13-11-2023
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
لوسي بارسخيان
يُمعن وزراء حكومة تصريف الأعمال يومياً في كشف نزعتهم المستمرة لنقل إدارات الدولة من منطق القانون إلى اللّاقانون. وبذريعة «الحاجة التي تبرر الوسيلة» تتكشف يومياً محاولات بعض الوزراء، وخصوصاً المعنيين بالحقائب الخدماتية الأساسية، للتهرب من الرقابة الإدارية والمالية القانونية على تلزيماتهم، عبر تحوير أهداف جلسات المناقصات والمزايدات، وخصوصاً من خلال إسقاط شرطي المنافسة والشفافية اللتين تشكلان الركيزة الأساسية لضمان حماية خزينة الدولة والمصلحة العامة، باذلين كل الجهود لتمرير صفقاتهم بالتراضي، خلافاً للقوانين التي وضعت لتنظيم عمليات البيع والشراء التابعة للإدارة العامة، و»على عينك يا تاجر».
ويبدو أن صفقة البريد التي يصر وزير الإتصالات جوني القرم على «تبليع» الرأي العام بنتائجها، على رغم رفضها مرتين من قبل ديوان المحاسبة، ليست محاولة يتيمة في هذا الإطار. ولدى وزارة الطاقة محاولاتها أيضاً. وآخرها ما كشفته جلسة المناقصة التي أطلقتها في 20 تشرين الأول الماضي، وإنعقدت في 6 و8 تشرين الثاني الجاري، تنفيذاً لعقد مجدد بين وزارة الطاقة والمياه وشركة SOMO يؤمن مادة زيت الوقود الثقيل HSFO وفقاً لآلية عمل موافق عليها سابقاً بين لبنان والعراق.
لم تعط الوزارة سوى مهلة 15 يوماً فقط للمهتمين بالمشاركة في المناقصة لإستكمال ملفاتهم الفنية والمالية. وعندما إنتهت جلسة التلزيم بعرض مالي وحيد مقبول، بعد توفر شرط العرضين لمنح جلسة التلزيم قانونيتها، أصر وزير الطاقة وليد فياض على قبول هذا العرض، على رغم طلب هيئة الشراء العام إيداعها كافة المستندات المتعلقة بهذه الصفقة لمراجعتها، كي تبني توصيتها حول الملف بالإستناد الى وقائعه.
تسلمت هيئة الشراء العام فعلاً هذه المستندات صباح أمس. ومع أن مصادرها أكدت بأنها لا تعطي رأياً بالتعاقد مع عرض وحيد، إحتفظت بحق التدقيق في هذه المستندات ضمن المهلة المعقولة. غير أن إصرار الوزير فياض على تمرير الصفقة، بصرف النظر عن أي رأي رقابي، كشفه كتاب وجهه الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، حاول من خلاله الإلتفاف على توصيات هيئة الشراء العام، حتى قبل أن تنكب على دراسة معطيات الملف الذي بات بين أيديها.
إذ تضمن الكتاب طلباً لرئيس الحكومة، أمل «التوجيه بـالسير قدماً في إجراءات التلزيم» وذلك بذريعة أن «إعادة إطلاق المناقصة يحول دون تحصيل شحنة شهر تشرين الثاني بسبب المهل الزمنية المنصوص عنها في قانون الشراء العام، وبالتالي عدم إستلام شحنتي الغاز أويل وديزل أويل عن اوائل شهر كانون الأول من العام 2023». وفي طلب الوزير ما يؤشر الى معرفته المسبقة بأن «الصفقة» تحمل من العناصر ما يجعلها غير مقبولة من قبل هيئة الشراء العام.
هواجس الوزير قد تبدو في مكانها، خصوصاً أنّ هيئة الشراء العام أبلغته صراحة وفقاً للمعلومات بأنّ «قبول عرض وحيد في مناقصة خفّضت مهلتها في الأساس لا يتفق مع قانون الشراء العام».
ليست وظيفة هيئة الشراء العام بالطبع تغطية «الكسل» أو ربما «فشل» المعنيين بإدارة شؤون البلد في ترقب الحاجات. وهي بالتالي لا يمكنها أن تقبل بصفقات التراضي التي تضع الدولة وخزينتها تحت الأمر الواقع، بذريعة المهل الداهمة. وعليه يتوقع أن تأتي توصيات هيئة الشراء العام متحررة من الضغوط التي حددها وزير الطاقة في كتابه الى رئيس الحكومة، للحث على قبول الصفقة والسير بها. وأبرز هذه الضغوط ما تحدث عنه الكتاب عن كون الكمية المنوي تلزيم إستيرادها «ستكون مخصصة لوزارة الإتصالات، ولزوم مؤسسة كهرباء لبنان، بما يضمن ديمومة تشغيل معامل إنتاج الطاقة، وبالتالي يمنع الوقوع في العتمة الشاملة، التي قد تتسبب بتعطيل مرافق عامة». بالإضافة الى تذرع الوزارة بكون «شركة SOMO حددت موعد تحميل مادة زيت الوقود الثقيل خلال المدى الزمني بين 26 و30 تشرين الثاني».
هذه الذرائع في المقابل، قد تبدو وفقاً لمسار عملية التلزيم، كغطاء لما حملته من شوائب، تطرح علامات إستفهام حول النتيجة التي وصلت إليها، خصوصاً من ناحية قبول عرض وحيد، يحاول وزير الطاقة تأمين الغطاء القانوني له عبر المادة 25 من قانون الشراء العام، حتى لو لم تتوفر في هذه الحالة كافة الشروط التي يحددها القانون لقبول هذا العرض. هذا في مقابل محاولة فياض إظهار العرض المقدم من قبل العارض الوحيد بالمنصف للدولة، من خلال مقارنته بجزء من عرض ثان إستبعد من المناقصة.
فجلسة المناقصة التي إنعقدت مع توفر عرضين أحدهما لـ PETRACO والآخر لـBBENERGY، أظهرت بعد التأكد من توفر كافة المستندات الإدارية ومن بينها وثائق إضافية طلبت من PETRACO تثبت إنطباق أحكام قانون مقاطعة العدو الإسرائيلي عليها (قدمت الشركة إفادة من وزارة الاقتصاد تفيد بأنه يمكن التعامل معها)، أنّ العرض الفني لـ PETRACO لم يكن مكتملاً، وهي قدّمت سعراً لمادة الديزل فقط من دون مادة الغاز أويل، مع أنّ المناقصة تتضمن شراء ثلاث شحنات من الغاز أويل وشحنة من وقود الديزل.
وهي مسألة تثير شكوكاً حول كون مشاركة PETRACO بالمناقصة بمثل العرض الذي قدّمته، لم يكن سوى لتوفير الظروف التي تتيح لـBBENERGY فوزاً سهلاً بالصفقة.
إلا أنّ تدخل هيئة الشراء العام، عبر إيفادها مندوبها لجلسة التلزيم الثانية تحوّل على ما يبدو إلى إزعاج أحبط هذه المحاولة، فاستنجد الوزير برئيس الحكومة، كما يفعل زميله وزير الإتصالات الذي يستعين أيضاً بالسلطة السياسية للتغلّب على السلطة الرقابية. لتبدو السلطتان وكأنهما في كباش، مع أن كليهما يجب أن يتكاملا في تأمين المصلحة العامة.
أخبار ذات صلة