02-11-2021
محليات
الأزمة الدبلوماسية بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي مرشّحة للتصعيد وتنذر بمخاطر جسيمة على لبنان على المستويين الاقتصادي والعلاقات الأخوية مع الدول الشقيقة في ظل الغياب الرسمي المتعمّد، وعجز رئيسَي، الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، عن اتخاذ القرار المناسب للحد من تفاقمها أكثر، في سابقةٍ لم تحصل في تاريخ لبنان وعلاقته بأشقّائه العرب، وخاصة المملكة العربية السعودية.
مصادر متابعة أعربت في اتصالٍ مع "الأنباء" الإلكترونية عن خشيتها من تأثير هذه العزلة على معنويات اللبنانيين، وترك البلد لقمةً سائغةً للمحور الإيراني- السوري، وما يسمّى بمحور الممانعة، مشيرةً إلى أنّ دخول هذا الفريق على خط الدفاع عن وزير الإعلام، جورج قرداحي، زاد من تفاقم الأزمة، إذ كان ينبغي على الرئيسَين عون وميقاتي الاعتذار من السعودية، وإفهام الوزراء في الحكومة أنّ مَن يريد التفرّد باتّخاذ المواقف بمعزلٍ عن قرار الحكومة الجامع يمكن الاستغناء عن خدماته، ولا يجوز ترك الوزراء يتصرفون على سجيّتهم.
الأزمة التي باتت تهدّد بعزل لبنان لا شكّ أنّها ستترك آثاراً سلبية على أكثر من صعيد. وقد رأى الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أنّ انعكاسات المقاطعة لغاية هذه الساعة ما زالت ضعيفة كونها تقتصر فقط على الصادرات، لكنّها قد تزداد خطورة عندما تصل إلى تحويل الأموال، كاشفاً عبر "الأنباء" الإلكترونية أنّ حجم الصادرات إلى السعودية يقدّر بـ250 مليون دولار، فإذا تمّ توسيع المقاطعة على مستوى عالٍ يصبح الحديث عن عدة مليارات من الدولارات، وهذه نقطة أساسية فاللبنانيّون يتّكلون كثيراً على هذه التحاويل، فالكلفة المالية والاقتصادية ستكون عاليةً جداً، لافتاً إلى تقاطع بين السياسة والاقتصاد، وعلى المسؤولين اللبنانيّين أن يحدّدوا إذا كان الاقتصاد بالنسبة لهم أهم من السياسة، ويجب أن يعرفوا ماذا يريدون، وإذا كان العكس فعليهم أن يتحمّلوا النتيجة، فيجب أن تكون هناك مفاضلة بمكان ما، فإمّا الاقتصاد وإمّا السياسة، محذراً مِن أنّ الوضع ليس سهلاً، فاليوم نتحدث عن عدة مئات من الملايين، وإذا توسّعت يمكن أن تصل لعدة مليارات من الدولارات.
وعن تداعيات الأزمة الدبلوماسية على الاقتصاد اللبناني أيضاً، أشار الخبير المالي والاقتصادي، أنطوان فرح، في حديثٍ مع "الأنباء" الإلكترونية إلى أنّ دول الخليج العربي، ومنذ فترة الستينيات، كانت هي السند والحديقة الخلفية في ازدهار لبنان، حيث عشنا حينها حقبة ما كان يعرف بالـ"بترودولار" حين كانت الدولارات تتحول بغزارة إلى لبنان، ومصدرها دول الخليج. وكلنا نعرف أنّ دول الخليج هي أكبر سوق لاستقبال العمالة اللبنانية، وهي السوق الأول لاستيعاب الصادرات اللبنانية، لافتاً إلى أنّ مجموع التحويلات إلى لبنان سنوياً تقدر بـ7،6 مليار دولار، وهناك 35 في المئة منها مصدرها الخليج العربي بما يعادل ملياري دولار في السنة، وكل دولار يؤثّر في حياة اللبنانيين وخاصة في هذه الظروف العصيبة.
أمّا بالنسبة للصادرات، فمِن أصل مليارين وسبعماية مليون دولار حجم الصادرات، هناك 900 مليون دولار حجم الصادرات إلى السوق الخليجي العربي، وبالتالي نسبة 35 في المئة من الصادرات إلى الخليج، ناهيك عن 300 ألف لبناني يعملون في دول الخليج. وهناك استثمارات خليجية في لبنان واستثمارات لبنانية كبيرة موجودة في الخليج بحكم العلاقة اللبنانية التي يزيد عمرها عن 60 سنة، لذلك الخسارة ستكون فادحة، هذا ولم نتطرق بعد إلى إجراءات قد تحصل، مثل وقف التحويلات وغيرها.
في هذه الأثناء، حضرت الأزمة الدبلوماسية في لقاءات الرئيس ميقاتي مع المسؤولين الدوليين في قمة المناخ، وكذلك في نشاط الرئيس عون، إلّا أنّ أي خطوات رسمية لم تتخذ بعد في ظل استبعاد الحديث عن استقالة وزير الإعلام، المطلب الذي يبدو أنه المدخل الأساسي لأي حل، وإن كان ليس هو المطلب الوحيد.
في هذا السياق، اعتبر عضو تكتل الجمهورية القوية، النائب وهبي قاطيشا، أنّ تأخّر الرئيسين عون وميقاتي عن حل الأزمة مردّه إلى العجز عن فكّ الرهان المفروض عليهما من أولياء الأمر لذلك آثرا الاستسلام، مستغرباً هذا الصمت واللّا- مبالاة من قِبلهما، متسائلاً عن مصير الـ300 ألف لبناني الذين يعملون في دول الخليج، وعن سبب بقاء رئيس الحكومة خارج لبنان بوجود أزمةٍ من هذا الحجم.
بدوره، حدّد عضو كتلة المستقبل، النائب نزيه نجم، عبر "الأنباء" الإلكترونية عدة نقاط في معرض تعليقه على مجريات الأمور، وعجز المسؤولين عن الخروج من الأزمة، منطلقاً من مقدمة الدستور التي أكدت أنّ لبنان بلد عربي، وانطلاقاً من ذلك هو عربي الهوى والانتماء، مشدداً على أنّه لا يمكن للّبناني أن يتخلى عن هويته العربية تحت أي ضغط، متوجّهاً بالثناء للرئيس سعد الحريري على تقديم اعتذاره عن تشكيل الحكومة، قائلاً: "لو شكّل الحكومة على طريقة ميقاتي، وبهذا النوع من الوزراء، لوقعت الكارثة، فنشكر الله على اعتذاره"، محذراً مِن أنّ كل يوم تأخير عن الحل يعدّ خطراً على لبنان.