مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

العلمانية والدولة القومية

01-05-2018

آفــاق

الدكتورة ميرنا داوود

أستاذة جامعية وكاتبة

العلمانية ليست مجرد فلسفة لقضية تهدف الى احلال ثقافة السلام والتسامح داخل المجتمع ، بل هي بمثابة قانون يقوّم الوسط السياسي، أي تمثيل المواطنة من خلاله، بالسمو على الممارسات الذاتية التي تهدف إلى التفرقة والتمييز سواء عن طريق الطبقة الاجتماعية، اللون والدين. أن مفهوم "العلماني " سبق من حيث الدلالة ، المذهب السياسي للعلمانية، فقد تجمعت على مرّ العصور مجموعة من المفاهيم والممارسات والمشاعر لتشكّل "العلماني"بالفطرة .
و العلمانية على صلة بالدِّين وليست كما يدعي البعض بانها كفر وهرطقة ، لأن الدولة ليست ذلك الكيان المنفصل تماما عن كل ما يخص المجتمع ومكوناته بل على العكس، لا يمكن فصل السياسات المعاصرة عن المفاهيم المقدسة السائدة في المجتمع وانما شرعنتها ما بين دنيوي ومقدس ووضع ضوابط ومعايير تحكمها وتتحكم بها ؛  وبطبيعة الحال يقع على  الدولة مهمة  توصيف  الوجه العامّ المقبول للدين وتحديده داخل إطار المجتمع الحديث.

 

 

 

 
واستعرض هنا بعض آراء المنظرين العلمانيين على سبيل المثال لا الحصر نظرية المفكر الفرنسي "ارنست رينان"  الذي ذكر فيها مفهوم " الأسطورة الجمعية " فيرى الكاتب أنها تساهم في تحقق الإرادة الجماعية عن طريق حصر آراء المواطنين وتصوراتهم داخل المجتمع الحديث وأن نظرية تسامح الدولة العلمانية تقوم على قاعدة  مهمة ، فهي تسعى  إلى احتواء الشغف الديني،  بحيث تتناوله  بطريقة  مجتمعية ترتكز  على أساس حقوق  المواطنة  ، فتاريخ تمتع الإنسان بحقوق مستقلة هو تاريخ معقد يرجع إلى فكرة القانون الطبيعي في العالم المسيحي اللاتيني، وجذوره  وهذا يبدو واضحا في قراءات القانون الروماني واذكر هنا  (جون لوك ، الأستاذ في تاريخ الفكر السياسي)، الذي يعتمد  من خلال سرده  لمراحل الحقوق الطبيعية في الفلسفة القانونية الحديثة، أسلوب التمييز بين الحق الفاعل، وهو الحق الفطري المتأصل في الفرد بغض النظر عن علاقاته الاجتماعية، والحق السلبي، وهو الحق الذي يَستوجب بمعايير  تُلبى احتياجات وعلاقات الناس بعضهم ببعض . وبغض النظر عن تاريخ  الدولة، والمراحل التي مرّت بها، إلا أن الدولة العلمانية وحدها هي القادرة على فرض الحق الطبيعي بتعريفه  وضبطه ،  بوصفها قانوناً، سواء ارتبط ذلك بمعاملة الأفراد  أم معاملة الممتلكات والعلاقات العامة في المجتمع.

 

 

أن مهمة الدولة لا تقتصر فقط على فرض التشريعات   ، بل تسعى  أيضاً  لإيجاد هوية قومية جامعة للأفراد فالدولة العلمانية الحديثة تحتاج الى جرعة كبيرة  من المشاعر القومية التي لا يمكننا غض النظر عنها . لان المجتمع  الحديث وبحسب توصي الدولة المدنية ، يجب أن يكون مجتمعاً علمانياً، ولكي يغدو مجتمعاً علمانياً عليه أن يتعامل مع  الدين  وفقاً للفضاءات غير السياسية، وإذا كانت أطروحة العلمنة تبدو للبعض غير مرضية او منطقية ، أو انها  بعيدة عن  التطبيق الكامل ، فهذا غير صحيح ،الامر ليس بتلك البساطة وخصوصا في مجتمعاتنا  لأن الدين يلعب  دورا حيويا ليس فقط في الشرق وانما في العالم الحديث عامة وهذه حقيقة.
وهنا اريد ان انوه عن موضوع فصل  الدين عن الدولة، ففي بعض الدول الحديثة لا يذكر  هذا الموضوع صراحة في الدساتير الرسمية، فالولايات المتحدة الأميركية هي النموذج  الأمثل، لان عبارة (فصل الكنيسة عن الدولة) ليس لها وجود، ولم ترد في الدستور الأميركي،فهي غير مذكورة صراحة ولكنها مطبقة على الارض بحسب تأويل المحكمة العليا وبيان  المؤسسين.

 

 

 اذا الدولة القومية تحتاج الى فضاءات واضحة الحدود والمعالم قابلة للتصنيف والضبط . وهذه الفضاءات هي الدين والتعليم والصحة  والعمل والعدالة... وينبغي للفضاء الذي يحتله الدين في المجتمع على نحو ملائم أن يُعاد تعريفه  بحسب القانون ومجتمع الحداثة .
وفِي النهاية اخلص ان بعيداً عن التأويلات  التي يطرحها  البعض في مجتمعاتنا الشرقية  حول تكفير العلمانية اقول لا يزال  الدين  يحظى بأهمية بالغة في السياسة القومية في العالم الغربي الحديث، وكذلك في باقي دول العالم فابتعدوا عن هذه المقولة وتحريفها ولا تحكموا  عليها من منظور ضيق
ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما