05-11-2023
صحف
|
الديار
يمنى المقداد - الديار
لم تنته فصول تلزيم قطاع البريد في لبنان، ولا تزال الأمور عالقة، والنتيجة فوز مؤقت وغير مؤكد.
رسميا انتهى عقد شركة "ليبان بوست" في 31 أيار 2023، وهي الشركة التي تدير خدمة البريد وملحقاته في لبنان، وكان وزير الاتصالات جوني القرم قد أعلن في بيان سابق عن فائز مؤقت، بعد أن فضّت العروض بتاريخ ١٢/٧/٢٠٢٣، وهو الائتلاف ما بين شركتي Merit Invest و Colis Privé France التابعة لمجموعة CMA CGM، ليعود ويصدر القرار رقم ٤٠٥/ أ تاريخ ١٣/٧/٢٠٢٣ اللازم والمسمّى قرار تجميد استناداً لقانون الشراء العام.
وقد ساد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة جوا من التوتر بين وزير الاتصالات ورئيس هيئة الشراء العام، ولم يبتّ المجلس موضوع تلزيم الفائز المؤقت، وكلّف وزير الاتصالات رفع تقريره النهائي والمفصّل حول الموضوع المطروح تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب.
مسار المزايدات والملاحظات
في حديثه لـ "الديار" حول مسار عملية التلزيم وما الذي أوصل الملف إلى هذه الحالة الحرجة، أوضح وزير الإتصالات جوني القرم أنّه تمّ التجديد لـ "ليبان بوست" 8 مرات خلال 23 سنة، فيما أصبح هذا العقد اليوم مجحفا جدا بحقّ الدولة، وقد تمّ إجراء 3 مزايدات، سحبت خلالها سبع شركات مختلفة دفتر الشروط، ولم تقدّم إلا شركة واحدة منها، وفي المزايدة الثانية والثالثة تقدمت شركتا Merit Invest و Colis Privé France التابعة لمجموعة CMA CGM، متحدثا عن إشكال في دفتر الشروط لناحية عدم وضوح كيفية احتساب حصة الدولة وفق تقرير هيئة الشراء العام الذي طلب إعادة المزايدة و "مشينا مع هذا الطرح وتعاونّا معا"، وحين جرت المزايدة الثالثة لم يرفض الدكتور العليّة في تقريره العرض بشكل صريح كما فعل في المزايدة الثانية، إنّما أعطى بعض الملاحظات التي وافقته عليها وقلت له: كنت أتمنى أن يكون لدينا 10 عارضين مش عارض وحيد"...، لافتا إلى أنّه تبقّى عارض وحيد بعد 3 مزايدات امتدت لسنة، وأعطيت مهلة خمسة أسابيع في المزايدة الأخيرة، فالمادة 12 من قانون الشراء العام تشير الى أنّ المهلة يجب ألا تقل عن 21 يوماً أما نحن فأطلقنا المزايدة قبل خمسة أسابيع وبالتالي طبقنا القانون.
إلى ذلك، كان القرم مؤيّدا لكلّ الطروحات والملاحظات التي تقدّم بها الدكتور العليّة، حسبما قال، منها دراسة جدوى وغيرها، مضيفا أنّ الدكتور العليّة يعلم أنّنا أنجزنا هذا الموضوع مع صفر تكلفة للدولة اللبنانية وللوزارة وبـ "اللحم الحيّ" سواء في ما خصّ الدراسات وتحضير دفتر الشروط والإعلانات... إلخ، وحين رفض ديوان المحاسبة نتيجة هذه المزايدة أرسلنا طلب إعادة إلى ديوان المحاسبة بمساعدة الدكتور العليّة، وكنّا نعمل على "نفس الموجة" وكلّ المراسلات موثّقة على "الواتساب"، وكان كلّ شيء يسير بشكل جيد وهو يعرف كم عانينا بذلك".
علاوة على ذلك، سجلت هيئة الشراء العام ملاحظات أخرى منها أنّ التلزيم لتسع سنوات غير قانوني، وأنّ عائدات الدولة ستتأثر سلبا وأنّ الشركة لا تتوافر فيها شروط إدارة البريد، فيما كشف القرم أنّ مدّة تسع السنوات كانت موجودة في المزايدة الأولى والثانية والثالثة، ونفى أن يكون رئيس الهيئة قد أشار في تقريره إلى أنّ المدّة غير قانونية أو أشار إلى سلبيّة عائدات الدولة التي تبلغ حالياً 5% عن الخدمات البريديّة وسيرفعها التلزيم الجديد إلى 12%، ووفق القرم الشروط متوافرة بحسب تقريري هيئة الشراء العام، كما تمّ تعديل دفتر الشروط من خلال السماح بقبول عارضين مرخّص لهم يقوم نشاطهم الرئيسي على نقل الطرود بالاتفاق مع هيئة الشراء العام، مشدّدا على أنّ الوزارة لم تصر على تلزيم هذه الشركة بل إنّ النتائج أفضت إلى ذلك، لافتا كذلك إلى تقرير ديوان المحاسبة رقم 11 لعام 2021 الذي حدّد 7 توصيات التزمت بها الوزارة كاملة في دفتر الشروط منها زيادة إيجار المبنى في المطار من 600 ألف دولار إلى مليون و200 ألف دولار( فريش)، عدم تقديم مبان حكومية للشركة بالمجان من دون إيجار، أن تكون حصة الدولة بالحد الأدنى 10% فيما أصبحت 12%، وستصبح 12.5% بعد 3 سنوات، و13% بعد 6 سنوات، دفع حصة الدولة عن كامل الخدمات المستحدثة حاليا ومستقبليا بعد أن كانت تدفع في السابق فقط على الخدمات البريدية التقليدية الخاصة بالرسائل، واشترطنا بخصوص ملاحظتهم حول طريقة الدفع أن تدفع الشركة الرابحة سلفا للدولة و"نتحاسب" معها آخر السنة، ولم " نترك أي ملاحظة إلا وأدخلناها في دفتر الشروط"، مستغربا ما حصل.
يشار إلى أنّ بعض الملاحظات في تقرير هيئة الشراء العام والتي ارتكز عليها ديوان المحاسبة، كانت -بحسب القرم- حول عدم التمديد لشركتين كانتا قد تقدمتا بطلب تمديد للمزايدة، معلّلا سبب عدم تمديده لهما بأنّ الشركة الأولى "تراست ترايدينغ ش.م.ل.". لم تقدّم ضمن ائتلاف مع شركة أخرى، أو لديها خبرة بريدية أو طرود كما لم يكن هناك جدية في الملف الذي قدمته، فيما الشركة الثانية "غانا بوست المحدودة" التابعة لوسام عاشور"، فقد سحبت دفتر الشروط 3 مرّات ولم تقدّم، و"حين طلب مني الدكتور العليّة أن اجتمع مع هذه الشركات التي سحبت دفتر الشروط لنرى مدى إمكان تعديله لفسح المجال أمام مشاركة أوسع، اجتمعت مع وسام عاشور وكان من ضمن قائمة الطلبات خفض حصة الدولة من 10 الى 7%، لذلك لم أمدّد".
ماذا تقول هيئة الشراء العام؟
تتوافق سردية رئيس هيئة الشراء العام جان العلية لـ "الديار" إلى حد كبير في تجاوب الوزارة مع ملاحظات الهيئة لكنها تختلف كثيرا في بعض المضامين، مشيرا إلى أنّ الهيئة واكبت الموضوع منذ بدايته العام ٢٠٢٢ لغاية العام الحالي، وساعدت بإيجابية لناحية إقتراح المزيد من التعديلات، وكان الوزير متجاوبا في معظم الأحيان، وشرح أنّه عندما أجريت هذه المناقصة لأول مرة لم يتقدّم أيّ عارض، باستثناء إحدى الشركات التي قدمت عرضها بعد انقضاء المهلة ولم يُقبل، فيما رست المناقصة في المرّة الثانية على عرض وحيد، وأصدرت هيئة الشراء العام تقريرا رقمه 2 لسنة 2023، أعطت بموجبه توصية بعدم التعاقد مع مقدّم العرض الوحيد لأنّ العرض المقدّم لم يكن يطابق أحكام دفتر الشروط، والنقطة الثانية هي أنّ العقد المقترح لا يحقق التوازن المالي أو مصلحة الدولة المالية لأنّ الحصة من الإيرادات كانت تحسب على قاعدة الإيرادات بعد حسم الأعباء منها وليس الإيرادات الصافية كما ورد في تقرير ديوان المحاسبة لعام 2021 ، وتابع أنّ المزايدة الثالثة جرت في شهر تموز 2023 مع تقدم عارض وحيد، وهو نفسه العارض الذي أوصت الهيئة بعدم التعاقد معه بموجب التقرير رقم 2 ، لكنه أشار إلى أنّه بعد التعديلات التي جرت على دفتر الشروط انطبق هذا العرض على أحكام دفتر الشروط، و في مراسلاتنا المتكرّرة والمكرّرة مع الوزارة منذ العام 2021 (تاريخ صدور القرار) كان هناك تبادل ملاحظات وايضاحات بشأنها وكانت الوزارة تتجاوب مع معظم الملاحظات، لكنه لفت إلى أنّ النقاط القانونية التي بقيت عالقة وكانت تتكرّر في كل مراسلة تقريبا بين هيئة الشراء العام والوزارة تتمحور حول عدم وضع قيمة تقديرية انطلاقا منها تفتتح المزايدة، والملاحظة الثانية عدم إعطاء مهل كافية للعارضين لتحضير عروضهم فهيئة الشراء العام تحفظت في كتابها الأخير الى الوزارة حول عدة نقاط أبرزها التعاقد مع العرض الوحيد في ظل عدم منح مهل كافية للعارضين لتحضير عروضهم ما يعني عدم توافر عنصر المنافسة، كما أنّ هيئة الشراء العام تحفظت عن عدم وجود قيمة تقديرية دقيقة لمقارنة سعر العرض المقدّم معها وعلى أنّ العرض المقدم يقترن ببعض التحفظات أي أنه لا يعطي أرقاما نهائية بل أرقاما قد تكون قابلة للتعديل في ضوء الوقائع باعتبارها مرتكزة على تقديرات، وتابع العلية أنّ الملف عرض لاحقا على رقابة ديوان المحاسبة المسبقة ورفض الموافقة عليه، ومن الأسباب كانت ملاحظات هيئة الشراء العام، وطلب الوزير إعادة النظر - وهذا حق معطى له بالقانون- إلّا أنّ ديوان المحاسبة تمسك بقراره السابق مرتكزا على إفادة أو تقرير هيئة الشراء العام وبعد الاستماع الى رئيس الشراء العام ووزير الاتصالات.
ماذا حصل في الجلسة؟
عرض الأمر في الجلسة الأخيرة على مجلس الوزراء ورفض رئيس هيئة الشراء العام جان العليّة المشروع المعروض لعدم توافر شروط التعاقد مع العارض الوحيد، معتبرا أنّه قرار استثنائي جدا جدا، ومحصور بشروط عديدة منها أن تكون الحاجة أساسية وملحة وأن يكون قد جرى الإعلان بشكل واسع عن المناقصة وأن تكون المنافسة قد تأمنت، وأن يكون السعر الذي تقدّم به صاحب العرض الوحيد مفيدا ومنسجما مع القيمة التقديرية، بالمقابل لفت إلى أنّه كان لمعالي الوزير مقاربة أخرى لم تنطلق من التقارير التي قدمتها له هيئة الشراء العام، وإنّما من معطيات متوافرة لديه عبر اتصالات هاتفية وسواها تعزز وجهة نظره بضرورة الموافقة على التلزيم، وختم أنّ الموضوع الآن هو بيد مجلس الوزراء وهو من سيقرّر فيه.
ماذا يقول القانون؟
هل يتيح القانون لمجلس الوزراء الموافقة على التلزيم متجاوزا رفض ديوان المحاسبة له؟
شرح المحامي نجيب فرحات لـ "الديار" أنّه توجد في القانون اللبناني المتعلّق بتنظيم ديوان المحاسبة (المادة 41) ثغرة تسمح بمخالفة قراره وتجاوزه بموجب قرار معلّل من مجلس الوزراء بعد أن يستمع إلى رئيس الديوان، فيما اعتبر ديوان المحاسبة في قرارات صادرة عنه أنّه لا يجوز لمجلس الوزراء إعطاء موافقة خلافا لرأي الديوان إذا كانت مخالِفة للقانون، وإلا يتحمل الوزراء والموظفون الذين وافقوا على ذلك مسؤولية أيّ هدر في الأموال العامة ينجم عن ذلك، واعتبر فرحات أنّ موافقة مجلس الوزراء رغم اعتراض ديوان المحاسبة على هذه الصفقة يكرّس مخالفة للقانون ويلحق الضرر بالمال العام على اعتبار انه كان يمكن للدولة تلزيم مناقصة أفضل، ويمكن لديوان المحاسبة في هذه الحالة أن يتناول برقابته وعقوباته الوزراء الذين وافقوا على هذه الصفقة في مجلس الوزراء بحسب اجتهاده الحديث المؤيّد من مجلس شورى الدولة والذي بات يسمح له بممارسة رقابته على الوزراء من ضمن رقابته على الموظفين والقائمين بالخدمة العامة الذين يتولون ادارة الاموال العامة وكلّ ما يتعلق بها من قبض وصرف وإنفاق.
أخبار ذات صلة