07-12-2018
آفــاق
الدكتورة ميرنا داوود
أستاذة جامعية وكاتبة
ومن التصورات المطروحة لأنماط العلاقة بين الثقافة والسياسة ما ذهب إليه تيري إيجلتون في كتابه (فكرة الثقافة) من تأكيد فكرة إعلاء الثقافة على السياسة: "أن نعلي الثقافة على السياسة يعني أن نكون بشراً أولاً ومواطنين ثانياً ، بمعنى أن على السياسة أن تتحرك ضمن بُعْدٍ أخلاقي عميق ، معتمدة على ما توفره من موارد في جعلها الأفراد مواطنين صالحين يشعرون بالمسؤولية ويتسمون بالاعتدال والطباع الحسنة وما تفعله الثقافة هو أنها تصهر إنسانيتنا ولهذا ينتقد إيجلتون ما يسميه بتسييس الثقافة ، لأنه في نظره يجرد الثقافة من هويتها ويدمرها .
وعلى المقلب الاخر هناك من يتبنى فكرة هيمنة السياسة على الثقافة ، وقد عُرِفت بهذا التصور النظريات الماركسية والذي جعل الماركسيين يتبنون هذا الرأي ويتناغمون معه أنهم من جهة يؤمنون بالدور المركزي للدولة ومن جهة أخرى فإن الطبيعة الإيديولوجية الشديدة عند الماركسيين تجعل الثقافة خاضعة خضوعاً شديداً لتلك الإيديولوجية المُسيَّسة بطبعها. ففي كتابه (أدب وثورة) الصادر عام 1925م اعتبر تروتسكي أن الثقافة في الدولة يجب أن تدار سياسياً
هناك من إلتفت إلى مشكلة الخلط الذي يحصل بين الثقافة والسياسة ، وهذه هي الفكرة الأساسية التي تحدث عنها توماس إليوت في شأن العلاقة بين الثقافة والسياسة في كتابه (ملاحظات نحو تعريف الثقافة) وبحسب رأيه ، لا يمكن الفصل بينهما كما لا يمكن القول بأن لا شأن لكل منهما بالأخرى.
وفي أواخر ثمانينيات القرن العشرين صدرت دراسة في فرنسا من إعداد بعض الباحثين الفرنسيين ، عالجت إمكانية أن تكون الثقافة بديلاً عن السياسة في إنماء وتطوير وتحسين العلاقات الدولية ، وفي معالجة الأزمات والتوترات بين الدول. واعتبرت الدراسة أن الثقافة في الوقت الحاضر تفهم بشكل أكثر اتساعاً مما كانت عليه في ماضٍ قريب ، وأنها تهدف إلى تناول الإنسان بكليته جسداً وروحاً وعقلاً ووجداناً.
والحقيقة أن الثقافة لا يمكن أن تكون بديلاً عن السياسة ، وأن السياسة سوف تظل في حاجة إلى ثقافة. ويبدو أحيانًا أن هناك خصومة تاريخية بين الثقافة والسياسة على الرغم من ظهور بعض الساسة من المثقفين والأدباء ، إذ إن ونستون تشرشل حاصلٌ على جائزة نوبل فى الأدب وهناك حالاتٌ متعددة يمكن القياس فيها على العلاقة بين الثقافة والسياسة من خلال حاكمٍ مثقف أو زعيمٍ نال قسطًا وافرًا من المعرفة العامة وضرب بسهمٍ فى الفكر الإنسانى
لكن ليست هذه هى القاعدة على الإطلاق، إذ إن معياري الوصول للسلطة هما فى الغالب استناد من يصل إما إلى شعبيةٍ تؤهله لذلك أو إلى قوةٍ عسكريةٍ أو مالية تدعمه فى الوصول ولو خارج إطار الإجراءات الديمقراطية السليمة ، وسوف اوضح ذلك فى الملاحظات التالية:
أولاً: العولمة وهي ظاهرة ثقافية بالدرجة الأولى.
ثانيًا: صراع الحضارات هو الآخر ظاهرةٌ ثقافية من كافة الجوانب.
ثالثًا: الحرب على الإرهاب هي حرب من منظور ثقافي أيضًا.
تؤكد كل الملاحظات السابقة أن العامل الثقافى يلعب دورًا مؤثرًا فى المجتمع الدولى المعاصر، كما أن التفاوت الثقافي والاختلاف فى مستويات الفكر والتعليم والمعرفة يؤدى إلى بروز العامل الثقافى لكى يصبح عاملاً قائدًا للعلاقات المعاصرة بين الدول ، إن الثقافة علاج سحرى يذيب الفوارق وينهى الخلافات ، فالعلوم والفنون والآداب هى لغاتٌ مشتركة بين البشر فى كل زمان ومكان.
أبرز الأخبار