13-05-2023
صحف
|
الشرق الاوسط
وبمعزل عن تباين الترقبات الخاصة بالمسار القضائي الدولي، الذي يتوقع كشف الجزء الأساسي من معالمه ومحطاته منتصف الأسبوع المقبل مع تبيان التصرّفات والخلاصات ذات الصلة باستحقاق موعد مثول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمام القاضية الفرنسية أود بوريسي في باريس، يقر مسؤول مصرفي كبير بأن زج القطاع المالي في عنق الزجاجة وكثافة الضغوط التي يتوجب مواجهتها على جبهات متعددة، ينذران بتطورات دراماتيكية جديدة قد يتعذر تلافي أضرارها الجسيمة على واقع الجهاز المصرفي المنهك أساساً ودوره ومستقبله.
ويزيد من ضبابية المشهد المالي، تفاقم الملابسات السياسية والقانونية التي تلاحق ملف انتهاء ولاية رياض سلامة في يوليو (تموز) المقبل، مما يثير هواجس مضافة لا تنحصر بالموقع وحده، بل تتمدّد إلى منظومة إدارة النقد المرتكزة حالياً إلى سلسلة تعاميم تنظيمية واستثنائية صادرة عن الحاكمية، ولا سيما منها ما يتعلق بآليات التحكم بالسيولة واحتياطيات العملات الصعبة لدى المركزي وبإعادة هيكلة رساميل البنوك وأنشطتها والتدخل المباشر في سوق القطع وباعتماد سعر تبادلي لليرة بالدولار النقدي عبر منصة صيرفة وتأمين تدفقات رواتب القطاع العام بالدولار النقدي.
وتفرض هذه التعقيدات المتنامية، وفقاً للمسؤول المصرفي، إعلان ما يشبه حالة طوارئ مالية من قبل الحكومة، مما يتيح لها وبداعي الضرورات التي تحكم مهامها في تصريف الأعمال، الحسم المبكر لاحتمال شغور موقع حاكم «المركزي»، وضمن سياق الحلول القانونية التي تنحصر بخيارين اثنين بعد استبعاد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إمكانية التجديد لسلامة، رغم بقاء هذا الاحتمال وارداً تحت مشروعية «استمرار المرفق العام»، وربطاً باستقالة طوعية بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ويوجب الخيار الأول، تبادر الحكومة، مدعومة بتوافق داخلي كافٍ، إلى تعيين مبكر لحاكم جديد، بما يضمن الانتقال السلس للقرار النقدي، إنما يعد ذلك خطوة غير مرجحة في ظل الفراغ الرئاسي وملابساته. أما الخيار الثاني الذي يمكن ترسيته سريعاً، فهو مشروط أيضا بقبول رئيس مجلس النواب نبيه بري بانتقال المهام والمسؤوليات إلى النائب الأول للحاكم وسيم منصوري. وبذلك يتم الالتزام بما نص عليه قانون النقد والتسليف، في المادة 25، التي تورد صراحة بأنه «في حال شغور منصب الحاكم، يتولى نائب الحاكم الأول مهام الحاكم ريثما يُعيَّن حاكم جديد»، كما ينسجم الأمر مع الأعراف السارية التي تخص حصة الرئاسة في تعيينات حساسة ورئيسية ضمن الفئة الأولى.
وفي الموجبات التقنية التي تستدعي الاستدراك السريع للشغور في هذا الموقع الحيوي، يحمل مصرف لبنان على عاتق ميزانيته الجزء الأكبر من الأعباء المستمرة للأزمتين النقدية والمالية.
ووفقاً لتقرير مصرفي، فإن ميزانية المصرف تظهر بوضوح التراكم السلبي في بنود صافي قيمة الأصول. ففي حين أن الحساب الرأسمالي للمصرف المركزي يبلغ 700 مليون دولار، فقد تم إدخال تعديلات لفروقات التخمين في باب الموجودات بقيمة 35 مليار دولار، وأصول أخرى بقيمة 11 مليار دولار، ما أدى إلى تسجيل صافي قيمة أصول سلبي بمقدار 45 مليار دولار، وذلك دون احتساب الخسائر المحتملة لتسليفات القطاع العام ومحفظة سندات الدين الدولية (اليوروبوندز)، بما يرتب خسائر إجمالية لمصرف لبنان بنحو 63 مليار دولار.
وبالتوازي، يبدي مسؤول مصرفي، في حديث مع «الشرق الأوسط»، مخاوفه من التزامن الاستثنائي للضغوط العامة والمهنية التي تكفل دفع القطاع المالي والأسواق قدماً إلى حالة «عدم اليقين»، التي تشكل مناخات نموذجية لانفلات المضاربات النقدية من جهة، وتشي بتضييق إضافي ومؤلم يصيب القنوات المالية بين لبنان والخارج، بحيث تضطر البنوك المراسلة للجهاز المصرفي إلى اعتماده بذريعة درء المخاطر والاستجابة لموجب التحوط التلقائي، ريثما تنجلي نتائج الملاحقات القضائية المحلية والخارجية. وبالفعل، نبّهت جمعية المصارف من خطورة استمرار بعض النيابات العامة بالادعاء على بعض المصارف بعد تغيير الوصف الجرمي الصحيح من جرم مزعوم «بكتم المعلومات عن القضاء»، وتسميته وتعميمه عن سوء نية بأنه ادعاء بجرم «تبييض الأموال»، وهو وصف غير سليم لا يتناسب مع الواقع.
وتعتبر جمعية المصارف أن التركيز في الوصف الخاطئ في الادعاء على أنه «تبييض أموال»، يؤدي إلى زيادة الضرر اللاحق بالقطاع المصرفي اللبناني منذ بداية الأزمة وتخلّف الدولة اللبنانية عن تسديد ديونها دون أي تنسيق مع الدائنين. وهذا ما يؤدي إلى حمل المصارف الأجنبية المراسلة على وقف التعامل مع المصارف اللبنانية إلى حين صدور حكم براءة عن محاكم الأساس بعد سنوات عدة تكون فيها الشبهة الخاطئة بجرم تبييض الأموال قد أكملت بالإجهاز على القطاع المصرفي. مع التنويه بأن الدولة استعملت الجزء الأكبر من ودائع المودعين الموظفة في البنك المركزي خلافاً للقانون.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار