21-09-2018
آفــاق
الدكتورة ميرنا داوود
أستاذة جامعية وكاتبة
هناك اختلاف في وضع تعریف محدد وواضح لمفهوم التطرف ، وذلك نظرا لاختلاف الآیدیولوجیات والفلسفات الفكریة في دول العالم ، ونتیجة لاختلاف العقائد الدینیة بین المجتمعات البشریة ، فكلُّ فلسفة وفكر معین یتبنى تعریف خاص لمفهوم التطرف وذلك حسب ما یخدم مصالحه من جمیع الجوانب والاتجاهات سواء أكانت سیاسیة أم فكریة أم اجتماعیة أم اقتصادیة وحتى الدینیة منها فهناك من یصنف بعض الأعمال التي تمارس على المستوى الفردي أو الاجتماعي إرهابا ً، وهناك من ینظر لها على أنها أعمال مشروعة من حق الفرد أو المجتمع أن یقوم بها ، ولا یصنفها إرهاباً ، وبهذا یمكن القول إنَّ جمیع دول العالم مهددة بخطر التطرف والإرهاب وخاصة الفكري منه ، نظرا لعدم الاتفاق على معنى محدد وواضح سواء للتطرف اوالإرهاب تتفق علیه جمیع دول العالم بجمیع فلسفاتها و أفكارها ومعتقداتها المختلفة
إن الاختلاف وعدم الاتفاق على فكرة واضحة هو أساس الإرهاب الفكري. وتكمن خطورة هذه الظاهرة بارتباطها بمجالات عديدة ، ولعلّ أهمها السياسة والدين. فسياسياً يتمظهر التطرف الفكري من خلال الدفاع الشرس والعنيف عن الإيديولوجيات والأهداف الحزبية ، رافضاً بذلك كل منتقد معتقداً بنموذجية آرائه ، الأمر الذي يؤدي إلى نفي الحريات الدستورية كحرية التعبير عن الآراء السياسية وحرية الانتماء للأحزاب السياسية ونظراً لارتباطه بمعطيات العنف فإنّ التطرف الفكري يمثل كذلك تهديداً صريحاً للحرمة الجسدية المحمية من قبل مختلف الأنظمة القانونية.
وستتعمق هذه الظاهرة الاجتماعية المدمرة من خلال امتزاجها بما هو ديني ، إذ إنّ كل ذات متدينة تقرّ بعلوية وتفاضلية مقدّسها على بقية الديانات ، الأمر الذي يجعل من خطابها مبنياً بالأساس على دلالات التطرف الديني ، رافضة بذلك معطى الحوار ومعتمدة العنف كوسيلة للإقناع. فالغاية من الحوار لا تبادل الأفكار في كنف الإثراء المعرفي ، وإنما الغاية منه التسليم والإقرار بنموذجية مقدّس الذات الدوغمائية. ولعل الصراعات الدينية والطائفية الدامية تعدّ خير دليل لتجسيد مفهوم الإرهاب الفكري.
الحديث عن ظاهرة الإرهاب الفكري وحضورها المكثّف في المجتمعات العربية يقتضي التطرّق للأسباب التي أدّت لاستفحالها والحول دون الحدّ منها، ما يطرح عدّة أسئلة: إلى أي مدى يمكن لكائن مفكر بطبعه أن يتعايش مع دلالات التعصب الفكري؟ ألا يعدّ غياب التفكير وإعمال حجة العقل سبباً رئيساً أدى لاستفحال ظاهرة الإرهاب الفكري؟ أليس من الضروري الـتأسيس لمقومات فكر موضوعي، منطقي وعقلاني للحد من تمظهرات التعصب؟ ألم يحن الوقت بعد للتخلى عن عادة العزوف عن القراءة والتفكير والكتابة؟ ألم تكتشف المجتمعات العربية مدى تأثير التطرف الفكري على كينونتها واستقرارها؟ ألا يشكل تهديداً صريحاً لصرحها الاجتماعي؟
ترجع خطورة التطرف إلى آثاره على الفرد والمجتمع ، فبالنسبة للفرد فإن أفكاره المتطرفة تجعله منبوذًا مكروهًا يعاني من فجوة تزداد يومًا بعد يوم بينه وبين الآخرين ، وللأسف فهو من صنعها وهو من يجني ثمارها من مشكلات نفسية واختلال في مفهوم الصواب والخطأ لديه. ومن جانب المجتمع ، فإن التطرف يصاحبه خلل في البناء المجتمعي ، حيث تنتشر الأفكار السلبية والمعايير الخاطئة ، وتؤدي إلى وجود نظام اجتماعي لا يتمتع بالاستقرار وبالتالي ففرص البناء ومسايرة الحضارة تصبح معدومة.
وعليه فإنّ الحد من ظاهرة التطرف الفكري تتطلّب بالأساس حضور وعي يؤمن بالتفكير الموضوعي وبالحوارالمثمر وبالإختلاف وكذلك الاحترام المتبادل وضرورة التواصل وتبادل الافكار .
أخبار ذات صلة
آفــاق
بين التطرف والاندماج
آفــاق
التطرف بين الفكري والديني
آفــاق
فن صناعة الكذب
آفــاق
قراءة في الادب السياسي
أبرز الأخبار