ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
"عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بالاستعداد لاستقبال شهر ذي القعدة الذي سيصادف يوم الأحد، وسمي بذي العقدة لأنه يعقد فيه عن القتال، وهو بداية للأشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، بعد شهر رجب، وهذه الأشهر هي أشهر سلام وأمان واطمئنان يحرم فيها البدء بالقتال وإثارة النزاعات والخصومات، ولا بد أن تتوقف إن بدأت.
اعلان
وقد أشار القرآن الكريم أن هذا التشريع كان منذ أن وجدت السماوات والأرض، وهو واكب كل الرسالات السماوية ودعا إلى احترامه واعتبر المس به إثما كبيرا، وأنه يبقى إلى نهاية الحياة في هذا الكون، وذلك قوله: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ..}.
وهذا يدعو إلى الالتزام بحرمة هذه الأشهر، والتي من مزاياها أنها أشهر يتضاعف فيها الثواب والعقاب، ما يدعو الإكثار من الحسنات وترك الهفوات والمعاصي والسيئات".
وأضاف, " لننعم في هذا الشهر وكل الأشهر بكل البركات، أن ننعم فيه بالسلام والاطمئنان، فنبرد فيها نزاعاتنا وخصوماتنا ونفسح المجال لعلاجها وأن نكثر من الأعمال الصالحات ونتوقى فيها من السيئات، لنكون أكثر مسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات".
وتابع, "البداية من لبنان، الذي لا يزال ينتظر ما ستؤول إليه حركة سفراء الدول المؤثرين على الأفرقاء الداخليين، وما يجري من مباحثات في الخارج وآخرها في اجتماع القمة العربية المنعقدة في جدة، وما يصدر عنها، بعدما كفت القوى السياسية التي تملك قرار اللبنانيين عن القيام بالدور المطلوب منها في التوصل إلى معالجة أزمات هذا البلد والتي تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية يتوافق عليه الجميع، والذي ما زلنا نراه الطريق الأسلم لتحقيق ذلك".
وقال: "إن لم يتوافر مثل هذا التوافق فليكشف كل أوراقه وليتم انتخاب رئيس للجمهورية وفق المسار الدستوري وفي أسرع ما يمكن حتى لا يبقى البلد في حال الفراغ والمراوحة، وكفى تلاعبا بمصير هذا البلد وبمصير إنسانه".
واستكمل, "في هذا الوقت، تستمر الأزمات على الصعيد المعيشي والحياتي، حيث تستمر معاناة اللبنانيين، وتترك تأثيراتها على الصعيد الأمني والاستقرار الاجتماعي، وبدلا من أن تقوم الدولة المعنية بمواطنيها بحل أزماتهم هذه أو على الأقل بالتخفيف من وقعها عليهم، تواصل السياسة التي تعتمدها بإفراغ ما تبقى من جيوب اللبنانيين برفع الرسوم والضرائب عليهم وآخرها الدولار الجمركي بذريعة تأمين مواردها، والذي من الطبيعي أنه يسهم في رفع الأسعار".
ولفت فضل الله إلى أن, "كما قلنا سابقا، فإنه من حق الدولة أن تأخذ الضرائب، ولكن عليها أن تكون قد قامت بحساب ما يترتب عليها من مضاعفات لا تطيق أكثرية اللبنانيين تحملها".
وأشار إلى أن, "نتوقف عند الشأن التعليمي الذي بات هاجس اللبنانيين في هذه المرحلة، وحيث باتوا ينوؤون تحت وقع الأقساط التي تفرضها المدارس الخاصة لضمان قدرتها على الاستمرار في أداء دورها التعليمي أو إعطاء الأساتذة حقوقهم، ونحن على هذا الصعيد ندعو المدارس الخاصة إلى أن تأخذ في الاعتبار الوضع الصعب للناس وألا يحملوا اللبنانيين ما لا طاقة لهم على تحمله لضمان تعلم أولادهم".
ونوّه, "بكل المدارس التي حرصت على عدم رفع أقساطها إلا بالحد الأدنى الذي يسمح لها بالاستمرار، في الوقت الذي ندعو إلى العمل سريعا لتأمين عودة المدارس الرسمية للعمل وإزالة كل العوائق التي تقف أمام ذلك لضمان تأمين التعليم لمن ليسوا قادرين على تأمين مقاعد أولادهم في المدارس الخاصة، وأن يكون ذلك من أولويات ما تعمل عليه الدولة".
أما على صعيد الاتهام الذي صدر أخيرا والموجه إلى حاكم المصرف المركزي من قبل القضاء الفرنسي والذي وصل إلى إصدار مذكرة بتوقيفه، قال فضل الله: "إننا وبصرف النظر عن موقفنا من هذا القرار، نشير إلى أن مجرد اتهام الموقع المالي الأول في هذا البلد بمثل هذا الاتهام يسيء إلى سمعة هذا البلد وصورته وصدقيته، وقد تكون له تداعياته ذلك على مصير المعاملات المالية معه، ما يدعو الحكومة إلى الإسراع في معالجة هذا الأمر، وعدم التهرب من تحمل مسؤوليتها وأخذ القرار فيه منعا لكل هذه التداعيات والمخاطر الناجمة عنه".
وأضاف, "نحن هنا في هذا المجال، كنا قد حذرنا مرارا من حالة اللامبالاة التي تجري إن على الصعيد القضائي أو السياسي، وإزاء ما يحدث على صعيد المصرف المركزي أو المصارف، وقد دعونا إلى فتح الباب واسعا لمعالجة الأمر وكشف المرتكبين وأخذ الإجراءات بحقهم للحؤول دون تدخلات تمس بسيادة البلد".
وأردف, "نطل على القمة العربية التي تنعقد في المملكة العربية السعودية في مرحلة يشهد فيها هذا العالم تقاربا عربيا عربيا وعربيا إسلاميا، والذي ظهر في عودة سوريا إلى الجامعة العربية، فإننا نأمل أن يشكل ذلك بداية مرحلة جديدة من مراحل التضامن على الصعيد العربي، وبما يعيد لهذا العالم وحدته وقوته في مواجهة التحديات والتي من الطبيعي أن تكبر وتزداد إن هو قرر البدء عمليا بتعزيز هذا التعاون من كل الذين يريدون لهذا العالم أن يبقى في حالة توتر وانقسام وانعدام وزن".
وأوضح, "أننا نجدد القول أن ما يمتلكه العالم العربي من ثروات، وإمكانات وطاقات بشرية وقدرات وكفاءات وعلمية تؤهله لدور أكبر على المستوى العالمي فيما لو توحدت قواه وطاقاته، ويكف عن أن يضعف بعضه بعضا، وهو ما نأمل في هذه القمة أن تؤسس وتعمل له".
وختم فضل الله, "نتوقف أخيرا في فلسطين التي استطاعت بتضحياتها وصمود شعبها أن تفشل المخطط الذي أراد منه العدو إعادة هيمنته وكسر إرادة شعبها، وأعطى للكيان درسا جديدا أن غزة كما الضفة عصية عليه، وأثبت أنه بمستوى الآمال المعقودة عليه، فهو يراكم الإنجازات تلو الإنجازات في الطريق الطويل للوصول إلى هدفه الكبير في استعادة أرضه التي لا بد من أن يصل إليها ما دامت لديه إرادة الصمود والتحدي والاستعداد للتضحية في هذا الطريق".