08-09-2023
مقالات مختارة
|
الديار
ابراهيم ناصر الدين
ابراهيم ناصر الدين
في هذا الوقت، وفيما اعلنت مصادر مقربة من المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان انه سيكون في لبنان الاثنين المقبل، من دون مزيد من التفاصيل حول برنامجه المفترض، نقل زوار السفارة الفرنسية معلومات تفيد انه لا يملك بين يديه «خارطة طريق» حول كيفية جمع الفاعلين السياسيين اللبنانيين في أيلول للتوصّل إلى توافق يسمح بإنهاء الشغور الرئاسي المستمرّ منذ حوالى عام، لكنه سيحاول استنباط المخارج بعد لقاءاته مع القوى السياسية. وثمة محطتان اساسيتان تعول عليهما باريس للتقدم فيما تبقى عقبة الاولويات السعودية الاميركية العقبة الرئيسية. المحطة الاولى، تبقى انتظار النتائج الاولية لمباحثات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان حول الملف الللبناني يوم السبت المقبل على هامش قمة العشرين في الهند، وعندئذ «سيبنى على الشيء مقتضاه»، وقد تتغير الكثير من المعطيات ربطا بهذا اللقاء الذي سيحاول من خلاله الرئيس الفرنسي الحصول على تطبيقات عملانية للتصريحات السعودية الايجابية وتحويلها الى وقائع. اما المحطة الثانية، فتبقى لقاء وزراء خارجية دول الخماسية في العشرين من ايلول على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة. اما محليا، فان طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري فكرة حوار الأيام السبعة تمهيداً لجلسات انتخاب مفتوحة، فهو فتح «كوة» جدية، سيستخدمها لودريان خلال زيارته، لمحاولة التقدم، لان التقييم الاولي للفرنسيين كان ايجابيا وهو يطمح لدمجه مع الطرح الفرنسي خصوصا ان مواقف غالبية الكتل النيابية كانت ايجابية.
ووفقا لتلك الاوساط، وان كان الفرنسيون قد عولوا على التطور الايجابي في العلاقة السعودية- الايرانية حيث تتزامن زيارة لودريان مع حصول التبادل الديبلوماسي بين البلدين عقب زيارة وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان الى المملكة منذ اسابيع والتي اعادت انعاش اتفاق بكين. الا ان هذه الايجابية بحاجة الى ترجمة عملية على ارض الواقع، وهو امر لا يبدو متيسرا في هذه المرحلة لان المؤشرات لا تبدو مشجعة لناحية فصل المسار اللبناني عن المسارات الاخرى في المنطقة وهو امر يعقد المهمة الفرنسية خصوصا ان الولايات المتحدة والسعودية مهتمتان بملف اكثر اهمية بالنسبة اليهما يرتبط برزمة تفاهمات امنية وسياسية مقابل التطبيع مع «اسرائيل»، مع العلم ان التوصل إلى اتفاق بين الدولتين ضمن تشكيلة الحكومة الاسرائيلية الحالية يبدو سيناريو مستحيلاً في ظل رفض تقديم اي تنازلات للفلسطينيين، ومنها رفض رزمة مطالب تقدمت بها السلطة الفلسطينية للسعودية في الأسابيع الأخيرة، وهي قائمة تقترح عرضها على «إسرائيل» في إطار المحادثات، ومنها نقل أراض في الضفة التي هي الآن تحت سيطرة «إسرائيل» الكاملة، إلى سيطرة جزئية للفلسطينيين، وتجميد مؤقت للبناء في المستوطنات، وافتتاح قنصلية ثابتة للسعودية لمصلحة العرب في شرقي القدس. ولفتت تلك الاوساط ان المباحثات بين الرياض وواشنطن وصلت الى اتفاق مبدئي على قيام تحالف دفاعي يلزم الولايات المتحدة بالعمل عسكرياً مع السعودية إذا تمت مهاجمتها وعلى اتفاق سيتضمن فقط الالتزام بإعطائها مساعدات أمنية. وبخصوص مطالبة السعودية إقامة مشروع نووي مدني على أراضيها، يبدو أن واشنطن على استعداد للموافقة على ذلك شريطة أن يكون الموقع خاضعاً للرقابة الدولية. وبحسب الفرنسيين، فان رعاية اتفاق تطبيع يبدو الانجاز الوحيد الذي يبحث عنه الرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة قبل الانتخابات الأميركية الرئاسية في تشرين الثاني 2024، ولهذا يعاني الفرنسيون كثيرا في اقناع واشنطن بتزخيم الحلول لبنانيا.
في غضون ذلك، يعقد مجلس الوزراء جلسة يوم الاثنين المقبل للبحث في موجة النزوح السوري الجديدة في حضور قيادات امنية على راسها قائد الجيش العماد جوزاف عون، وقد سقط طرح احالة الملف على اللجنة الوزراية بعد ان بلغت المخاطر حدا غير مسبوق، مع دخول اعداد كبيرة من الشبان وسط مخاوف امنية من انضمامهم الى مجموعات ارهابية خصوصا ان الكثير منهم تم ايواؤهم في المخيمات! وقد اكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال جلسة الحكومة ان «ما يشغل بالنا هو الدفق الجديد من موجات النزوح السوري عبر ممرات غير شرعية. وما يبعث على القلق أن اكثرية النازحبن الجدد من فئة الشباب. وقال «الجيش والقوى الامنية يجهدون مشكورين لمنع قوافل النزوح غير المبرر، والذي يهدد استقلاليتنا الكيانية ويفرض خللا حاداً يضرب، بقصد او بغير قصد، تركيبة الواقع اللبناني. واضاف «سندرس هذا الملف في جلسة خاصة لمجلس الوزراء الاثنين المقبل بمشاركة قائد الجيش وقادة الاجهزة الامنية لان المسؤولية جماعية وتتطلب تعاون الجميع. لكن مصادر وزارية اكدت ان المعضلة الاساسية تبقى لوجستية قبل السياسة، فثمة حاجة الى رفع عديد القوى الامنية على الحدود من 8آلاف الى 40 الفا، وهو امر متعذر وغير متاح. وقد اعلنت قيادة الجيش انه في إطار مكافحة تهريب الأشخاص والتسلل غير الشرعي عبر الحدود البريّة، أحبطت وحدات من الجيش، في تواريخ مختلفة خلال الأسبوع الحالي، محاولة تسلل نحو 1200 سوري عند الحدود اللبنانية السورية». ولاحقا، اعلنت في بيان ثان ان «في إطار مكافحة تهريب الأشخاص والتسلل غير الشرعي، أوقفت وحدة من الجيش في منطقة البقيعة – وادي خالد المواطن (خ. ع.) لتورطه مع آخرين في تهريب أشخاص عبر الحدود البريّة.
من جهته، كشف وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال، عصام شرف الدين، أنّ عدد النازحين السوريين الذين دخلوا عبر المعابر غير الشرعية في شهر آب بلغ 8 آلاف، أما العدد منذ بداية السنة فيتجاوز الـ20 ألفاً. وأشار إلى أنّ «الإمكانات لدى الجيش اللبناني لضبط الحدود ضعيفة»، لافتاً إلى أنّ «عدد العناصر غير كاف وعلى الجانب السوري التعاون لضبط الحدود. وأعلن شرف الدين، في حديث إذاعي، جهوزيته «لأيّ قرار من الدولة اللبنانية لزيارة سوريا»، مؤكداً أن «لا قرار من الحكومة حتى الساعة بذلك». واتهم الحكومة بانها تتصرّف بخجل مع هذا الملف. وطالب «وزير الداخلية بسام مولوي بالتعاون لأخذ القرار بمعاقبة أيّ شخص يأوي نازحاً جديداً دخل خلسة إلى لبنان»، لافتاً إلى أنّه طلب منه «عقد جلسة لمجلس الأمن المركزي لكنّه لم يتجاوب حتى الساعة».
اقتصاديا، اقرت الحكومة اعتماد منصة «بلومبرغ» بديلا لمنصة «صيرفة»، وهو امر يحمل في طياته ايجابيات وسلبيات تحتاج الى وقت كي تتبلور، فوفقا لمصادر اقتصادية فان منصّة «صيرفة» ستكون مغايرة للثانية في كثير من التفاصيل التقنية والعملية، والفارق الأهم الذي تتميَّز به المنصّة الجديدة أنها تخلق سعراً حقيقياً حرّاً لصرف الدولار الأميركي، وعندما يكون السعر حرّاً يعكس واقع الاقتصاد ولهذا ثمة مخاوف من ان يرتفع سعر صرف الدولار الأميركي كانعكاس تلقائي لانطلاق عمل منصّة «بلومبورغ». وبانتظار أن يُصدر مصرف لبنان بياناً يشرح فيه تفاصيل آلية عمل المنصّة وموعد انطلاقها، ثمة ايجابيتان، الاولى عودة الدولار إلى السعر الصحيح الحرّ الذي يعكس واقع الاقتصاد ويوقف التسعير المصطنع... فتعود السوق إلى طبيعتها كما الأسواق الأخرى في العالم. فالسعر الصحيح الحرّ تحدّده عمليات العرض والطلب، أي لن يعود هناك أسعار عديدة مختلفة لسعر صرف الدولار. أما الإيجابية الثانية فتكمن في عودة السوق من الدولار النقدي لدى الصرّافين، إلى القطاع المصرفي وبالتالي التخفيف من اقتصاد الـ «كاش» وبالتالي يُعيد الدولار الأميركي إلى القطاع المصرفي. وفيما اكدت مصادر في مصرف لبنان ان حجم اقتصاد «الكاش» بلغ في العام 2022 نحو 9 مليار دولار، فان اعتماد «بلومبرغ» سيؤدي الى فضح المضاربين على العملة الوطنية. كما سيمنع التهرب من الضرائب وتبييض الاموال.
لكن مصادر اخرى تتخوف من سلبيات قد لا يمكن تجاوزها وتشير الى انه لا معنى للشفافية إذا لم يكن في نية مصرف لبنان التدخّل دفاعاً عن تقلبات سعر الصرف! فوجود سعر صرف عائم لا يعني أن المصرف المركزي يجب الا يتدخل، بل يجب ان يتدخّل في السوق عندما يرى موجباً لذلك. فليس هناك سعر صرف عائم بشكل حرّ بالكامل، إنما هناك حدود لتدخلاته. وهذه الحدود تتطلب أن يكون لدى هذا المصرف قدرة على التدخل، أي أن تكون لديه قدرة للوصول إلى السوق، وأن تكون لديه احتياطات بالعملات الأجنبية تتيح له التدخّل بشكل فعال للسيطرة على التقلبات التي يعتبرها خطرة. فهل يملك «المركزي» الاموال الكافية للقيام بذلك؟ خصوصا انه بإمكان أي جهة في الخارج، أن تتلاعب بسعر الصرف من خلال تقديم عرض للبيع أو طلب للشراء. فالسوق اللبنانية هي سوق مفتوحة ويمكن التلاعب بها بكل سهولة، ولا سيما إذا كان المصرف المركزي يعاني من شحّ في السيولة بالعملة الأجنبية ويعجز عن التدخّل في السوق! ولهذا يبقى التطبيق وشرح الاليات ضروريا قبل الحكم على نجاح المنصة من عدمه...
في هذا الوقت، لا يزال التوتر على حاله في «اسرائيل» في ظل توقعات بتصعيد عسكري مرتقب. وفي هذا السياق، جال رئيس أركان جيش الاحتلال الاسرائيلي الجنرال هرتسي هاليفي على الحدود الجنوبية، تخوفا من التصعيد مع حزب الله. وفيما وصفت وسائل الاعلام الاسرائيلية الجولة «بالمهمة»، لفتت الى ان هاليفي فحص مدى استعداد القوات الاسرائيلية لأي عمليات تصعيد مع حزب الله، ومدى ملاءمة مستودعات الطوارئ في المواقع العسكرية، مستعرضا استعداد المنطقة الشمالية العسكرية للحرب وحالة المخازن العسكرية بشأن سيناريوهات الطوارئ المختلفة. وأجرى رئيس الأركان الإسرائيلي حوارا مطولا مع نحو 20 من قادة الكتائب وكبار قادة الاحتياط في المنطقة الشمالية، مشددا على أهمية الحفاظ على تماسك الجيش الإسرائيلي وجاهزيته لأي سيناريوهات للتصعيد خلال هذه الفترة المقبلة. ووفقا للتسريبات الاسرائيلية ثمة توقعات لتصعيد على أكثر من جبهة، حيث أفاد الموقع الإلكتروني «روتر نت»، أن المنظومة الإسرائيلية الأمنية تجري استعداداتها لتصعيد في عدة ساحات.
في غضون ذلك، اكتملت التحضيرات لزيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى الجبل اليوم، حيث تولت مشيخة الدروز الدعوات من دون تدخل أي طرف آخر. ووفقا لجدول اعمال الجولة، يزور الراعي أولا دارة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى في شانيه، ثم يتوجهان إلى دار المطرانية في بيت الدين، وسيكون في استقبالهما عدد من رؤساء البلديات والمخاتير والكهنة والأهالي وشخصيات سياسية واجتماعية. وفي تمام الثانية عشرة إلا ربعاً، يتوجه الراعي إلى المكتبة الوطنية في بعقلين لإلقاء محاضرة بدعوة من لقاء الشوف الجامع، بعنوان «ثمار المصالحة... وآفاق المستقبل»، يشارك فيها الشيخ أبي المنى. وبعد الغداء في المختارة التي سيتم من خلالها «تثمير المصالحة وتثبيت البقاء»، حيث سيكون الحضور مقتضبا «لأن الدعوة ضيقة»، يرأس الراعي عند الساعة السادسة ولفيف من الكهنة القداس الاحتفالي في مطرانية بيت الدين والذي سيقام لمناسبة عيد سيدة الخلاص شفيعة المطرانية . وقبل المغادرة يتناول الراعي مع الكهنة المعاونين حصرا العشاء الذي يقيمه النائب السابق نعمة طعمة على شرفهم في قصر المير أمين. ووفقا لرئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم، فان زيارة اليوم ليست تكريسا للمصالحة التاريخية التي جرت قبل 22 عاما إنما تثميرها لتثبيت الوجود المسيحي في الجبل والتلاقي مع إخواننا الدروز. وهي ليست المرة الأولى التي يزور فيها الراعي الجبل إذ سبقتها ثلاث زيارات خلال المدة الفاصلة من بينها الزيارة التي رعى في خلالها احتفال العودة الى بلدة بريح عام 2014 في عهد الرئيس الأسبق ميشال سليمان. التلاقي بحسب الأب أبو كسم سيكون على مجموعة مشاريع مشتركة في الجبل من شأنها تشجيع الأهالي على الاستثمارات للحد من الهجرة الداخلية والخارجية.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
إنسحاب مقابل انسحاب والثالث ثابت
مقالات مختارة
“تجميع” أكثرية للحوار لا يمرر مهمة لودريان
أبرز الأخبار