مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

حروب واجيال في سباق السيطرة على العقول وتغيير وجه العالم...

26-02-2020

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

عرف العالم عبر تاريخه عدة أجيال من الحروب ولكل جيل سماته من حيث أنواع الأسلحة المستخدمة وطبيعة الخطط والتكتيكات والاستراتيجيات وميادين المعارك وغيرها ، وقد تميّز الجيل الأول بالحشد الكبير للقوات والمواجهات المباشرة بين الجيوش في أرض معركة محدّدة ، واستخدام البنادق والمدافع البدائية.

أمّا الجيل الثاني فقد تميّز بالاعتماد الكبير على القوة النارية أكثر من الاعتماد على حشد أعداد كبيرة من الجنود ، واستخدام أسلحة أكثر تطورًا ممثّلة في المدرعات الثقيلة والبنادق الآلية وغيرها وذلك نتيجة للثورة الصناعية وما أتاحته من تطور في مجال الأسلحة 

وظهر الجيل الثالث من الحروب في الحرب العالمية الثانية وتميز بالتطور الكبير للدبابات والمدرعات والاعتماد الأكبر على القوات الجوية وسرعة الحركة والمفاجأة والعمل خلف خطوط العدو، فضلًا عن الاعتماد بشكل أكبر على الخنادق  ولذلك يطلق عليها اسم الحروب الوقائية أو الاستباقية أو الخاطفة ، ومع التباين بين هذه الأجيال الثلاثة من الحروب فإنّها تتفق في سمة مشتركة هي أنّها كانت بشكل أساسي حروبًا بين الجيوش النظامية.

أمّا الجيل الرابع من الحروب، فيقوم على ضرب العدو من الداخل من خلال إثارة القلاقل والتمرد والتشجيع على الحروب الأهلية والطائفية والعرقية بحيث يتحوّل المجتمع إلى أداة لتدمير نفسه أو يغدو عدوًا لنفسه ، بوعي أو من دون وعي عبر دفع قواه إلى التصادم والتقاتل ، أو العمل ضد أمن المجتمع واستقراره بذرائع ومبررات غير حقيقية ، ولعلّ المنطقة العربية تعيش هذا النوع من الحروب منذ العام 2011 في سياق ما عُرف بـالخريف العربي. 

وإضافة إلى هذه الأجيال الأربعة ، هناك جيلان خامس وسادس من الحروب وهي الحروب الهجينة التي تجمع بين الوسائل التقليدية والوسائل غير التقليدية مثل حروب المعلومات والحروب السيبرانية وغيرها ، وأهم ما يميز هذه الحروب الحديثة أنّها تهدف إلى الإطاحة بالأنظمة الحاكمة ، وعلى الرغم من أن هناك سمات تميز كل جيل من هذه الأجيال من الحروب ، فإنّ هناك تداخلًا بينها بشكل أو بآخر ، إذ لا يمكن وضع خطوط واضحة للفصل بين نوع وآخر.

 إن المفهوم التقليدي لحرب الجيل الرابع أو الحروب في صورتها الحديثة، وفي إطار عصر ثورة معلومات أنشأه فريق أمريكي متخصص برئاسة ويليام لاند ، بهدف إدخال تغييرات أساسية على المنظومة التقليدية للحروب مستفيداً من  تكنولوجيا المعلومات ، استمر هذا المفهوم حتى عام 2010، إلى أن بدأ المفكرون العسكريون في صياغة مصطلح حرب الجيل الخامس، وإدماج الاثنين مع بعضهما البعض.

 و المبدأ الجديد لحرب الجيل الخامس قد جاء نتيجة مشاركة من أطراف مهتمة بموضوع الأمن القومي ، وتضم دبلوماسيين وعسكريين ورجال قانون وضباط مخابرات وخبراء معلوماتية حيث يعاونهم علماء في الطب النفسي وعلماء إجتماع وأكاديميون مختصون بالعلوم السياسة ، واتفقت تقديراتهم على أن حرب القرن الواحد والعشرين خاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 ، تتطلب نظرة مختلفة عما كان يحدث في حروب الماضي. ثم جاء مبدأ حرب الجيل الخامس نتاجاً لدراسات أجرتها هذه المجموعات في إطار ما سُميّ بالمعهد التعليمي لحروب الجيل الخامس ، يشارك فيه خبراء من جميع الجهات المشار إليها سابقاً.

وجنود حروب الجيل الخامس هم أفراد لا يرتدون الزي العسكري التقليدي كما هو معروف لدى الجميع ، وإنما هي حرب تُطلق دوامة من العنف وتدار بأسلوب التدمير الفجائي لقوى الخصم معنوياً ونفسياً بإطلاق عملية من شأنها إشاعة الإحباط لدى الخصم ، كما أن ميدانها هو الفضاء الالكتروني  والشبكات العنكبوتية بغرض نشر مشاعر الخوف وفقدان الثقة بالنفس لدى المجتمع وأيضا تجاه قادته السياسيين.

 وحرب الجيل الخامس تعتمد في مجملها على أربع وسائل رئيسية هي:

اولاً: إستغلال شبكات التواصل الإجتماعي بإطلاق معلومات مفبركة والترويج  لها

ثانياً: العمل على خلق مجال تواصل افتراضي يسمح لمستخدمي هذه الشبكات بإضافة معلومات من جانبهم حتى يكتمل التأثير العام.

ثالثاً: إيجاد شبكات متقاربة مع بعضها من المتابعين لهذه العملية.

رابعاً: التصدي لكل من يظهر كمعارض لهذه العملية والسيطرة على أي تدفق لمعلومات مضادة.

 وإذا كان للحروب التقليدية ميادين على الأرض وفي البحار وفي السماء ، فإن حرب الجيل الخامس ، كإمتداد لحرب الجيل الرابع ميدانها الفضاء الالكتروني ، ولأن التفكيك الساخن يقوم على العنف بأشكاله المتعددة ، فصاحب المخطط لم ينسى أن يصنع عدو خارق وبناءه وشيطنته حتى تستطيع الدول ذات المصالح المشتركة إختراق دول تخطط للاستيلاء عليها بالاستنزاف العسكري والأمني خارجها ، خاصة وأن محاربة تنظيم ليس له قوام رئيسي أشبه بالدخول في حرب أشباح ، حيث ان المطلوب هو صناعة حرب استنزاف لطاقة الدولة الرئيسية ، وتشتيت تركيزها في أنماط من الحروب الصغيرة والمتوسطة داخليا وخارجيا.

 إن خطورة الميدان الذي تدار فيه الحرب في صورتها الحديثة وتحت إشراف خبراء متخصصين متعددي المهارات والمعارف والخبرات في المستويات العسكرية والمدنية تمكن الدولة العدوة من النفاذ إلى وسائل التواصل الاجتماعي باحترافية عالية وزرع أفكار تستهوي البعض ممن يستخدمون هذه الوسائل ، والذين يتأثرون بخطابها معهم وكثيرون منهم يعتبرونها مصدراً حيوياً للمعلومات ، والأشد خطورة هو إمكان دفعهم ليس فقط لتبني أفكار مشوهة ، بل أكثر من ذلك القدرة على تشكيل عقولهم بدفعهم إلى أن يتحولوا إلى جبهة داخلية في بلادهم ، تكون معارضة للدولة ليس بسبب أفكار نابعة من ذواتهم ، بل نتيجة السطو على عقولهم من قوى خارجية ، عملها الأساسي هو إعلان حرب على دولهم ، بحيث انها لا تتخذ شكل القتال المسلح بل تقوم على استهداف العقول والأفكار.

وبناء على ما تم ذكره سابقا فإن الاجيال الجديدة من الحروب هي حروب يتم فيها احتلال العقل لا احتلال الارض وبعد ان يتم الإحتلال يتكفل الشعب بالباقي حيث إنه التدمير الذاتي المبرمج ، وستجد نفسك في ميدان معركة لا تعرف فيها خصمك الحقيقي. انها حرب ستُطلق فيها النار في كل اتجاه ، لكن يصعب عليك ان تصيب عدوك الحقيقي ، وبالأحرى فهي حرب من يخوضها يكون قد اتخذ قرار بتدمير كل من يخالفه الرأي. 

إنها حرب تستخدمك انت في قتل ذاتك وروحك وإلغاء عقلك ، وفى النهاية ستجد نفسك مُحارب بالوكالة لصالح مجموعة تجلس في مكان أخر اختارت أن تخرج مشهد سينمائي جديد في فنون الانتحار الجماعي. إنها حرب المنتصر فيها لم يدخلها ولم ينزل الميدان ، وهذا هو التوصيف الدقيق لحالة حاملي السلاح في ميدان الدماء الموجود بطول المنطقة وعرضها ، ومما لا شك فيه فإن استعراض أنواع الحروب يجعلنا نصل منطقيًا للجيل السادس من الحروب كنتيجة حتمية فى اتجاه التطور فى أساليب الحرب عالمياً وهذا ما يتم الحديث عنه في مراكز صناعة القرار ومراكز الأبحاث في الدول العظمى ، إنه الصراع الاقتصادي والمعلوماتي وتسخير الإمكانات الفضائية والعلمية المختلفة.

وكان أول من أستخدم مصطلح حروب الجيل السادس هو الجنرال الروسى فلاديمير سليبتشينك ، حين قال للعالم أجمع إن الحروب التقليدية قد عفا عليها الزمن وأن كل الحروب بعد ذلك ستدار بأنظمة ذكية ، وستثمر عن نتائج ذكية أيضاً. 

إذ تعمل هذه الحروب على تجنيد كامل للشبكة العنكبوتية وتخلق عصابات مهمتها الاحتيال وسرقة الهويات وممارسة العمليات الإجرامية ويتم الحديث اليوم عن تطوير أوبئة وفيروسات قادرة على حصد أرواح الألوف من    الناس وهذا ما نشهده اليوم في أكثر من بلد وكأنها فيروسات طُورت في معامل خاصة مهمتها الانتشار والفتك السريع. وهى حروب جمعت ما بين الإرهاب والإدارة عن بعد ، وقد أطلقت الواشنطن بوست على إحدى منظومات هذه الحروب اسم منظومة الجن الفضائي لأنها اعتمدت على تقنيات عالية التطور تشبه الخيال المحض ، وترتكز على حوالى نصف مليون قمر صناعى صغير منتشر حول الأرض. 

وتعتمد هذه المنظومة على أجهزة "MMG" التي تمكّنها من التحكم بالنشاط المغناطيسى الموجه للإنسان ، حيث تقوم هذه الأجهزه بتوجيه موجات كهرومغناطيسية قد تتحكم به على نحو معين ، وأطلقت بعض مراكز الأبحاث على ذلك مصطلح القرصنة البيولوجية. كما انبهر العالم باستخدام ما سمى بـالشعاع الأزرق ، حين تمكنت الأقمار الصناعية من صنع انعكاسات ضوئية على الأرض تشبه كائنات حقيقية تتحرك فى عيون من يراها تحت شمس الظهيرة ، وأكدوا أنهم يتعرضون لغزو كائنات فضائية حقيقية ، ولم يظهر حقيقة الأمر إلا بعد أشهر حين كشفتها معلومات استخباراتية أمريكية. 

على المقلب الآخر يمكننا أن نرى حروب الجيل السادس كشكل من أشكال التطور الإنسانى الكبير، لكن ليس المطلق فبالرجوع قليلًا لفترة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقى والغربى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، نجد أن سباق التسلح بين الفريقين كان قد بلغ حداً أوصل الدول المختلفة لاقتراح أن تمتلك كل دولة ما يمكنها من سحق ضعف ما تدمره لها إحدى الدول المعادية ، وأن تُعطى الحق لذلك بالفعل ، إلا أن الشعوب لم تتفاعل مع هذه الأفكار ولم تدعمها بطبيعة الحال.

ومن سمات حروب الجيلين الخامس والسادس غياب مركز الثقل ، ففي الأجيال الأربعة السابقة من الحرب ، كان الصراع يحدث بين كيانات تتمتع بهياكل مؤسساتية ، سواء كانت جيوشاً أو حتى جماعات متمردة ، أي أنّ لها مركز ثقل يتمثل بالهرمية والتسلسل القيادي والروح المعنوية وخطوط الإمدادات اللوجستية والدعم السياسي والشعبي ، إضافة إلى وجود مبررات أخلاقية أو قانونية لخوض الحرب ، وعند تدمير مركز ثقل العدو يمكن تدمير المؤسسة بكاملها وتحقيق النصر.

 

وتُعّدُ برامج توعية الأفراد ومنع اختراق المجتمع ثقافيًا من أهم أساليب مواجهة هذا الجيل من الحروب، إضافة إلى تفكيك التحالفات المعادية التي تنشأ ضد الدولة ومنع تمويلها ودعمها مادياً وبشرياً، ويتم ذلك بوسائل متعددة عسكرية وغير عسكرية، بهدف تجنّب الانفجار من الداخل نتيجة وجود ثغرات في النسيج المجتمعي.

 

وعلى الرغم من كل ذلك ، فقد حكمت العالم اتفاقيات الحد من التسلح ونزع الرؤوس النووية ولكنني أخلص إلى القول أن العقل البشري لا حدود لإبتكاراته وإبداعاته المدمرة و السلبية منها وكذلك الإيجابية ولا نعلم ماذا تخبئ لنا الأيام من مفاجأت وإجابات.

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما