15-08-2023
محليات
|
الجمهورية
المتداول في الأوساط السياسية يدور حول ثلاثة احتمالات؛ الأول، يستبشر خيراً في حوار ايلول، وإمكان ان يأتي بكلمة السرّ التي تفتح باب الطوارئ في النفق الرئاسي المسدود، وتفضي إلى توافق بين المكونات السياسية على انتخاب رئيس للجمهورية كخطوة اولى لإعادة انتظام الحياة السياسية في لبنان. والثاني، نقيض للاحتمال الاول، يقارب المرحلة المقبلة بتشاؤم، ويرى انّ فرص الانفراج منعدمة، ويتوقع مراوحة طويلة الأمد في الوضع السياسي والرئاسي. واما الاحتمال الثالث، فهو انحدار الوضع العام في البلد إلى ما هو أسوأ وأخطر، ربطاً بالتمزّق السياسي والضخ التحريضي السياسي والطائفي، الذي سمّم الأجواء الداخلية ودفع بها إلى ذروة الاحتقان، القابل للانفجار في أي لحظة.
الى المراوحة درّ
السؤال الذي يطرح نفسه امام هذا المشهد: أيّ تلك الاحتمالات الذي سيخضع له المشهد اللبناني في الآتي من الأيام؟
قد يبدو احتمال الانهيار السياسي والأمني هو الأكثر ترجيحاً، ربطاً بما نشهده من خضّات وتوترات سياسية ومحطات سجالية متلاحقة حول اكثر من عنوان، إلّا انّه في الواقع يبدو انّه الاحتمال الأضعف، إذ انّه على الرغم من الصوت العالي المتبادل، والحدّة في الخطاب السياسي الانفعالي في مجمله والعدائي في جوهره، فإنّه ما زال مضبوطاً بكوابح داخلية عاقلة مانعة لانفلاته، وهو ما تجلّى في سلسلة المحطات والحوادث المتتالية التي حصلت، واستبطن كلّ منها شرارة تفجير للوضع الداخلي، وآخرها حادث الكحالة الذي أخمدت ناره إرادة عاقلة، تجاوز معها البلد قطوعاً بالغ الخطورة، كاد يدفع به الى شرّ مستطير.
على انّ الاحتمال الاول الذي يستبشر انفراجاً من الحوار الرئاسي المنتظر في ايلول، لا يعدو بدوره أكثر من تمنّيات مجافية للواقع، ورهان مبالغ فيه، على أن يأتي هذا الحوار مصحوباً بمفاجآت غير محسوبة في أي لحظة، من شأنها أن تُميل الدفّة الرئاسة في اتجاه الحسم الإيجابي للأزمة الرئاسية وانتشال رئيس الجمهورية من تحت الأنقاض السياسية، وخصوصاً انّ «اللجنة الدولية الخماسية» تضع كل ثقلها في هذا الحوار، ولن تترك اللبنانيين يفوّتون فرصة التوافق في ايلول. الّا انّ هذا المنحى التفاؤلي تعاكسه المؤشرات الداخلية، فالسياسة عالقة في مدار التناقض والخلاف العميق حول رئاسة الجمهورية، ولم تشهد ولو خطوة واحدة الى الأمام، بل على العكس من ذلك، ثمة سباق مشهود على امتداد المشهد السياسي، نحو نقطة اللاعودة الى الواقع والتعقّل، ورموز الانقسام الداخلي يرفضون النزول عن شجرة الفجور، وهو الأمر الذي ينعى حوار ايلول نهائياً قبل انعقاده، ويجعل من الزيارة المنتظرة للموفد الرئاسي الفرني جان ايف لودريان إلى بيروت مطلع ايلول المقبل، في احسن الحالات، رحلة تعب وعذاب.
تبعاً لذلك، يبقى الاحتمال الثاني هو المرجّح بقوة، اي المراوحة بلا سقف زمني، التي يبقى معها الملف الرئاسي معلّقاً، ومعه البلد، على حبل التعطيل إلى مديات طويلة، وذلك ريثما تنجلي الصورة الاقليمية والدولية. وفي ضوئها ينطق الخارج بكلمة السرّ التي تُفرج عن رئاسة الجمهورية، وتُلزم المكونات الداخلية بالانصياع لها وانتخاب رئيس.
تفاؤل حذر
على انّ اللافت للانتباه في هذا السياق، هو انّ القراءات التي تلاحقت في الفترة الاخيرة، التي تخوّفت من جهة، من تداعيات التأزّم على خط الاتفاق النووي الايراني، وانعكاساته على مختلف ساحات الاشتباك بين الطرفين، والتي قاربت من جهة ثانية ما سمّته التعثر في مسار الانفراجات التي شهدتها المنطقة قبل اشهر قليلة وخصوصاً على الخط السعودي- الايراني، وأبدت تخوفها من انعكاساتها السلبية على النقاط المشتركة بينهما، من اليمن وصولاً إلى لبنان، قد بدأت تنعطف في اتجاه معاكس لهذا التعثر.
وفي قراءة لهذه التطورات، أبلغت مصادر سياسية مسؤولة الى «الجمهورية» قولها: «انّ الصورة العامة في المنطقة يبدو انّها انتقلت من نطاق التشاؤم الى التفاؤل، وخصوصاً بعد التطورات النوعية التي برزت، بدءاً من الاعلان عن مباشرة العمل في السفارة السعودية في ايران، ثم مباشرة عمل القنصلية السعودية في مشهد، وصولاً الى التطورات الأكثر نوعية والذي تجلّى بالأمس، في الدعوة الرسمية التي وجهّها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى الرئيس الإيراني الشيخ ابراهيم رئيسي لزيارة المملكة. والتي ستسبقها زيارة قريبة لوزير الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان الى المملكة».
واكّدت المصادر انّ «هذا المستجد يعكس بما لا يرقى اليه الشك مستوى عالياً من الايجابيات التي تتبدّى على الخط السعودي- الايراني، التي من شأنها ان تلفح بالتأكيد كل النقاط المشتركة بين البلدين، ولبنان ليس بعيداً عن الجانبين». وقالت: «ما من شك انّ السعودية وايران يُمسك كل منهما بطرف خيط الحل في لبنان. انما ما يعنينا في لبنان، فبالنظر إلى الوضع السياسي وتعقيداته وتشعباته وتعّرجاته، يتوجب ان نبقي الحذر قائماً وعدم التسرّع في القراءات والتقديرات، والإفراط في التفاؤل.
ذلك انّ المدّ والجزر قد يتكرران في اي لحظة، وبالتالي فلننتظر ما سترسو عليه الامور في النهاية».
واما بالنسبة الى الملف النووي، فتؤكّد المصادر انّه خلافاً للسلبيات التي أحاطته في الآونة الاخيرة يبدو انّه يشهد تقدّماً في مكان ما، بدليل الاتفاق المفاجئ بين واشنطن وطهران حول تبادل أسرى.
وفي رأي المصادر «انّ هذا الاتفاق بيدو على جانب كبير من الأهمية، وأهميته الكبرى تُقرأ في الغضب الاسرائيلي من هذا الاتفاق، وهو ما عكسه الإعلام الاسرائيلي».
يُشار في هذا السياق إلى انّ قناة «كان» الاسرائيلية، أشارت بكل وضوح إلى انّ خيبة أمل كبيرة تسود اسرائيل في اعقاب التوصل الى اتفاق تبادل الاسرى بين واشنطن وطهران، والذي يشمل ايضاً بنوداً تتعلق بالأنشطة النووية لطهران وسلوك الميليشيات العاملة في سوريا والعراق.
وأشارت القناة الاسرائيلية الى انّ هذا الاتفاق يسمح بتدفق الأموال إلى خزانة إيران، مع حفاظها على برنامجها النووي. وضمانة عدم مهاجمة منشآتها النووية، لافتة الى انّ ايران التزمت في إطار هذا الاتفاق بعدم تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، فضلاً عن تعهدها بمنع «الميليشيات الشيعية» العاملة في سوريا والعراق من مهاجمة القوات الأميركية هناك.
ونقلت القناة عن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق تامير هايمان، قوله انّ «هذا الاتفاق هو الأكثر سوءاً الذي يمكن أن تحققه الولايات المتحدة». وقد كتب هايمان على حسابه على «تويتر»: «الاتفاق النووي الأصلي الذي توصلت إليه إيران والقوى العظمى في 2015، والذي حاربته حكومة بنيامين نتنياهو في حينه يُعدّ حلماً وردياً مقارنة بالاتفاق الأخير الذي أُعلن عنه بين طهران وواشنطن».
مخاوف
على انّ هذه الإيجابيات، وكما تقول مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية»، «تبقى منظورة ولا يعتدّ بها قبل ان تُترجم مفاعيلها في الساحات المعنية بها. واكثر من ذلك، يُخشى ان تُقابل بمحاولات لتخريبها ونسفها».
المصادر عينها، لا تُخرج العامل الاسرائيلي من سياق هذه المحاولات على اعتبار انّ اسرائيل تعتبر نفسها اكثر المتضررين من تفاهمات المنطقة وكذلك من الاتفاق النووي الايراني، وبالتالي تتصاعد الخشية من إقدام اسرائيل على خطوة ما لزعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وينبغي في هذا السياق التنبّه إلى تكثيف اسرائيل لضرباتها العسكرية في سوريا، كذلك ارتفاع وتيرة التهديد الاسرائيلية بصورة ملحوظة ضدّ لبنان في الآونة الاخيرة، والسيناريوهات التي يعرضها الإعلام الاسرائيلي نقلًا عن مستويات سياسية وخبراء عسكريين اسرائيليين عمّا يسمّونه الحرب الحتمية القادمة مع لبنان.
خوف من المخيم
وعلى خط المخاوف الأخرى، وفيما نجحت الإرادات الطيبة في تنفيس اجواء التوتر الداخلي التي سادت بعد حادث الكحالة، عادت المخاوف لتتزايد من إعادة اشعال نار مخيم عين الحلوة. وهو ما حذّر منه مصدر امني لـ»الجمهورية»، ومردّ ذلك، على حدّ تعبيره، إلى انّ اجواء التوتر عادت لتسود بسبب عدم تسليم المسؤولين عن اغتيال قائد قوّات الأمن الوطنيّ الفلسطينيّ وأحد قيادات حركة «فتح» أبو أشرف العرموشي وعدد من مرافقيه.
وقال المصدر: «الجو مقلق في مخيم عين الحلوة، والوضع ليس جمراً تحت الرماد، بل نار تحت الرماد، وما لم يتمّ تسليم الفاعلين، فإنّ الوضع في المخيم قابل للانفجار في اي لحظة».
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار