لقد أصبحت السياسة محورا فكريا في الرواية المعاصرة مهما تنوعت مواضيعها وتعددت أبعادها الاجتماعية والواقعية ، وجنحت إلى الحداثة الشكلية والتنويع الفني فإن الرواية تعبر عن الأطروحة السياسية إما بطريقة مباشرة وإما بطريقة غير مباشرة لذلك نقول إن السياسة حاضرة في كل الخطابات والفنون والأجناس الأدبية وتتمظهر بجلاء ووضوح في فن الرواية التي تعكس نثرية الواقع وصراع الذات مع الموضوع والصراع الطبقي والسياسي والتفاوت الاجتماعي وتناحر العقائد والإيديولوجيات والتركيز على الرهان السياسي من خلال نقد الواقع السائد واستشراف الممكن السياسي.
وتستند الرواية السياسية أيضا إلى بلاغة الإقناع والدعاية والتحريض والالتزام وتبليغ الأطروحة المقصودة بشتى الوسائل لأن الغاية تبررها وتعضدها كما تنبني على بلاغة التكرار لتحريك الشعور السياسي والإيهام الثقافي وتلتجئ هذه الرواية إلى السرد التفصيلي والحوار التسجيلي والمنحى الواقعي لتسجيل المعطى وتهويله وتصويره سلبا أو إيجابا وتشحن الرواية ذات الأطروحة السياسية بتعاليم تنزع إلى توضيح حقيقة عقائدية وسياسية ، وتصبح هذه التعاليم العقائدية السياسية بؤرة تعكس مفهوم الأطروحة في الرواية.
ويضطر الروائي في هذا النوع من الروايات إلى اختلاق شخصيات متصارعة وتهيئ برامج سردية ذات مواقف متطاحنة خدمة منه للأفكار والولاءات السياسية آو الإيديولوجية للقارئ وتتأرجح الرواية السياسية بين الجانب الروائي والجانب الأطروحي وتزدهر هذه الرواية من خلال ارتباطها بسياق تاريخي وطني مليء بالصراعات الإيديولوجية التي تلزم كل روائي بالخوض فيها ، ويظهر من خلال كل هذا ارتباط رواية الأطروحة السياسية بوظائف تلقينية وعقائدية ومنولوجية وهي وظائف تمتلك سلطة إنتاج الأمر والتلقين والمعرفة نازعة باستمرار نحو أحادية المعنى في معاكسة لتفجر النص في الرواية المعاصرة.
• 1984
تتحدث هذه الرواية عن دولة خيالية قامت على أرض بريطانيا ، صنع نظامها حياة زائفة للشعب للسيطرة على أفكاره وأفعاله وعلاقاته وحتى لُغته التي اخترع النظام لها بديلًا جافًا ومحدودًا وخادعًا حيث كانت هناك شاشات ضخمة في كل مكان توجّه الجماهير ، وتراقبهم طبقة عُليا تُدعى الحزب الداخلي ، ومن حولها طبقة أخرى تُدعى الحزب الخارجي ، وبعدها عامة الشعب ، ومن فوق الجميع هناك الأخ الأكبر الذي يراقب ويتحكم ويُصدر الأوامر ، ويعمل الجميع على طاعته. كذلك هناك وزارة الحقيقة تروّج الأكاذيب، ووزارة السلام تهتم بالحرب ، ووزارة الحب تعمل في التعذيب وغسيل الدماغ. هذا هو العالم الذي خلقه الروائي الإنجليزي جورج أورويل في روايته التي صدرت في عام 1949 لتتنبأ بمستقبل مُظلم للنظم السياسية التي ستتحكم في البشر.
• الحرب والسلام
روايةٌ تصدرت قائمة أفضل 100 كتاب في التاريخ ، يقول عنها مؤلفها الأديب الروسي الكبير ليو تولستوي إنها ليست رواية ، ولا تُعد حتى قصيدة أو سرد تاريخي. صحيحٌ أن الرواية التي تتناول الغزو الفرنسي لروسيا في عام 1812 بقيادة نابوليون تحتوي على فصول كاملة من النقاشات الفلسفية بدلًا من السرد الأدبي ، لكنها تؤرخ لفترة مؤثرة في تاريخ أوروبا ، وتتناول أثر عهد بونابرت وحروبه على النظام القيصري في روسيا ، من خلال حياة خمس عائلات ارستقراطية.
• كوخ العم توم
خلال فترة شديدة الصعوبة في تاريخ أمريكا شهدت حربًا أهلية ونظام عبودية وتمييز قاسٍ ضد السود ، خرجت هارييت ستو برواية كوخ العم توم في عام 1852 لتدعم قضية تحرير العبيد ، وتكون أحد العوامل المؤثرة في اندلاع الحرب الأهلية ، وإلغاء مسألة الرق بعد ذلك.
تحكي رواية العم توم عن الخادم المخلص والطيب الذي ينتقل من خدمة السيد شيلبي الذي كان يعامله معاملة حسنة إلى خدمة سيد آخر فظ ، كان يضربه ويُلهب ظهره بالسياط ، وتتقاطع حياة العم توم مع شخصيات أخرى مثل الطفلة إيفا التي تعامل الخدم بود ، وإليزا الخادمة التي تهرب من العبودية مع ابنتها ذات الخمس سنوات. وسلّطت الرواية الضوء على حياة العبيد الصعبة وجوانبهم الإنسانية ، رغم أنها عززت بعض الصور النمطية للسود.
• رجال في الشمس
صدرت الرواية الأولى للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني عام 1963، لتتناول القضية الفلسطينية وتأثير نكبة 1948 عبر رحلة غير شرعية إلى الكويت يجتمع فيها اربعة من أجيال فلسطينية مختلفة وهم الكهل أبو القيس والشاب المناضل أسعد والصبي مروان والمُهرّب المحترف أبو الخيزران.
تسير خطة التهريب على ما يرام حتى يتركهم أبو الخيزران ليموتوا من العطش والاختناق في خزان شاحنة تحت شمس الصحراء القاسية ، ليحكي لموظف عابث على نُقطة الحدود أكذوبة اختلقها ، ويبقى التساؤل الذي يطرحه غسان كنفاني في نهاية الرواية وهو من المسؤول؟
إزدهرت الرواية السياسية في أزمنة وعصور مختلفة ، كان الهدف منها إيقاظ وعي الشعب وتحفيز الجماهير على التمرّد ضد الاحتلال الأجنبي أو ضد الحاكم المستبد، وقد أبدع الأدباء في هذا النوع من الرواية السياسية ، وقدّموا كثيراً من الأعمال التي لا تزال حتى اليوم من أهم الإبداعات الأدبية التي تركت أثراً في المجتمع. وما زلنا نذكر روايات ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ ، وفي بيتنا رجل لإحسان عبدالقدوس وغيرها من الأعمال الأدبية.
وفي إحدى حواراته قبل رحيله ، تذكر الكاتب الكبير نجيب محفوظ إحدى الحوادث بقوله: الذي أتذكره أن ثروت عكاشة كان يستعد للسفر إلى أوروبا حين سأله عبدالناصر: "هل قرأت ثرثرة فوق النيل" فأجابه: "لا.. ليس بعد". فقال عبدالناصر: "اقرأها وقل لي رأيك" ، ولذلك أخذها معه ثروت عكاشة وقرأها وفهم سبب سؤال عبد الناصر. كان سؤالاً غاضباً ، وقد خشي ثروت من أن يصيبني ضرر ولو كان بسيطاً كالإحالة إلى التقاعد ، أو نقلي إلى مكان آخر. وقابل ثروت عبدالناصر حين عودته وقال له: يا سيادة الرئيس أصارحك بأنه إذا لم يحصل الفن على هذا القدر من الحرية فلن يكون فناً، فقال عبدالناصر: وهو كذلك ، إعتبر الأمر منتهياً