30-08-2023
إقتصاد
ثلاثة قوانين لا يزال التهرّب من إقرارها يحول دون وضع لبنان على مسار التعافي ويؤخّر التعاون مع صندوق النقد الدولي. وغيابها يؤدي إلى تنامي الاقتصاد النقدي ما يُعرّض لبنان لمخاطر عزله عن النظام المالي الدولي. فما هي هذه القوانين؟ وما الذي يؤخّر إقرارها؟
جدّد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري تأكيده في المؤتمر الصحافي الذي عقده الاسبوع الفائت، أنّ «الانتظام المالي للدولة لن يتحقق من دون إقرار القوانين الإصلاحية وتحديداً قانون Capital Control وقانون إعادة التوازن المالي وقانون إعادة هيكلة المصارف».
4 سنوات مرّت على الأزمة المالية ولبنان مطالب بإقرار هذه القوانين، لاسيما الكابيتال كونترول، منذ اللحظة الأولى لبدء الأزمة. الاّ انّ الطبقة السياسية لا تزال تعمل على كسب الوقت من خلال المراوحة والتحجج بذرائع واهية للحؤول دون إقرارها، علماً انّها مطالب ضرورية لبدء مسار التعافي والنهوض. واعتبر منصوري في السياق نفسه، انّ إقرار لبنان لهذه القوانين يشكّل المخرج الوحيد له من الأزمة المالية غير المسبوقة التي يعيشها، وشدّد على انّ كل يوم نخسره من دون صدور هذه القوانين سيؤدي الى ازدياد الخسارة واضمحلال فرص الحل، وتفاقم معاناة المودعين في انتظار إيجاد حل لاسترداد ودائعهم.
بناءً عليه، يتساءل المودع عن أهمية هذه القوانين وكيف ستساعد في استرجاعه لودائعه؟ وهل لا يزال إقرار قانون الكابيتال كونترول ذات منفعة، لا سيما بعد كل الاموال التي خرجت من لبنان منذ الأزمة والتي تزيد عن 6 مليارات دولار؟
في السياق، تشدّد مصادر مطلعة لـ»الجمهورية»، على انّه مهما تأخّر إقرار لبنان لهذه القوانين الثلاثة، اي قانون Capital Control وقانون إعادة التوازن المالي وقانون إعادة هيكلة المصارف، فهي لا تزال إلزامية للبدء بمسار التعافي، بدليل انّ لبنان لا يزال يتخبّط بالأزمة عمداً لأنّه يتهرّب من إقرار هذه القوانين، علماً انّ صندوق النقد الدولي بدوره يطالب لبنان بإقرار هذه القوانين كشرط مسبق قبل تقديم أي قرض مالي له. واللافت انّ هناك استهتاراً فاضحاً من قِبل الدولة للتملّص من إقرار هذه القوانين، وللأسف هي لا تزال تعتبر ورغم مرور 4 سنوات على الأزمة، انّ القوانين لا تزال تحتاج إلى مزيد من الدرس، وهناك حاجة للتمهّل في إقراره. وآخر الفضائح كان وضع اللجنة المولجة درس مشروع قانون الكابيتال كونترول العصي بالدواليب من خلال إدراج البند الأول من المادة 7 منه والذي ينص على «أن تتمّ المدفوعات والتحاويل المصرفية المحلية كافة بالليرة اللبنانية، باستثناء الحالات التي تحدّدها اللجنة»، الامر الذي يتنافى وينسف مفهوم الإيداعات والتحاويل الجديدة الذي يكرّسه القانون نفسه في المادة الثانية من البند 14، والذي يعرّف الإيداعات والتحاويل الجديدة بالأموال المودعة بأي عملة كانت حُوّلت من خارج لبنان أو أُودعت نقداً لدى المصارف بعد 17 تشرين الأول 2019. والإصرار على هذا البند سيهرّب الدولارات الجديدة من البلاد، خصوصاً بعدما أثبتت التجارب انّ هذه الدولارات الفريش التي تدخل البلاد هي من أمّنت ديناميكية للاقتصاد في السنوات الاربع الماضية.
أضف الى ذلك انّ محاربة الفريش دولار بهذه الطريقة سيضرب امكانية تقليص الاقتصاد النقدي، الامر الذي حذّر منصوري من تداعيات استمراره. اضافت المصادر، انّ محاربة الفريش بهذه الطريقة سيحول دون تشجيع المودعين والتجار للتعاون مع المصارف مجدداً، بحيث انّه على سبيل المثال سيضطر المستورد إلى تجميع كل المال اللازم تأمينه كثمن عملية الاستيراد لديه، وما ان يكتمل المبلغ يودعه المصرف لإجراء عملية الاستيراد.
أما عن اهمية إقرار الكابيتال كونترول رغم اهماله كل هذه السنوات، فذلك يعود الى الاسباب التالية:
- لأنّه ممر إلزامي لخطة التعافي وصندوق النقد.
- لانّه يساهم في تنظيم العلاقة بين المودع والمصرف. فحتى اليوم لا يزال المودع لا يعرف حقوقه وموجباته، كذلك المصرف، وهذا ما ادّى الى المواجهات المتكرّرة بين المودعين والمصارف.
- يفترض بأن يلحظ القانون لجنة لمراجعة ودرس الحالات الاستثنائية مثل الحاجة للاموال لإجراء عمليات استشفائية او غيرها...
- انّ إقرار القانون سيساهم في الحدّ من تسرّب الاموال الى الخارج التي لا تزال تحصل، سواء من خلال عمليات الاستيراد والتصدير او المحسوبيات وغيرها... فالمراقبة ضرورية للحدّ من هذه العمليات.
ملاحظات على «الكابيتال كونترول»
من جهة أخرى وقبل إقرار مشروع قانون «الكابيتال كونترول»، يطرح الخبير في المخاطر المصرفية محمد فحيلي بعض الملاحظات عليه ويقول: «على المشرّع ان يلتفت الى أمرين لدى التشريع، اولاً علاقة المودع بالقطاع المصرفي وعلاقة المؤسسات المصرفية بالجهات الرقابية التي هي مصرف لبنان ولجنة الرقابة وهيئة التحقيق الخاصة، وإلى علاقة المواطن اللبناني بالقطاع المصرفي والفارق بينهما كبير»، موضحاً لـ«الجمهورية»، انّ «الحديث عن المودع يعني تنظيم السحوبات وعودة الخدمات المصرفية التي كانت متوفّرة له في السابق وتوقفت بعد الأزمة، أما تنظيم العمل في القطاع المالي فهذا يعني عودة المؤسسسات الى توطين رواتب موظفيها في المصارف كما كان يحصل في السابق، وإعادة فتح حسابات المودعين التي أُقفلت قسراً، وفعل كل المستطاع من اجل العودة الى الشمول المالي بدل الاستبعاد المالي الذي نعيشه منذ ثلاث سنوات».
انطلاقاً من ذلك، يرى فحيلي انّ قانون «الكابيتال كونترول» يجب ألاّ يتعدّى كونه تنظيماً للسحوبات المالية»، لافتاً الى انّ هناك بعض الأخطاء في هذا القانون يتمّ التداول بها وهي:
- تنظيم السحوبات الداخلية التي نظّمها مصرف لبنان بالتعاميم 151 و 158، الاّ انّ وجه الاستفادة من التعميم 158 ضيّقة جداً لاعتبارات غير واضحة اسبابها الموجبة بعد. واعتبر انّ الدولار المحلي هي حسابات مثقلة بالمخاطر الإئتمانية التي خسرت الكثير من قيمتها. لذا هي تحتاج الى معالجة.
- تنظيم السحوبات الخارجية. واشار في هذا السياق الى انّ هذا النوع من السحوبات منظّم بموجب التعميم 150، لانّه يسمح بالحسابات الفريش المحرّرة من اي قيود، لكن يجب تنظيمه من حيث تحديد الجهة التي يحق لها ان ترسل اموالاً من الخارج. لذا وجب إعطاء دور لوزارة الاقتصاد التي سيكون عليها وضع ضوابط على بعض أصناف الاستيراد للمحافظة قدر المستطاع على السيولة المتوفرة بالعملة الاجنبية.
- في ما خصّ اللجنة التي تأسست من اجل مشروع قانون «الكابيتال كونترول» يجب الإقرار بأنّ كل القرارات التنظيمية المتعلقة بالكابيتال كونترول يجب ان تصدر عن مجلس الوزراء وليس عن اللجنة.
- إبراء ذمّة المصارف حيال الاجراءات التي اتخذتها خلال الأزمة، وهذا أمر اساسي لأننا نتجّه نحو اعادة هيكلة القطاع المصرفي، وهذا يعني طلب ضخ اموال جديدة، وبالتالي لا يمكن لأي مستثمر ان يُقدم على مثل هذه الخطوة في مؤسسة تواجه دعاوى قضائية. وبالتالي انّ هذه الخطوة اساسية من اجل تسهيل الدمج والاستحواذ والتصفية. لكن في الوقت نفسه يجب محاسبة ومحاكمة أي مصرفي أساء التصرّف بأموال المودعين، الاّ انّ هذه المحاسبة لا تكون ضمن قانون «الكابيتال كونترول» انما من ضمن قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
لا «ثقة» بالمصارف
مقالات مختارة
انهيار الهويّة البصريّة للمصارف: لا ربطات عنق بعد الآن