30-11-2018
مقالات مختارة
روزانا بومنصف
روزانا بومنصف
والرسالة كانت لافتة أيضا من حيث المضمون، وشملت مواقف حازمة تذكر لبنان بواجباته انطلاقا من تمسك فرنسا القوي “بالحفاظ على هذا النموذج اللبناني وعلى وحدة وطنكم وسيادته واستقلاله والاستقرار فيه”، فيما لا يزال وطنكم يواجه تحديات جمة.
هذه الواجبات التي تعيد الاعتبار الى جملة أمور تدرجت وفق الآتي: “إن اعتماد لبنان سياسة النأي بالنفس عن النزاعات التي تحيط به، امر جوهري لكي يبقى بمنأى عن التنافس القائم بين القوى الاقليمية”.
وفي الشق العملاني المباشر، أوردت رسالة ماكرون “وجوب إطلاق عجلة الاقتصاد اللبناني، كما أنه من الواجب ايضا ان تسلك الإصلاحات الضرورية طريقها بهدف الاستجابة لحاجات كامل الشعب اللبناني”.
ولا يمكن هذه الرسالة أن تكون أكثر وضوحا لجهة التذكير بالدعم الذي قدمته فرنسا في تحريك الشركاء الدوليين من اجله وتأمين عقد 3 مؤتمرات” على نحو يفهم منها جيدا ان هذا الجهد لا يمكن ان يقابل بالمراوحة التي تجري فيها الامور راهنا في لبنان، ما قد يؤدي الى تضييع ما بذل على هذا السبيل، ويحتّم “تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة في أسرع وقت”.
والرسالة الفرنسية التي صيغت بديبلوماسية فائقة لم تغفل الاشارة الى الدعم الذي تقدمه فرنسا للجيش وتدعيم الامن كما لم تغفل الاشارة الى ان مقاربة موضوع النزوح السوري من جانب لبنان لا ينجح انطلاقا من وجوب أن يبقى معتمدا على المساعدات الدولية المقدمة الى النازحين والى الدول المضيفة لهم ما دامت ظروف العودة الآمنة والطوعية لم تكتمل بعد”.
لكن العناصر التي ضمّنها ماكرون رسالته واضحة جدا في تذكير لبنان الرسمي بأن الجهد الفرنسي، ما لم يلاقه جهد لبناني في المقابل، فإن فرنسا يمكن أن تخسر رهاناتها، وكذلك لبنان عبر التسبب بهذه الخسارة لفرنسا كما لنفسه. وتوجت الرسالة بتمنيات ماكرون “بالتمكن من زيارة لبنان”.
وهي زيارة كان أعلن السفير الفرنسي في لبنان برنار فوشيه انها ستتم بين 11 و14 كانون الثاني من مطلع السنة الجديدة، ما يشير الى ان استمرار تعطيل تأليف الحكومة قد تعرض هذه الزيارة لاحتمال الارجاء مجددا في الوقت الذي لا يود ماكرون بحكم علاقة بلاده فرنسا ان يزور دولا في المنطقة من دون ان يزور لبنان فيما ان العجز عن تأليف الحكومة يثير اشكالية كبيرة في هذا الاطار خصوصا ان تصعيد الضغوط السياسية على رئيس الحكومة المكلف تركت انعكاسات واجه الفريق المحيط بهذا الاخير تحديا كبيرا في لجم تصاعدها سلبيا في الشارع كرد فعل على الحملات الكلامية المجحفة والقاسية ضد الحريري.
وهو امر يثير مخاوف على وضع امني يعتبر حتى الان استقراره احد اهم الايجابيات في الاعوام الاخيرة الماضية ولن يكون من مصلحة لبنان وافرقائه السياسيين الذهاب الى مخاطر من هذا النوع.
والاشكالية نفسها سيثيرها سعي لبنان الى انعقاد القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي وجه لبنان دعوات الى الرؤساء العرب من اجل مشاركتهم في هذه القمة التي تعقد في 20 كانون الثاني المقبل اي بعد ايام من زيارة ماكرون فيما ان الفشل في تأليف الحكومة قد يترك القمة هزيلة بعدما كان ابلغ وزير الخارجية جبران باسيل بوجوب تأليف حكومة سريعا في لبنان قبل القمة المرتقبة وكذلك بالنسبة الى وجوب ان تكون متوازنة.
( لذلك على هامش المواقف العربية ثمة تساؤلات ازاء امكان نجاح لبنان في تأمين مشاركة رؤساء عرب اذا كانت ولادة الحكومة ستحصل من باب احتمال كسر الرئيس المكلف سعد الحريري او على حسابه).
ففي هذا الاطار يتصرف لبنان كما لو انه منعزل عن العالم في السعي وراء مصالح افرقائه على نحو مباشر او بالنيابة عن قوى خارجية ويهملون جوانب مهمة في خضم صراعاتهم على الحصص ما يتوجب عليهم ازاء النظرة اليه كبلد عليه استحقاقات وواجبات يتعين عليه التزامها والقيام بها.
ومن الصعب في ضوء ذلك ان تكون الرسالة الفرنسية موجهة الى رئيس الجمهورية حصرا في هذا السياق على رغم مسؤوليته الكبيرة من موقعه الدستوري الاول بل الى جميع الافرقاء الذين ليس من مصلحتهم جميعا التفريط بالدعم او بالتفهم الفرنسي في شكل خاص بمن فيهم “حزب الله” نظرا الى عدم مجاراة فرنسا الموقف الاميركي ازاء الحزب وترك مساحة للتواصل معه.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار