02-02-2022
محليات
أعادت جريمة اغتيال لقمان سليم الذاكرة إلى سنوات وعقود خلَت، كان لبنان خلالها ساحة لعمليات القتل والاغتيال التي غيّبت العديد من الوجوه المؤثرة السياسية، الدينية، الفكرية والإعلامية. وكانت أسباب كل حادثة تختلف عن الأخرى وإن كانت كلها في سياق واحد، وقد تولّى القضاء اللبناني التحقيق في هذه الجرائم، باستثناء قضية اغتيال الرئيس الحريري والجرائم المتفرّعة عنها التي تولّتها المحكمة الدولية، حيث توصل في بعضها إلى أدلة وأصدر أحكامه تبعاً لذلك، في حين بقيت جرائم أخرى مجهولة أو "مجهلة" الفاعل لنقص في الأدلة أو نتيجة لتدخلات سياسية كانت تحول دون جلاء الحقيقة.
وبحسب دراسة للدولية للمعلومات، فإنّ جرائم الاغتيال ومحاولة الاغتيال التي شهدها لبنان منذ الاستقلال في العام 1943 وحتى اليوم في منتصف شهر شباط 2021، وصل عددها الى 220 اغتيال ومحاولة اغتيال.
وتشير الدراسة إلى أنّ لائحة الاغتيالات شملت 19 صحافياً أو صاحب مؤسسة صحافية، وقد سقطوا بمعظمهم نتيجة الصراعات الإقليمية واتهامهم بالانحياز إلى دولة ضد أخرى لاسيما منهم في الصراع بين سوريا والعراق أو بين العراق وإيران كما سقط بعضهم لأسباب عقائدية، 18 رجل دين من أبرزهم مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد والشيخ تقي حليم تقي الدين، و24 شخصية من بينهم رئيسا جمهورية، و3 رؤساء حكومة وعدد من النواب والوزراء، 39 اغتيالاً لحزبيين وسياسيين غير رسميين، 4 ضباط عسكريين كبار، 4 قضاة، و17 عملية اغتيال طالت ديبلوماسيين عرب وأجانب وأيضاً شخصيات سياسية وحزبية وعسكرية عربية.
صحافيون وقادة رأي
وفي قراءة للأرقام، لا بدّ من الاشارة إلى عدد الاغتيالات التي طالت الصحافيين وأصحاب الفكر والتأثير، ويؤشّر على فاعلية هؤلاء بالتغيير والتوعية، ففي 8 ايار 1958 اغتيل نسيب المتني صاحب جريدة "التليغراف"، ولم تتوصل التحقيقات إلى أي نتيجة، وفي 19 أيلول 1958 قتل الصحافي في صحيفة العمل الكتائبية فؤاد الحداد، ولم يتوصل التحقيق الى نتيجة ايضاً، وفي 16 أيار 1966 اغتيل المفكر والصحافي صاحب جريدة "الحياة" اللبنانية كامل مروّة، وفي 8 تموز 1972 اغتيل الكاتب والمفكر الفلسطيني غسان كنفاني واتُّهمت إسرائيل حينها بقتله، وفي 16 أيار 1976، كان دور رئيس تحرير "لوريان لوجور" إدوار صعب برصاص "قناص لم يُعرَف أبداً من كان، ولا لحساب من كان يصطاد"، خلال توجّهه من الأشرفية الى مكتبه في الحمراء.
وفي 4 آذار 1980، وُجدت جثة صاحب مجلة "الحوادث" الصحافي سليم اللوزي في أحراج بلدة عرمون قرب مواقع للقوات السورية، وفي 23 تموز 1980، أمطر مسلّحون نقيب الصحافة رياض طه بوابل من الرصاص، في مكمن نصبوه له قرب فندق "كونتيننتال" في الروشة، في طريقه من مقر النقابة الى الدوحة لمقابلة رئيس الحكومة المستقيلة سليم الحص.
وفي لائحة الاغتيالات أيضاً، يحي الحزوري (جريدة "اللواء" عضو في حزب البعث العربي الاشتراكي) في 29 آب 1980. رئيس تحرير "الفهرست" سمير عاصم الشيخ في 9 تموز 1985، مع زوجته وولديهما في منزلهم في رأس بيروت. رئيس تحرير "النداء" الكاتب الشيوعي سهيل طويلة في 24 شباط 1986: "خُطف من منزله، بعيد عودته من الجريدة. ووجدت جثته (24 شباط) في محلة النورماندي في بيروت، حيث مكب النفايات الخاص بالعاصمة".
وفي 15 حزيران 1986، اغتيل الصحافي حسن فخر بقذيفة صاروخية أطلقت على سيارته على طريق بشامون- دير قوبل. كما لم يسلم من القتل رئيس تحرير "مجلة بيروت" حسن بزون (22 شباط 1987). الكاتب الشيوعي مهدي عامل (18 ايار 1987). القيادي الشيوعي رئيس تحرير مجلة "الطريق" حسين مروة (17 شباط 1987)، وفي 15 كانون الثاني 1992، اغتيل الكاتب والصحافي مصطفى جحا المعروف بمواقفه المناهضة للنظام السوري و"ولاية الفقيه" بإطلاق مسلحين النار عليه، فيما كان في سيارته قرب منزله في السبتية، وفي 2 حزيران 2005، يوم اغتيل محرّك "انتفاضة الاستقلال 2005" مطلق هذا الشعار، الصحافي في "النهار" سمير قصير، في انفجار داخل سيارته في الأشرفية. واكمل القاتل انتقامه بالنيل من "نسر النهار"، جبران تويني، صباح 12 كانون الأول 2005، في تفجير استهدف سيارته في المنطقة الصناعية في المكلّس.
سياسيون
وإن كان عدد الاغتيالات السياسية كبيراً ولا يمكن تفصيله يمكن الإشارة الى عمليات وقعت بعد الـ2005 لتأثيرها المباشر على واقعنا الحالي، فقد شكل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ورفاقه بوسط بيروت، في 14 شباط 2005، مقدمة لسلسلة اغتيالات لم توفر نوابا ووزراء وإعلاميين لبنانيين.
ولم تخلُ الأعوام اللاحقة لاغتيال الحريري ومحاولات اغتيال المر وحاوي من جرائم أخرى، ونجت الإعلامية مي شدياق من تفجير عبوة مزروعة بسيارتها في 25 أيلول التالي.
وبعد أقل من عام، تعرض رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي السابق المقدّم سمير شحادة لمحاولة اغتيال نجا منها في منطقة الرميلة، جنوب بيروت. ثم اغتيل الوزير السابق بيار الجميل تشرين الثاني 2006، بعد أن أطلق ثلاثة مجهولين النار على سيارته في منطقة الجديدة.
واستمر مسلسل الاغتيالات في عام 2007، حيث اغتيل النائب وليد عيدو بتفجير سيارته في بيروت 10 حزيران 2005، ثم اغتيل النائب الكتائبي أنطوان غانم في 19 تشرين من العام ذاته، في انفجار بواسطة سيارة مفخخة في منطقة سن الفيل. وانتهى عام 2007 مع اغتيال مدير العمليات في الجيش اللبناني العميد فرانسوا الحاج، الذي استُهدف بانفجار ناتج عن سيارة مفخخة انفجرت لدى مرور سيارته وقتل أربعة من مرافقيه. وبعد أقل من شهر وفي 15 كانون الثاني 2008، اغتيل الرائد في قوى الأمن الداخلي وسام عيد. وقتل القيادي في الحزب الديموقراطي اللبناني صالح العريضي بتفجير سيارته في قريته بيصور في 10 ايلول 2008، وفي 19 تشرين الاول2012، اغتيل رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن، في انفجار استهدف موكبه في الأشرفية. وانتهى عام 2013، مع اغتيال الوزير السابق محمد شطح بتفجير استهدف موكبه، لتعود سلسلة الاغتيال السياسي في 2 شباط 2022 مع اغتيال الناشط لقمان سليم.
الفاعل مجهول
واللافت أنّ الفاعل أو المحرّض في معظم عمليات أو محاولات الاغتيال ظلّ مجهولاً ولم تثبت التحقيقات أدلة على تورّطه، لكنّه كان في معظم الأحيان معروفاً ومحدّداً، ويوضح المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية، أنّ "أشكالية النظام القضائي في لبنان تكمن في أن هذا النوع من الجرائم الذي يتناول أمن الدولة يحال إلى المجلس العدلي المسمى مقبرة الأحكام حيث أن التحقيقات أمامه غالبا ما لا تسفر وتكاد تخلو إلا من بضعة استنابات قضائية غير منفذة. بينما إذا وصل التحقيق إلى خواتيمه نرى عموماً أن هيئة المجلس العدلي تعقد الجلسات وتصدر الأحكام ما عدا قضايا معدودة".
استقلال القضاء يجب أن يكون من داخله
ويرى مرقص أنّ "المشكلة في أن التحقيقات العدلية لم تسفر عن نتيجة في عشرات الاغتيالات والتفجيرات ذهب ضحيتها قادة ومدنيون أبرياء وأبرز مثال على ذلك هو ملف اغتيال الرئيس رينيه معوض والزعيم كمال جنبلاط".
ويقول: "يقودنا الأمر إلى التفكير بجدّ في تفعيل سياسة الإفلات من العقاب بقدر الحديث عن استقلال القضاء لأن الذهاب إلى القضاء الدولي له محاذيره السياسية وسلبياته وكلفته الباهظة هو الآخر".
ويشدّد على أن "استقلال القضاء يجب أن يكون من داخله عبر معايير تتمثل في هيكليات وآليات وتشريعات يقرّها مجلس القضاء قبل أن ننتظر قانوناً من المجلس النيابي لا مصلحة لهذا الأخير به طالما هو مؤلف من سياسيين يتدخلون في القضاء".
ويضيف: "وهنا نستذكر حملة الأيادي النظيفة أو البيضاء في إيطاليا mani pulite التي أسفرت عن مكافحة المافيا التي لا بد منها لمحاربة الميليشيات المتغلغلة في السلطة والتي تعوق أعمال القضاء obstruction of justice وتتجاسر عليه وترفض المثول أمامه وهذا هو الأمر الأخطر الذي يعوق ليس العدالة فحسب بل قيام الدولة".
ومع استذكار شريط الاغتيال، تحضر أيضاً محطة "الاغتيال الجماعي" لمواطنين ومقيمين في انفجار مرفأ بيروت، والتي بقيت من دون عقاب ومع محاولات مستمرة لتقويض العدالة.
اليوم يحيي لبنان ذكرى اغتيال الكاتب لقمان سليم، ويرفع الأحرار أصواتهم مجدداً مرددين وسمي الحملة التي أطلقتها "مؤسسة لقمان سليم" للمناسبة الأليمة: # أصواتنا_ أعلى_ من_كواتمهم و #العدل_للضحية_القصاص_للقاتل
أبرز الأخبار