الجيل الثاني التي تتمثل بحروب العصابات ، ثم حروب الجيل الثالث وهي حروب وقائية سريعة وخاطفة ، ثم حروب الجيل الرابع التي من أدواتها الحرب النفسية والعصابات وشبكة الإنــترنـت وتغيير مفردات اللغة ، إلى جانب الضغوط الاقتصادية التي تضم اللعب في البورصة وزيادة الأسعار وأزمة الدولار وضرب السياحة وتصدير الأزمات.

وتهدف حروب الجيل الرابع إلى زعزعة الاستقرار والتشكيك في الجيش والشرطة والقيادات السياسية وضرب الاقتصاد بضرب السياحة ونشر الشائعـات واستخدام التكنولوجيا داخل التنظيمات الإرهابية.

وتُعتبرالقوة الناعمة ملف شامل يحتوى على العديد من الأدوات فى العديد من المجالات التي تشتمل على الفن والأدب والثقافة والفكر والموسيقى ، وينضم إلى ذلك المؤسسات الروحية أو أى مؤسسة لها علاقة بالأمور الروحية والمعنوية ، ووفقًا لأحد تعريفات القوة الناعمة فإنها تدعو الى حتمية أن تكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال أسلوب تنتهجه الدولة لتعميم المبادئ والأفكار والأخلاق، ولا يتم ذلك إلا بالتوازي مع إطلاق مشروعات البناء والتعمير والتعليم ، وذلك بهدف نشر هذه العناصر لاكتساب صفة الاحترام ، وبالتالى تشجيع الآخرين على تبنى هذا الأسلوب.

من المعروف أن حروب الجيل الرابع تسعي إلي هدم الدولة الشاملة، والمقصود بالدولة الشاملة هي الدولة القادرة علي الحرب أو القادرة علي الاستقرار، وبالتالي الدولة الشاملة هي الإمكانية الخاصة بالدولة ، وتنقسم القوة الصلبة إلي الكتلة الحيوية ، ثم الأرض والسكان ، ثم القدرة العسكرية، ثم القدرة الاقتصادية. أما القوة الناعمة أو القوة غير الملموسة فهي ترمز إلى قدرة السياسة الخارجية والسياسة الداخلية والإعلام والتكنولوجيا والمعلومات والروح المعنوية .

ما يهمني في هذا السياق فيما يتعلق بحروب الجيل الرابع في القوة الناعمة هو اسلوب عدم الإنتماء بالمكان بالنسبة للمواطنين ، ثم انهيار السياسة الداخلية ، ومن ثم صنع إعلام موجه ، ثم قتل الروح المعنوية وهذا هو هدف حروب الجيل الرابع ، فإذا نجح هذا الهدف من خلال تلك الحروب انبثقت الدولة الفاشلة أو الميتة وهذا لن يتم إلا من خلال إسقاط نظام الدولة المستهدفة ، وبالتالي تكون استراتيجية القوة في يد الشعب وهو ما يعرف بالشعبوية ، والتي تؤدي بالنهايه إلى الفوضى الخلاقة ، لأن تحكّم الشعب في مقدرات أمور الدولة على اختلاف أفراده وأحزابه وطوائفه ، دون ضابط ولا رقيب سيؤدي إلى الاختلاف والاحتراب وبالتالي البقاء في حلقة مُفرغة من الصراعات والثورات بلا عمل ولا بناء.

هذا هو التكتيك المستخدم الآن لغزو الدول المستهدفة عن طريق إستخدام قوة شعوبها لتدمير أنظمة وأعمدة الدولة بدون الاضطرار إلى التدخل الأجنبي ، حيث يقوم عناصر الطابور الخامس بالضغط على الدولة من الداخل ، ويقوم المجتمع الدولي بالضغط من الخارج، حتى تخضع الدولة في النهاية لقوانين المحتل الأجنبي غير المرئي للشعوب.

إذن ومما تقدم فإن الهدف من حروب الجيل الرابع هو إيجاد الدولة "الميتة" ، وذلك من خلال هدف مباشر يشمل المواطنون والسياسة الداخلية والإعلام والروح المعنوية ، كما يشمل تحييد القدرة العسكرية ، ثم هدم القدرة الاقتصادية ، ثم شلّ السياسة الخارجية ، وهذا لا ينفذ على أرض الواقع إلا من خلال استراتيجيات حرب اللاعُنف والكفاح السلمي التي تحدث عنها مفكرو هذا القرن.ولعل مما سبق نستنتج بأن القوة الناعمة هي من أخطر أسلحة حروب الجيل الرابع...!

فى هذه الحرب يجب أن تعلم أنك لا تملُك رفاهية الإختيار بالرفض وأن مشاركتك فيها حتمية، ولكن كل ما عليك فعله هو أن تختار موقعك وأن تحدد دورك وهدفك، فإما أن تكون متراس ردع وسندا لوطنك، وإما أن تتحول لمعول هدم (مخرب )، فقد تغيرت استراتيجيات الحروب وانتقلت من طور استخدام القوة الصلبة المباشرة إلى مرحلة الإعتماد على القوة الناعمة والقوة الذكية والتى تستخدم الشعوب كأداة طيعة لتنفيذ مخططاتها، والتى كان لها أبلغ الأثر فى حسم الصراعات وتنفيد ألاجندات المطلوبة وهذا ما شاهدناه في السنوات العشر الاخيرة . فيما يسمى بثورات الخريف العربي والشعبوية المغلفة بالفوضى : السينما.. الدراما والبرامج التليفزيونية والإذاعية.. الأغانى والأشعار والكُتب.. الصحافة الورقية والإلكترونية.. كافة وسائل التواصل الإجتماعى وحتى النخب ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدنى.إنها الأدوات والمصادر المكونة للقوة الناعمة التى تشكل أقوى الأسلحة المستخدمة فى حروب الجيل

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما