مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

هل يستقيم الزواج المدني في مجتمعات غير مدنية؟

05-04-2019

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

تدلّ عبارة الزواج المدني التي أثارت الكثير من الصخب في الأوساط السورية واللبنانية على السواء على عقدٍ يقوم به المجتمع المدني أي يفترض قيام مجتمع ذات كيان مدني وعلماني ، أما في المسيحية فالكنيسة ليست جزءاً من المجتمع المدني ، فهي في كينونتها متصلة بالحياة الأبدية أي ليست متصلة بالجماعة الدنيوية.

وفي المجتمع المدني علينا أن نفصل بين القوانين المدنية وبين الهوية الدينية وهذا أمر مفروغ منه فالزواج له قواعد مأخوذة من هذا العيش الذي نحن فيه فعبارة زواج ديني وعبارة زواج مدني كانتا غائبتين على لسان المسيحيين فيما مضى وبحسب الأباء في الكنيسة الأرثوذكسية فالشكل الكنسي المسمى إكليلا لم يكن له وجود قبل القرن السادس الميلادي .

بالعودة الى الشارع السوري ورغبة شريحة كبيرة من العلمانيين والباحثين في الشأن المدني احالة ملف الزواج المدني لمناقشته داخل قبة البرلمان وما أثاره من بلبلة بين مؤيد ومعارض ، فقد نص القانون المدني السوري في المادتين 136 و 137 على أن  عقد الزواج إذا كان محل الالتزام أو سببه مخالفاً للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلاً وإذا لم يكن للالتزام سبباً أو كان سببه مخالفاً للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلاً.

وبحسب قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1953 المنظم للمسائل الشرعية في القانون السوري نجد أن الباب الأول قد تحدث عن الزواج فقد نصت المادة رقم 1 على تعريف الزواج بأنه عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً ، وغايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل.

ومنذ طرحه لاول مرة للنقاش والتصويت في سوريا ولبنان على السواء، أثار موضـوع الـزواج المدني جدلاً كبيـراً فإنقسمت الآراﺀ حوله بين مُوالين ومُعارضين حيث رُفض من قبل بعض رجــال الدين رفضاً قاطعاً في حين لقي تأييدا من قبل الساعين لبناﺀ دولة مدنية علمانية ديمقـراطية.

قُوبل مشروع الزواج المدني الاختياري في لبنان وكذلك في سوريا برفضٍ كبيرٍ من المسيحيين و المسلمين على السواء حتى وان كان اختياريا ، وذهب البعض الى حتميّة جعله اجبارياً ضِمن نظام عِلماني وقانون مدني يضمن حقوق المرأة أسوة بالغرب ، عندها لا يكون فقط بين أصحاب ديانتين مختلفتين بل يكون فرضا  على الجميع ويصبح عندها الزواج الديني اختياريا ، وهذا يقتضي وجود مجتمع ذو قوانين علمانية تنسف الطائفية ، أما بالنسبة للكنيسة فقد رفضت الزواج المدني لسببين ، اولاً لأن الــزواج في الكنيسة ليس عقدا بشروط دنيوية بــل هــو سـر مــن اسرارها بمعنى انه يجب ان يتم بمباركة من رجل الدين المسيحي الذي يمثل المسيح على الارض. ثانيا ان الزواج في الدين المسيحي هو رابط أبدي ، وما جمعه الرب لا يفرقه انــســان ، لــذا لا يوجد طــلاق في الكنيسة الكاثوليكية وانما ابطال زواج ، مع العلم أن الكنيسة تعترف بالزواج المدني لغير المسيحيين.

أما بالنسبة لرجال الدين المسلمين ، فقد رفضوا الــزواج المدني رفضا قاطعا لثلاثة أسباب جوهرية ، اولاً لإعتبار أن عقد الزواج في الدين الإسلامي يجب ان يخضع للشريعة الإسلامية ، وثانياً ان تعدد الزوجات لا يتعارض مع الاســلام  بينما البوليغامي أو تعدد الزوجات مرفوض في الزواج المدني ، وثالثا فان الطلاق مسموح في الدين الإسلامي وفق ضوابط شرعية ، بينما موضوع الطلاق في الزواج المدني يخضع لقوانين وتشريعات مدنية.

وعندما طرح هاشتاغ # الزواج المدني # سوريا ، قضى عدد من السوريين مُستخدمي تويتر أياماً طويلة في مناقشة قضية الزواج المدني والشرعي ، مُنقسمين حيالهما بين مُؤيّد ومُعارض ، وهذه صورة تعكس الإنقسام الواضح داخل المجتمع السوري ، ومؤخراً أنتشرت صور لناشطين سوريين يحملون لافتات تؤيّد الزواج المدني ضمن دعوات لتبنّيه رسمياً من الحكومة السورية .

والجدير بالذكر أن تاريخ النشر الأساسي لبعض تلك اللافتات يعود إلى عام 2013، ولكن أعيد استخدامها حالياً مع عودة الحديث عن الزواج المدني إلى الواجهة وقد شكلت وسائل التواصل الاجتماعي منصّة جيدة للترويج لهذه القضية ، إذ عكفت بعض الصفحات السورية مؤخرًا على حشد مؤيدين للزواج المدني ، حيث نشرت بعض الصحف إستطلاعاً للرأي على تويتر وفيس بوك للتصويت على سؤال هل أنت مع أم ضد إقرار قانون الزواج المدني الاختياري في سوريا؟ وقد شارك في التصويت أكثر من 50 ألف مستخدم ، أجاب 65٪ منهم بـ نعم وهي نسبة مرتفعة ولكن بقي الموضوع يتأرجح حتى الساعة.

وتجدر الاشارة الى أن الحزب القومي السوري كان من المؤيدين لهذا المشروع ، وقد طُرح للمداولة في تموز عام 1977 حيث يتضمّن قانون أحوال شخصية اختياري مُستوحى بغالبية نصوصه من مشروع الحزب الديمقراطي وقد قدّمه نواب الحزب القومي بشكل اقتراح قانون إلى مجلس النواب اللبناني.

 

بالطبع الموضوع حسّاس بالنسبة لمجتمعاتنا المشرقية القائمة على التعددية الطائفية ومن منطلق هذه الخصوصية أقول لا يكفي أن توافق عليه نُخب المجتمع بأطيافها المتعددة ، بل يجب أن يكون له حاضنة دينية ، لأننا نعلم بأن هكذا مشروع لا يمر دون واجهة دينية وشرعية ، فهذه طبيعة الاشياء في منطقتنا ، مع الأخذ بعين الاعتبار القوانين المرعية التي تنظم هكذا أمور في المجتمع والفصل بين الأختياري والالزامي ، لأنني كما أسلفت ، هناك فارق بين الاثنين من حيث الحقوق والممارسة اذا كنا نريد ان نقتدي بالغرب الذي نظم الأمور المدنية وفصلها عن الأمور الدينية فكانت الأولى إلزامية والثانية إختيارية.

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما