28-09-2023
عالميات
|
المدن
التقى الرئيس الأميركي جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 20 أيلول/ سبتمبر 2023، في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ وذلك في خضم جهد دبلوماسي متزايد في الشرق الأوسط تأمل واشنطن أن يقود إلى اتفاق تطبيع سعودي - إسرائيلي قبل نهاية هذا العام. ويعد هذا اللقاء الأول بين بايدن ونتنياهو منذ عودة الأخير إلى رئاسة الوزراء في كانون الأول/ ديسمبر 2022، على رأس حكومة تعد الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل. وعلى الرغم من حصول اللقاء الذي انتظره نتنياهو طويلًا، فإنه لم يعقد في البيت الأبيض، كما كان يأمل. ومع ذلك، جرى توجيه دعوة مشروطة له إلى البيت الأبيض قبل نهاية هذا العام. وبحسب مصدر في الإدارة الأميركية، فإن لقاء نيويورك كان اجتماعاً خاصاً من دون حضور مستشارين.
جدل اجتماع نيويورك
جاء الاجتماع رغم التوتر الذي شاب العلاقة بين بايدن ونتنياهو في الفترة الأخيرة بسبب طبيعة الحكومة التي يرأسها الأخير؛ إذ أعلنت إدارة بايدن أنها لن تتعامل مع الوزراء المتطرفين فيها، مثل وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وأنها ستحمّل نتنياهو مسؤولية تصرفاتهما، فضلًا عن الخلاف حول التعديلات القضائية التي يحاول نتنياهو إدخالها، وترى واشنطن أنها تهدد "الديمقراطية" الإسرائيلية. ومع ذلك، قرر بايدن أن يُسقط تحفظاته واجتمع بنتنياهو. ووفقاً لوسائل إعلامية أميركية، أثار طلب نتنياهو لقاء بايدن في البيت الأبيض انقساماً بين مستشاري بايدن، بين معارض ومؤيد؛ ما قاد إلى تسوية تتمثل في عقد الاجتماع في أحد فنادق مدينة منهاتن، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويرى المعارضون لدعوة نتنياهو للبيت الأبيض أنها ستكون بمنزلة تراجع من إدارة بايدن عن مطالبها بوقف تعديل النظام القضائي في إسرائيل الذي يدفع به نتنياهو، فضلًا عن أن مثل هذا اللقاء سيفسّر على أنه مكافأة للحكومة الإسرائيلية على سياساتها المتطرفة في توسيع الاستيطان ورعايتها لممارسات المستوطنين التي ترفضها واشنطن. وثمَّة خشية أيضاً، في حال دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض، من إثارة الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي بات يوجه انتقادات شديدة لإسرائيل. في المقابل، يرى المؤيدون ضرورة أن ينحّي الرئيس خلافاته مع نتنياهو جانباً وهو على مشارف موسم انتخابي صعب في العام المقبل؛ لأن ذلك يضر بحظوظه لدى الداعمين الأميركيين لإسرائيل. ويرى هؤلاء أيضاً أن لقاء نتنياهو سيمنح بايدن الفرصة للضغط عليه بخصوص قضية التعديلات القضائية والمساعي الأميركية للتطبيع بين إسرائيل والسعودية؛ ما يتطلب تعاون نتنياهو بخصوص العودة إلى المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. ويجادل هؤلاء أن دعوة نتنياهو لزيارة البيت الأبيض في نهاية هذا العام يمكن أن تستخدم أداة ضغط بانتظار ما سيفعله بخصوص التعديلات القضائية، والمدى الذي يمكن أن يذهب إليه من أجل إنجاز اتفاق مع السعودية، ومستوى "التنازلات" التي يمكن أن يقدمها للفلسطينيين، قبل أن تمضي إدارة بايدن في تحديد موعد فعلي لزيارته إلى البيت الأبيض.
أما نتنياهو، الذي يبذل جهوداً كبيرة كي يستقبله بايدن في البيت الأبيض، فيسعى لإظهار حرصه على العلاقة مع واشنطن في وجه الاتهامات التي توجهها له المعارضة الإسرائيلية بتقويضها. ويرغب أيضاً في أن يبقى مطلعاً على سير المفاوضات الأميركية - السعودية حول التطبيع مع إسرائيل، وموقف واشنطن من مطلب الرياض في الحصول على مفاعل نووي سلمي، وعقد معاهدة دفاعية مشتركة مع الولايات المتحدة، والسماح لها بشراء أسلحة أميركية متقدمة. كما يريد نتنياهو أن يبقى قريبًا من واشنطن، بحيث يستطيع التأثير في مفاوضات الملف النووي الإيراني بدل أن يكرر خطأه عام 2015، عندما عارض علناً جهود واشنطن في هذا المجال؛ ما جعله يفقد القدرة على التأثير في سياساتها. ويذهب نتنياهو بهذا الاتجاه خصوصاً بعد أن نجح البيت الأبيض في عقد اتفاق مع طهران هذا الشهر، بوساطة قطرية، لتبادل السجناء.
أجندة اجتماع نيويورك
تعددت الملفات التي تطرقت إليها المباحثات الثنائية؛ إذ شملت التعديلات القضائية الإسرائيلية، والملف النووي الإيراني، وتعميق الاستثمار والشراكة في منطقة الشرق الأوسط، والملف الفلسطيني - الإسرائيلي. لكن المسألة الأهم التي ركزت عليها المباحثات هي المفاوضات التي تقودها واشنطن للتوصل إلى "اتفاقية سلام" بين السعودية وإسرائيل. ووفق بيان صادر عن مكتب نتنياهو، فإن لقاءه مع بايدن استهدف في المقام الأول مناقشة آفاق الوساطة الأميركية للتوصل إلى "اتفاقية سلام" بين إسرائيل والسعودية. فقد أشار بايدن بوضوح في أثناء الاجتماع إلى أن "بناء شرق أوسط أكثر استقراراً وازدهاراً [...] بما في ذلك (إنجاز) الممر الاقتصادي الهندي - الشرق أوسطي - الأوروبي" يرتبط إلى حد كبير بالتوصل إلى اتفاقات سلام بين إسرائيل وجيرانها في المنطقة، وتحديدًا مع السعودية. وأكد نتنياهو على أهمية الجهود الأميركية بهذا الاتجاه؛ إذ قال: "يمكننا صياغة سلام تاريخي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وأعتقد أن مثل هذا السلام سيسهم بقوة، أولًا، للمضي قدماً في إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي وتحقيق المصالحة بين العالم الإسلامي والدولة اليهودية، و[ثانيًا]، في دفع السلام الحقيقي بين إسرائيل والفلسطينيين". وفي اليوم نفسه، بثت قناة "فوكس نيوز" الأميركية مقابلة مع وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قال فيها إن التطبيع بين بلاده وإسرائيل يقترب "أكثر كل يوم"، وأن المملكة منخرطة عبر وساطة أميركية في "مفاوضات جادة للمرة الأولى". والتطبيع في الحقيقة زاحف ومتدرج؛ فقد جاءت بعد هذه المقابلة أول زيارة لوزير إسرائيلي إلى السعودية، وهو وزير السياحة حاييم كاتس، الذي وصل إلى الرياض، في 26 أيلول/ سبتمبر 2023، للمشاركة بمؤتمر لمنظمة السياحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة.
لكن مثل هذه الاتفاقية، رغم أنها "في متناول اليد"، كما أكد نتنياهو، فإنها تواجه تحديات وعقبات كثيرة. وترى إدارة بايدن أن الرياض تتعامل مع قضية التطبيع الكامل مع إسرائيل على أنها متعلقة، أساسًا، بتفاهمات أميركية - سعودية بالدرجة الأولى، تقبل بموجبها واشنطن بجملة من المطالب التي تريدها السعودية وتتلخص في: أولًا، موافقة الولايات المتحدة على مساعدتها في بناء مفاعل نووي مدني يتضمن منشآت تسمح بتخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية، وتكون تحت إشراف أميركي. ثانياً، توقيع معاهدة دفاع مشترك بين واشنطن والرياض، على غرار المعاهدات الموقعة مع كوريا الجنوبية واليابان، تلتزم بموجبها الولايات المتحدة بالدفاع عن السعودية أمام أي تهديد عسكري. ثالثاً، السماح للمملكة بشراء أسلحة أميركية متطورة، مثل نظام الدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ الباليستية. أما اشتراطات السعودية تجاه إسرائيل كثمن للتطبيع، فهي غير واضحة كثيراً؛ إذ قال محمد بن سلمان إنه يريد "تحسين حياة الفلسطينيين"، وهي من عبارات ما سُمي في حينه بصفقة القرن التي صاغتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. وأشار وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى أن الرياض تتوقع أن تشمل أي اتفاقات في المنطقة إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
تمثل هذه المطالب السعودية تحديًا كبيراً لإدارة بايدن ولحكومة نتنياهو على السواء. فمن جهة، تسعى إدارة بايدن إلى كبح اندفاع السعودية في تطوير علاقاتها مع الصين وتقييد نفوذها المتنامي في الشرق الأوسط. كما أنها تطلب مساعدة الرياض في خفض أسعار النفط قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام المقبل. ويأمل بايدن أن تسهم صفقة تطبيع بهذا الحجم بين السعودية وإسرائيل في تعزيز حظوظه الانتخابية، وفي أن تُسجل في إرثه الرئاسي، مع أنه لا يوجد أي دليل على أن اتفاقية مثل هذه سوف تزيد من أصواته الانتخابية. فضلًا عن ذلك، يتطلب إنجاز معاهدة دفاعية بين واشنطن والرياض تأييد 67 عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، في حين أن الحزب الديمقراطي لا يملك سوى 51 صوتاً في المجلس، هذا إذا افترضنا تأييدهم جميعًا لسياسات الرئيس في هذا الاتجاه؛ وهو أمر غير مؤكد في ضوء تحفّظ كثيرٍ منهم على سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان، وعلى الحرب في اليمن. ومن ثمّ، سيحتاج بايدن إلى دعم من الحزب الجمهوري؛ إذ يأمل في الحصول على مساعدة نتنياهو لإقناع الجمهوريين.
لكن قبل الحديث عن مدى قبول نتنياهو بالتدخل لدى الجمهوريين لتأييد اتفاق أميركي - سعودي يلبي مطالب الرياض أو بعضها، فإن إدارة بايدن تبدو بحاجة إلى أن تقنع نتنياهو أولًا بتقديم "تنازلات" للفلسطينيين لتوفير غطاء للخطوة السعودية. وتذهب بعض التقديرات الأميركية الى أن الرياض قد تقبل ببعض "التحسينات" في حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية مقابل التطبيع مع إسرائيل، مثل منحهم قدراً أكبر من الحكم الذاتي، ونقل مزيد من الصلاحيات والأراضي المأهولة بالسكان للسلطة الفلسطينية، وكبح المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية على نحو يمكن التحقق منه، وتحسين ظروف المعيشة والسفر للفلسطينيين، والحفاظ على الأسس التي قد تفضي في المحصلة إلى دولة فلسطينية. ومع ذلك، فحتى إذا وافق نتنياهو على هذه "التحسينات"، من غير المتوقع أن يوافق أعضاء ائتلافه الحكومي المتطرف، الذين يعارضون حصول الفلسطينيين على أي مظهر من مظاهر السيادة، ويخشون من تحوّل البرنامج المدني الذي تسعى السعودية إليه إلى برنامج عسكري، وبخاصة إذا امتلكت إيران قنبلة نووية. ومع أن نتنياهو يجادل أنه قادر على إقناع ائتلافه الحكومي بتقديم تنازلات للفلسطينيين في سبيل إنجاز صفقة مع السعودية، فإنه يرفض تحديد طبيعة هذه التنازلات، بل لا يرى حاجة إليها، لأن الفلسطينيين، في رأيه، "سيستفيدون من اتفاق السلام بطرق أخرى". كما أن فرض قيود على النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية سوف يلقى معارضة من داخل الائتلاف الحكومي، ما يدفع نتنياهو إلى طلب مساعدة من أحزاب المعارضة، وتحديداً من حزبي "هناك مستقبل"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لبيد، وحزب "المعسكر الرسمي" الذي يتزعمه وزير الدفاع السابق بيني غانتس، لتشكيل حكومة وحدة وطنية. وهذا الاحتمال ضعيف ليس بسبب غياب الثقة بين لابيد وغانتس من جهة، ونتيناهو من جهة أخرى، بل لأنهما يعارضان أيضاً أن تملك السعودية برنامجاً نووياً، حتى لو كان سلمياً. ومع أن بعضهم يرى أن نتنياهو قد يلجأ إلى السعي إلى إبرام إسرائيل اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة لكسب دعم المعارضة وتشكيل حكومة الوحدة، فإن هذا يبقى خيارًا معقدًا، ومن الصعب تصور حصوله على دعم المعارضة.
أخيراً، سوف يكون من الصعب على السعودية أن تبرّر انخراطها في اتفاق تطبيع مفتوح ورسمي مع إسرائيل من دون الحصول على مطالبها الثلاثة من الولايات المتحدة، كليًا أو في حدود مرضية. وينطبق الأمر نفسه، وربما بدرجة أقل، على التنازلات التي تريد السعودية من نتنياهو تقديمها للفلسطينيين.
خاتمة
من الصعب الجزم إن كانت إدارة بايدن ستنجح قبل بدء موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية في ربيع 2024، في جهودها للتوصل إلى اتفاقية تطبيع بين السعودية وإسرائيل في ضوء مطالب الأولى، وعدم استعداد الثانية لتقديم تنازلات كافية لتسهيل مهمة بايدن في الحصول على موافقة الكونغرس على الجزء المتعلق بواشنطن في الصفقة المحتملة. ومع ذلك، يُرجح أن تستمر إدارة بايدن في المحاولة نظراً إلى ارتباطها بصلب المصالح والنفوذ الأميركي في المنطقة، وبخاصة في ما يتعلق بإبعاد الصين عنها، وقد تجلّى ذلك في مبادرة الممر الهندي - الشرق أوسطي - الأوربي.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار