06-04-2024
مقالات مختارة
|
الأخبار
فجأة، لم تعد ربطات العنق رائجة بين موظفي المصارف، ولا حتى بين رجال الأعمال. فمع انهيار القطاع المصرفي، الذي كان القناة شبه الوحيدة لتدفق الثروة وتسهيل السطو عليها، توقفت إدارات المصارف عن التشدّد في ضبط «أزياء العمل» التي كانت تفرض ارتداء «بدلة رسمية» وربطة عنق. قد يُعزى الأمر إلى نيات أصحاب المصارف لصرف القسم الأكبر من الموظفين، أو لأنها تدرك أن رواتبهم تدنّت إلى مستويات تبرّر الإنتاجية المنخفضة بسبب الإفلاس. لا ضرورة للتشدّد طالما أن ربطات العنق إلى جانب ما يسمّى «البدلات الرسمية» كانت ضرورية يوم كان المصرف يتعامل مع الزبائن ويقدّم قروضاً ويستقبل ودائع.
كانت هناك أفكار رائجة، بمعزل عن حقيقتها الفعلية، أن لباس الموظّف لا يكون «مرتّباً» إلا وفق قواعد الأسواق المالية العالمية التي تفرض ارتداء ربطة عنق. ومن الأفكار الرائجة، أن الزبائن الأثرياء يميلون أكثر إلى التعامل مع موظفين يرتدون ربطات عنق، وأن هذا اللباس يحمل ظهوراً أقوى أمام الزبائن من الطبقة المتوسطة والفقيرة انسجاماً مع نظرة المصارف الدونية لهذه الشرائح.
كانت هناك مظاهر واضحة المعالم تترجم نموذج الاقتصاد القائم على القطاع المصرفي. دوره حيوي في استمرارية النموذج وأركانه السياسية. يقوم على استقطاب الثروات من الخارج، وإعادة إقراضها في الداخل، وهو مسؤول عن تمويل حركة استهلاكية هائلة بلغت 19.9 مليار دولار في 2018 لبلد لا يزيد إنتاجه الكلّي في ذلك الوقت على 55 مليار دولار. لكن حين أتى الانهيار في عام 2019، فوجئ الجميع بأن المصارف سرقت أموال المودعين، وأن إفلاسها غير المعلن أدّى إلى انهيار نموذج الاقتصاد السياسي كلّه، ومعه انهيار الليرة وتقلّص حجم الاقتصاد وتفكّك المؤسسات العامة. كان الترابط قوياً بين إدارة النموذج ومحركاته. هكذا وجدت المصارف نفسها أمام تبدّلات جوهرية. لم تعد هي محور دوران الاقتصاد، بل صارت محور الاتهامات بالسطو والسرقة. لم يعد بإمكانها ممارسة أي نوع من العمل، باستثناء إدارة النزاعات مع الزبائن، سواء المودعون المطالبون بأموالهم أو المقترضون الذين يسعون إلى تسديد قروضهم بأدنى سعر. انعكس الأمر على موظفي المصارف الذين كانت تفرض عليهم «أناقة» معيّنة. كانوا يشغلون وظيفة يتمناها الجميع بمزاياها، لكنهم أصبحوا في واجهة النزاعات... هكذا خلعوا ربطات العنق التي كانت إلزامية. صحيح أن المصارف كانت تتصدّر مسار هذه «الموضة» بواسطة ربطات العنق، إنما النمط الاقتصادي كلّه كان قائماً على المسار نفسه. ينطبق الأمر على شركات التأمين والمحاماة والتجارة والخدمات... فمع الانهيار فجأة، اختفت البدلة من المشهد وحلّ محلّها لباس «سبور». لم يعد مستغرباً حضور العاملين في الاجتماعات الرسمية لشركاتهم بـ«الجينز». بل يكاد يكون لبس البدلة وربطة العنق أمراً مستهجناً في يوم عمل عادي. يروي أحد الموظفين في شركة عالمية، أنه سئل من مديره عن سبب ارتداء بدلة رسمية في أحد الاجتماعات: «المدير التنفيذي للشركة يحضر الاجتماعات بثياب عادية. هل كان لديك موعد لمقابلة عمل مع شركة أخرى؟».
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
لا «ثقة» بالمصارف