مع بدايات جائحة الكورونا تبنت مجموعة من المثقفين والسياسيين حول العالم نظرية المؤامرة ، وإن هذا الفيروس هو صناعة أمريكية الهدف منه تدمير الاقتصاد الصيني الذي ينافس الاقتصاد الأمريكي ويعيق نموه ، وعندما كان أحدنا يسأل كيف عرفتم ذلك ، يجيبونك بأن المنطق يقول ذلك لكن إضفاء الرغبات شيء والتأكد بالبراهين والقرائن شئ مختلف .
أذكر بأنني في البدايات سألت أحد العالمين بالحروب البيولوجية هل هناك من يضمن أن هذا الفيروس لن ينتقل إلى أمريكا أو أوروبا ، أم هو مصمم للصين والصينيين فقط ؟ فأجابني إن معلوماتي تقول نعم ، إنه مُصمم للحالة الصينية تحديداً دون بقية أبناء الجنس الأصفر أو الأجناس البشرية الأخرى.
ومن ثم تأكدت قناعتي أن كلامه مجرد نظرية غير صحيحة و ستُدحض تلقائياً في حال انتقال فيروس كورونا لإنسان آخر غير صيني ، وما هي إلا أيام قليلة حتى بدأ الفيروس في الانتشار إلى خارج الصين ، ولأعراق مختلفة صفراء وأوروبية وأفريقية وغيرها ، فدحضت بذلك نظرية الصديق العالم أو بدقة أكثر كُذبت.
ومما لا شك فيه أن العقل الانساني عموماً و العربي خصوصاً يؤمن بدرجة كبيرة جداً بنظرية المؤامرة ، وهناك ما يفسر ويبرر ذلك خاصةً في ظل مؤامرتين كبيرتين في تاريخ منطقتنا وهما وعد بلفور المشؤوم واتفاق سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا.
في مجريات الحياة الصاخبة أو الهادئة، هناك الكثير من الأحداث صنعتها الصدفة البحتة ، أو ما يسمى مجازاً بـ"قانون الصدفة"، وهو قانون كان ولا يزال محط جدل ونقاش بين المدارس الفلسفية في تفسير قوانين الحياة وهي مدارس تحاول تفسير أحداث كثيرة مبهمة ومعقدة في حياة الإنسان، على أرضية التصادم بين الصدفة المحضة وبين الصدفة المرتبة سلفاً، والتي يمكن تسميتها بالقضاء والقدر.
فعندما نتحدث عن هجمات 11 أيلول كونها مؤامرة داخلية ، أو أن هبوط الأمريكيين على القمر هو حادثة ملفقة ، أو أن اغتيال جون كينيدي كان بأمر من قبل وكالة الاستخبارات المركزية أو المافيا ، أو أن العالم الآن تحت سيطرة الكائنات الفضائية والكورونا الخ فيبدو كما لو كان هناك شخص ما يصر على أن هذه المؤامرات صحيحة.
ومن المؤكد تقريبًا أن نظريات المؤامرة هذه تصر على أن شخصًا ما هناك (مثل المتنورين أو النظام العالمي الجديد أو المعبد الماسوني) يثبطون المعلومات التي يمكن أن تثبت أنهم على حق ، وقد نشأت صناعات بأكملها لدعم مختلف المجتمعات المحلية التي تتبنّى هذه النظرية أو تلك ، ولا يبدو أن أي قدر من الأدلة الملموسة قادر على ردع المؤمنين الحقيقيين بهذه النظريات ، ويبدو وكأن كل حدث عالمي جديد يولد نظرية أخرى لإضافتها إلى عدد لا يحصى من النظريات الأخرى الموجودة بالفعل والتي تعزو الأمر برمته إلى مؤامرة ما خلف الكواليس.
على الرغم من أن الاعتقاد بنظرية المؤامرة يمكن أن يستند في بعض الأحيان إلى تحليل عقلاني للأدلة المتاحة أمامنا ، إلا أنها في معظم الأحيان ليست كذلك ، فنحن كبشر، من أعظم نقاط القوة لدينا هي قدرتنا على إيجاد أنماط ذات مغزى في العالم من حولنا وتكوين روابط سببية ، لكننا أحياناً نرى الأنماط والروابط السببية التي لا توجد في الواقع ، خاصة عندما نشعر بأن الأحداث خارجة عن إرادتنا فنكتشف بأننا نضفي رغباتنا الدفينة على ما نعتقده حقائق مسلم بها ، والفرق كبير وهذا ما يسمى بالإستشراف المعرفي الذي يرتكز إلى التمنّي والرغبة الشخصية ، بعيداً عن أية أدلة ثابتة بغض النظر عن كون ما نعيشه اليوم مؤامرة أو قضاء وقدر ، فكيف السبيل للخروج مما نحن فيه؟ هذا هو السؤال الأهم.