مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

العولمة بين التطرف والجهل

25-01-2020

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

الاحتكام إلى الجهل: ما يزال السؤال قائماً عن العلاقة بين العولمة والتطرف وما هو شكل الصلة فيما لو تم التأكد من وجودها بين الظاهرتين، هل هي صلة مباشرة أوغير مباشرة؟ وهل يصح القول أن التطرف (المعاصر) قدم للعالم عولمةً بلباس راديكالي؟

يرى بعض المنظرون أن تطور الرأسمالية وترسيخ الإيديولوجيا الليبرالية؛ كانا من أهم أسباب الأنصهار الراديكالي في اللبرلة سواء كانت في الأحزاب اليمينية المتشددة في قضايا القومية والعنصرية العرقية، أو في الأحزاب اليسارية ذات النزعة الأممية.

لكن هناك معنى أخر للراديكالية نشأ قبل مرحلة تطور هذا المفهوم، يميل للتشدد في الرأي والبقاء على القوالب الفكرية القديمة، ومنها إنبثق معنى العنف أو الإرهاب الراديكالي، وفي الحقيقة فإن تعريف الراديكالية اليوم في مفهوم بعض من يتلطى خلفها ويبرر لها، تمثل البحث في جذور المشكلات الأصلية تمهيداً للتغيير المنشود ولو بالعنف والقتل، وفي ذات الوقت تمثل تشدداً يتخفى خلف قناع العولمة، لتحقيق غايات تغلب عليها الإيديولوجيا، مما يعني حتمية إنتاجها عنفاً مُزججاً لايُرى، لكنه عنف بنهاية المطاف.

أما التطرف بالتعريف العام، فهو يشير إلى قضايا الإنغلاق والإبتعاد عن الاعتدال والمنهجية الوسطية، فضلاً عن التمسك بالمتبنيات الفكرية والتشدد في البقاء عليها حتى مع الاعتقاد بضرورة تغييرها. والتطرف يتيح للأفراد إنتاج العنف فرديأ أوجماعيأ متخذاً أشكالاً فكرية وإجتماعية ودينية، وتعتبر الثالثة من أخطر مظاهر التطرف؛ لارتباطها بالعقائد الدينية، وهي بمثابة الخط الأحمر الذي لاخروج عليه ، وهو ماظهر بوضوح على الساحة العالمية بعد تفكك المعسكر الشيوعي وبروز الجماعات التكفيرية المتطرفة ، والتي طبع وجودها على الأحداث العالمية تداعيات سلبية عبر ممارسات عنفية خطيرة وهذا ما شهدناه جليأ مع بداية الألفية الثالثة ورياح الخريف العربي والشعبوية المغلفة بالفوضى.

والسوأل الذي يطرح نفسه بقوة: كيف لنا استكشاف العلاقة بين العولمة والتطرف؟وماهي الإسقاطات التي أضافتها العولمة على التطرف؟ أو بتعبيرأدق إسقاطات التطرف (المُستحدث) على العولمة المهيمنة؟ وللإجابة أحتاج إلى تأكيد نقطة مهمة وهي أن الحياة الإنسانية تتشكل من مجموعة من القيم، وتبرز القيمة الدينية كثابت حضوري في صنع عناصر الثقافة والحضارة لدى المجتمعات. والقيم الدينية اليوم أصبحت جزءاً من إنتشار الثقافات وتبادلها بين المجتمعات، ومن الطبيعي القول أن التقنيات الحديثة ووسائل الإتصال السريعة التي أتاحتها العولمة بطبيعة الحال؛ هي السبب الرئيس في انتشار هذه القيم بين الثقافات والحضارات المختلفة بغض النظر عن خفايا المعنى الإيجابي أو السلبي لهذا الإنتشار. وبالمحصلة فإن مؤشرات العولمة كافة: (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتكنولوجية) قد أثرت طردياً على ظاهرة الإرهاب، ويبقى لمؤشر التكنولوجيا الدور الحاسم في تسارع الظاهرتين.إذ استطاع الفضاء الإفتراضي الإرهابي العابر للقارات، إستغلال مخارج التكنولوجيا بفعالية كبيرة، ونجح في تنفيذ كثير من العمليات في العالم، والاستمرار في نشر الترويع والخوف واستخدام الإرهاب الإلكتروني، أو إرهاب الشبكات. مما أدّى إلى إستحداث وسائل متطورة في العولمة التكنولوجية الأمر الذي نتج عنه في المحصلة فقدان السيطرة على التكنولوجيا، فزوّدت الشبكات الإرهابية عبر العالم بأدوات إرهابية لا حصر لها على الإطلاق، و أصبحت هذه الشبكات "الإرهابية" قادرة على إبتزاز الدول الكبرى، وخلقت مأزقاً لها في كيفية مكافحة الإرهاب، وكيفية التعاطي مع اليات العولمة التكنولوجية المتسارعة. والمشكلة الكبرى أن هذا من شأنه أن يطرح أسئلة مفصلية حول مستقبل النظام العالمي ، وحول قيم راسخة مثل: الأمن، والحرية والخصوصية، والثقافة والمثاقفة وأجدني لا أملك الإجابة عليها .

ومن هذا المنطلق أخلص إلى نتيجة أن العولمة بتعدد أشكالها؛ تعمل على تشظية سياسية واقتصادية وثقافية، تمهيداً لمشروع أكبر يتمثل في لملمة المتشظي من هذه القيم، ومن ثم تبدأ عملية إعادة الانتاج، ثم وضع المنتج الهجين في دائرة خاضعة لسلطتها، فتزيد حالات الاغتراب البشري، ويتعزز الشعور الوجودي باللاجدوى، قبل أن يتحول الاغتراب إلى يقين مضطرب بضرورة استعادة ماتم فقدانه من خصوصية وهوية، فتتكون الجماعات والتيارات التي يجمعها هاجس الضياع.

ومن هذا المنطلق أشدد على حتمية تكثيف الجهود البحثية المتربصة لخطر التداخل بين الراديكالية والتطرف الحداثي بمباركة "عولمية"، وذلك يكون من خلال استقلالية فكرية تتيح حرية العقل، وتمكنه من تفعيل الممارسات النقدية، من خلال عدم إخضاعه لسلطات الإيديولوجيات المتصارعة من أجل البقاء على كرامة الإنسان ووجوده والممارسة النقدية عبر تفعيل اليات  العقل المتحرر؛ ومن هنا تبرز الحاجة الملحة لآليات تقف في الوسط من عملية صراع الأضداد المتنافرة في حيز من الوجود البشري الملتهب. إنَّ التبعية التي يخضع لها العقل باستسلامه للنزعات المادية، ولمنطق تذويب الهويات والخصوصيات في المادة، وإلغاء العقائد، والانقياد اللاعقلاني لسلطة تجرد العقل ذاته من وظيفته؛ ستكون لها تأثيرات خطيرة ينبغي التصدي لها، والوقوف على مسبباتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ثم الانطلاق لمرحلة العلاج بالصيغ التي لاتبتر الأسباب وعلاقتها مع الحداثة المعاصرة. وعلى سبيل المثال لا الحصر أن يقول أحدهم أن عدد شعرات رأس تشرشل كانت 50000 وطالما أننا جميعاً لا نعرف العدد الصحيح فعلاً يكون ماقيل صحيحاً.

هذه اللعبة يمارسها الكثيرون بنقل معلومات عن شخصية ما أو داعية ما وطالما أنك لا تملك بجهلك ما يدحض هذه المقولات فإنها تنقلب إلى حقائق

وهذا ما نراه فعليّاً في الأزمات. فيربح الجولة المدّعون بمغالطة الاحتكام إلى جهل الطرف الآخر. وهذا من شأنه أن يؤسس أيضاً للتطرّف. لأنه يُبنى على معلومات لايملك دفعها الطرف غير المتطرف فتأخذ شكل الحقائق المنتهية. 

وانهي حديثي بالقول :"الجاهلون هم وقود أيّ تطرّف ويجرفون معهم نخبةً من الاذكياء وهذه أخطر السيناريوهات".

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما