12-10-2018
آفــاق
الدكتورة ميرنا داوود
أستاذة جامعية وكاتبة
وفي فترة العصور الوسطى كانت الأرض تعتمد على عدّة أنواع من الحقوق؛ حيث إنّ أساس المُلكيّة يفقد المعنى القانونيّ الخاص فيه، أمّا من حيث الطبيعة السياسيّة فكانت الفكرة الرئيسيّة هي سيادة الدولة أثناء العصر الرومانيّ والعصر الحديث؛ حيث تُنفّذ الدولة مهامها وسلطاتها باستخدام الرؤساء والموظفين، وعند تطبيق النظام الإقطاعيّ لم يعدّ للدولة أي تأثير؛ ممّا أدّى إلى انقسام سلطاتها بين مجموعة من الأشخاص، وانتقلت لهم هذه السلطات نتيجةً لانهيار وتراجع الدولة، ويُستنتج من ذلك أنّ النظام الإقطاعيّ ظهر بسبب المُلكيّة المُجزّأة في الطبيعة الاقتصاديّة، والسيادة المُجزّأة في الطبيعة السياسيّة وانقسمت الآراء حول جذوره، فبعض النظريات ترجح بأنّه نظام جرمانيّ، والبعض الآخر يشيرإلى أنه نظام رومانيّ، ونتج عن ذلك ظهور مدرستين لدراسة النظام الإقطاعيّ، وهما: المدرسة الرومانيّة والمدرسة الجرمانيّة. لقد اعتمد تطبيق النظام الإقطاعيّ على وجود ثلاثة أركان رئيسيّة :المجتمع القروي الذي تشكل من الفئات التي عاشت على زراعة الأراضيّ وهم الفلاحون والعبيد ومن ثمّ ظهرت جماعة جديدة عُرِفت باسم الأقنان اما العبيد فهم الذين كانوا يعملون في منازل الإقطاعيين ومن ثمّ أصبحوا يعملون في زراعة الأراضيّ، وكان عملهم في البداية مُقتصراً على تقديم الخدمات للمنازل في إنجلترا، ولم تكن لهم أهمية في فرنسا، مقارنةً مع ألمانيا التي شهدت ارتفاعاً في نسبتهم. الأقنان: وهم الأشخاص الذين كانوا أحراراً، ومن ثمّ أُرغِموا نتيجةً لظروفهم المعيشيّة على التضحية بحُرّيتهم. ويعرف النظام الاقطاعي بانه نظام الدومين ومعناه المالك، وأُطلق عليه عدّة مسمّيات وألقاب في أوروبا، مثل السيد والبارون. استمرّ عصر الإقطاع إلى فتراتٍ طويلةٍ وبدأت قوة الكنيسة في الازدياد، خاصةً وأنّ الأوروبيين أصبحوا لا يدينون بالولاء لحاكمٍ واحدٍ، كما بدأت مساوئ النظام الإقطاعيّ تتزايد، فأخذ السكان يتحدّون تحت ظل الكنيسة، فامتلكت الكنيسة الأراضي وجمعت الضرائب، وأنشأت المدارس الدينيّة والمستشفيات والأديرة. استطاع الفرانكيون الذين سيطروا على فرنسا توحيد أوروبا مرةً أخرى، وكان من أشهر ملوكهم شارلمان الذي حمى الكنيسة من أعدائها وحسّن التعليم فأسس مدرسةٍ في قصره وأحضر المعلمين من أنحاء أوروبا، فبنوا المدارس وترجموا المخطوطات القديمة، إلا أن هذه الدولة لم تدم طويلاً بسبب الخلافات على الحكم بين أبناء شارلمان. عادت أوروبا إلى عصر الإقطاع، وظهرت طبقة الفرسان التي أقامها الإقطاعيون لحماية مصالحهم وتحصيل أموالهم، ومع بروز مساوئ النظام الإقطاعي أكثر وأكثر، أخذ الناس يلجؤون إلى الكنيسة لتخلّصهم من ظلم أصحاب الأراضي، وأصبحت الكنيسة القوة الوحيدة التي تربط أجزاء أوروبا، وكان البابا يمثل أكبر سلطةٍ، إذ يمتلك السلطة الدينية والدنيوية، عاشت أوروبا في ظلّ القوانين الدينيّة التي تفرضها الكنيسة ومارس القساوسة السلطة على الشعب وهذا ساهم في انتشار الاقطاعية الدينية، إلّا أن انتشار الفساد في الكنائس والأديرة قد مهّد لحالات تمردٍ على تعاليم البابا، خاصةً بعد ظهور الحركات الإنسانيّة التي تدعو إلى احترام الإنسان، وظهر بعض المصلحين الذين دعوا إلى إصلاح الكنيسة الكاثوليكيّة، وعاشت أوروربا في هذه المرحلة حروباً دينيةً طويلةً، أدت إلى بزوغ عصر النهضة في ربوع أوروبا، بعد أن تقلّصت صلاحية رجال الدين، وأصبح عملهم يختصّ بالأمور الدينية فقط ومن هنا بدات الاقطاعية باشكالها المختلفة بالتلاشي..
أبرز الأخبار