مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

العلمانية المسيحية

12-06-2018

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

ميز السيد المسيح في المبدأ، بين الإيمان المسيحي والكنيسة من جهة، وبين القوانين و السلطة السياسية والممارسة السياسية من جهة اخرى: ​ “ليست مملكتي من هذا العالم , ولو كانت من هذا العالم لدافع عني حراسي” ​ولما أراد تلاميذه الدفاع عنه رفض ” فقالوا يا رب ههنا سيفان , فقال لهم : "كفى ".

وكذلك رفض  السيد المسيح الخلط بين الواجبات الدينية والواجبات الدنيوية : ” اعطوا إذا لقيصر ما لقيصر , ولله ما لله”

لكن عبر التاريخ كان هناك تدخلا صريحا  للسلطة الكنسية بالسياسة  , من خلال فرض رجال الدين لسلطتهم الروحية ومزجها  بالسلطة السياسية , وأدى  هذا التدخل في النهاية إلى نفور بين السلطتين , فاستغلال السلطة الدينية (من خلال ممارسات فردية  داخل  الكنيسة وليس كعقيدة مسيحية) لتحقيق  أمور وغايات سياسية ,  فجر  ثورات لا نهاية لها ونشا عنها  تيارات تطالب بفصل الشؤون الكنسية  عن السياسية, أي ما عرف بالعلمانية.

و تبلورت بعدها الرؤيا مع الثورات وخاصة الفرنسية , التي أعادت الكنيسة إلى أساس عقيدتها و إلى ما قبل المزج بين الدين والدولة.. فانصرفت الكنيسة إلى الاهتمام بالشأن الروحي والديني وعدم التعاطي بالامور السياسية  , وتم التوصل  إلى المجمع الفاتيكاني الثاني الذي حدد دور وخطوط وأهداف الكنيسة العريضة , وصولا إلى الشؤون الاجتماعية ودور العلمانية  في الكنيسة دون المزج بين السلطة السياسية والسلطة الدينية.

أما ان اردنا الحديث اليوم عن العلاقة  بين الكنيسة والدولة (في غالبية الدول الغربية ) فإننا نجد بانها  علاقة قائمة على مبدأ الحرية , والمساواة, والاحترام:

 

فالكنيسة تعترف وتطالب بحرية الأفراد والجماعات  وحرية التعبير . كما أن الكنيسة تطالب بالحريات العامة, و بالتالي أن تكون الحرية الدينية من الحقوق المدنية والحريات العامة وحق التبشير .
(هذا لا يمنع بأن تختلف وجهات النظر بين الدولة والكنيسة على بعض الأمور الزمنية  , كالاستنساخ , وعلاقة المثليين , والإجهاض وغيرها …)

 

بعد سنوات من الحروب والنزاعات الطائفية والدينية التي سالت فيها حمامات الدم في اوروبا، وراح ضحيتها آلاف الأبرياء؛ رأت اوروبا وعلى راسها فرنسا أن العلمانية هي السبيل الوحيد لتخطي هذه المشاكل والنزاعات.

واليوم نحن  نعيش في مشرقنا عصرا مشابها لما عاشته فرنسا منذ عقود، نعاني مما لا يحصى من الحروب الطائفية والدينية في عدة مناطق بسبب التعصب المذهبي والديني،  رغبة في الوصول إلى الحكم وفرض احكام سياسية بالقوة ، الهدف غير المعلن الذي تلهث وراءه الكثير من الفرق والطوائف. لذلك فأنا أرى أن العلمانية  تبقى السبيل الذي كما في فرنسا وبقية الدول الاوروبية يستطيع ضمان حرية الجميع في ممارسة ما يعتقدون من أفكار بكل سلم دون تعارض مع الآخر، وبه يمكن أن تحقن دماء الأبرياء  التي تذهب  ضحية النزاعات الدينية. ومما لا شك فيه أن الاختلاف في المعتقدات والمذاهب والآراء طبيعة إنسانية  تفرض نفسها  لا مفر منها، لكن بدل إرادة تطبيق مذهب أو دين أوفكر واحد على الجميع مما ينشب عنه من نزاعات لا متناهية وحمامات دماء دائمة، ينبغي التفكير في حل آخر يضمن حرية الجميع وتعايشهم مع بعضهم البعض.

 

إلى جانب هذا، أعتقد أن الوسيلة الأكثر مساهمة في تعميق مفهوم الحرية وترسيخ اساساتها لدى الأفراد هي العلمانية لأنها ببساطة نظام يطبق على  أساس احترام مبدأ حرية الأفراد في معتقداتهم وشؤونهم الخاصة.

 

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما