مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

هل نحن دول ام عصبيات؟!

18-03-2019

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

قرآءة في فكر إبن خلدون. عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون والقوّالون والمغنون النشاز والمتصعلكون وضاربو المندل والمتفيهقون وقارئو الكفّ والمدّاحون والهجّاؤون والانتهازيون ، حينئذ تتكشف الأقنعة ويضيع التقدير وتختلط المعاني ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل.

نشأة الدولة عند ابن خلدون:
هناك بعض النظريات التي حاولت تفسير نشأة الدولة عند ابن خلدون ، ومن بين تلك النظريات نظرية التطور الاجتماعي ونظرية القوة أو الغلبة والمجتمع المدني
.
بالنسبة الى نظرية التطور الاجتماعي فإنها تسمى بالنظرية التاريخية حيث ترى أن الدولة تنشأ نتيجة لعدة عوامل من أهمها علاقة الدم أو ما يسمى بصلة الرحم والدين والوعي السياسي.

ترى هذه النظرية أن الأسرة لها نوع من السلطة السياسة وإن كانت محددة بالمحيط العائلي حيث تتمثل السلطة في مكانة الأب والأم وسلطتهما على الأبناء ، لذلك اعتُبرت سُلطة رب الأسرة أقرب إلى سلطة الدولة وذلك لوجود عنصر الانقياد والخضوع ، فالشعب يخضع لسلطة الحاكم السياسي والأبناء يخضعون إلى سلطة رب الأسرة وهذا ما يعرف بالسلطة الأبوية ، حتى على مستوى الدولة والجدير بالذكر أن علاقات الدم وصلة الأرحام هي ما عبر عنها ابن خلدون باسم العصبية وهي من أهم العوامل المكونة للدولة.

وركزت النظرية كذلك على الدين لما له من دور معنوي كبير، كما أنه يزود الدولة بالدعائم التي تساعد على قيامها ، كما ركزت النظرية أيضاً على الوعي السياسي، فكان المقصود منه هو الوعي بضرورة وجود نظام سياسي (دولة) وقانوني لحماية الناس والممتلكات بالإضافة الى توفر الأمن

اما بالنسبة الى نظرية القوة أو الغلبة فإنها تؤكد على أن الدولة نشأت نتيجة للعنف والقوة وأنها أداة تُستخدم داخل المجتمع بغرض ردع الشعب ، وخارج المجتمع لفرض هيبة الدولة وحماية حدودها والدفاع عنها حيث ان هذه النظرية تبرر أن استخدام القوة هو مبدأ طبيعي وضروري في الحياة ، فالقوة ضرورة بين جميع العشائر والقبائل وبين الدولة والأمم في حروبها ، كما ان لها استخدام إيجابي لفض النزاعات.

أما عن الجانب السلبي للنظرية فتتلخص بأن كل الدول لا تقوم إلا على القوة والعنف ، إلا أن هناك نظرية أخرى جاءت بفكرة عكس نظرية القوة والغلبة وهي نظرية العقد الاجتماعي التي ترى بأن الدولة تنشأ على أساسين هما الاتفاق الطبيعي الحتمي بين مكونات المجتمع بموجب عقد أبرمه أعضاء المجتمع على إنشاء دولة ، وعلى الرغم من أن نظرية العقد الاجتماعي أوضحت ما لم تستطيع نظرية القوة والغلبة إيضاحه ، إلا أنها قامت على أساس الافتراض وليس الحقيقة ، فيستحيل وجود مجتمع يتفق فيه جميع أعضائه على إبرام عقد موحد ، لذا اُعتبرت أنها تميل إلى المثالية ، كما أن البعض يرى أن نظرية العقد الاجتماعي قائمة على فكرة التنازل فبموجبه يتنازل الأفراد عن جزء من حقوقهم مقابل التمتع بمميزات المجتمع السياسي.
بالنسبة الى المجتمع المدني فهو جزء من التجمع الحضري، أو كما نسميها اليوم بالمجتمع المدني، فلا تنشأ الدولة في المجتمع الطبيعي أو التجمع البدوي ، ويعلل سبب عدم نشأة الدولة في المجتمع البدوي لعدة أمور منها أن الدولة تنشأ في التجمع السكاني لأفراد في مكان ثابت ، فالمجتمع البدوي يتميز بالترحال وعدم الاستقرار كما أن المجتمع البدوي يتميز بوجود عصبيات ، ولكن ما يعوق تلك العصبيات التي تُبطل شرط قيام الدولة هي أن تلك العصبيات التي تكون في طور التكوين والنمو هي متفاوتة القوى والمميز أن هذه العصبية تنشأ في المجتمع البدوي ، فعندما تصبح هذه العصبية ذات قوة كبيرة وموحدة يتم هنا شرط العصبية في نشوء الدولة ، وعندها تدخل في مرحلة المجتمع الحضري.

ويرى ابن خلدون أن العصبية هي المحرك للتاريخ الاجتماعي ، وهي وراء عملية التغير الاجتماعي منطلقا في تفكيره من مبدأ العلاقات الجدلية بين البدو والحضر ومفسرا نشأة الدول وانحلالها بناء على آلية العصبية ، فهي التي تؤدي إلى الملك ، وهي نفسها التي تؤدي إلى زواله ، ولعل نظريته هذه لا تقل أهمية عن اكتشافه لعلم  الاجتماع.

ولا شك أن نظرة ابن خلدون للعصبية ووظيفتها الاجتماعية والسياسية ، كانت مشتقة من بيئته الخاصة التي عاش بها والتفكير السائد في تلك المرحلة حيث القبيلة هي المرجع ، وهي بيئة كانت الصلة فيها قوية بين الحياة البدوية بمجتمعاتها القبلية من جهة ، والحياة الحضرية بمجتمعها السياسي من جهة أخرى ، وكان التأثير قوياً ومستمراً بينهما ، إلا أن طابع الحياة القبلية كان هو المسيطر ، حيث كانت الدول تقوم وتنهار من جراء تحالف القبائل أو تشتتها.

والعصبية أو العصبة التي يقصدها ابن خلدون لا تعني مطلق الجماعة وإنما الأفراد الذين تجمع بينهم رابطة الدم والولاء بالإضافة إلى شرط الملازمة بينهم من أجل أن يتم التفاعل الاجتماعي ، وتبقى مستمرة ومتفرعة بوجود هؤلاء الأفراد واستمرارهم فينشأ بين أفرادها شعور يؤدي إلى التعصب فهم يتعصبون لبعضهم حينما يكون هناك داع لذلك ، ويشعر الفرد بأنه جزء لا يتجزأ من أهل عصبته ، وفي هذه الحالة يفقد شخصيته الفردية التي تذوب في شخصية الجماعة  وهو شعور جماعي مشترك لدى أفراد العصبة فهو ذو صبغة جمعية أساسية بين الفرد والمجموعة ، وليس بين فرد وآخر فقط ، وفي حال تعرض العصبة إلى عدوان فيظهر في هذه الحالة الوعي العصبي الذي يشد أفراد العصبة إلى بعضهم وهو ما يسميه ابن خلدون  بالعصبية التي بها تكون الحماية والمدافعة والمطالبة وكل أمر يجتمع عليه.

 والمثير للجدل هو موقف الفكر الخلدوني من العنصر العربي فليست العصبية الخلدونية مرحلة واحدة تقف عند النسب والمصاهرة والدم ، وإنما كانت هذه المرحلة هي الأساس  في المجتمع البدوي وهو موضوع البحث الاجتماعي والحضاري عند ابن خلدون ، كما إن هذه العصبيةَ القائمة على قرابة الدم في أقوى حالاتها تتطور لتتجاوز النسب حيث تفقد العصبية معناها النسبيَّ بعد أربعة أجيال، فتصبح العصبية  أقرب إلى الجماعة التي جمعها العيش لفترات طويلة في مكان معين ، وارتبطت مصالحُها المشتركة بحيث وجب عليهم أن يكونوا قوة للمواجهة في وجه التحديات.

وتتضامن العصبة مع الفرد بقدر تضامنه معها واحترامه لمصالحها ، وإذا تسبب في الضرر لها  فإنها سرعان ما تنبذه فيفقد الحماية والتعاون والتعاضد ، الأمر الذي يضطره إلى أن ينضم إلى عصبة أخرى لأنه لا يستطيع العيش في مجتمع قائم على العصبية وهذا ما حدا به إلى القول إن من ضرورات العصبة التلازم بين أفرادها ، وفي إطار المجتمع القبلي فإن الفرد لا يجد حريته وقوته إلا داخل العصبة ، فهي الحقل الذي يمارس فيه الفرد نشاطه الاجتماعي ، فضلا عن كونها القوة الجماعية التي تمنح الفرد القدرة على المواجهة.

يرى ابن خلدون أن للعصبية مفهوما سوسيولوجياً متميزاً فقد اعتبرها ظاهرة اجتماعية بالإضافة إلى كونها ظاهرة طبيعية في المجتمع الإنساني ملازمة لوجود العصبية ، أي إن وجود العصبة يستدعي وجود العصبية ، فالعصبية موجودة فيها  بالقوة وتصبح موجودة  بالفعل  حين وقوع عدوان على أهل العصبة ، ووظيفة العصبية يلخصها ابن خلدون من الناحية العامة بجملة ذات دلالة مهمة قائلا: "إن العصبية تتضمّن الحماية والمدافعة والمطالبة وكل أمر يتم التوافق عليه"!

 

 

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما