إضراب جمعية المصارف يكاد يُسابق الحديث عن إرتدادات الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، وموجات الهلع التي خلفتها في لبنان، بعد الهزات المخلتفة التي داهمت أكثر من منطقة لبنانية.
هذا الإضراب غير المسبوق في تاريخ العمل المصرفي في بلد المحن والأزمات، يدخل إسبوعه الثاني وسط تجاهل تام من قبل الحكومة والبنك المركزي، وكأن الأمر لا يعنيهما، لا من قريب ولا من بعيد.
لا رئيس الحكومة إستدعى أصحاب المصارف للتباحث بأسباب الإضراب والملابسات المحيطة به، ولا حاكم المركزي إتخذ أي خطوة للإسراع في إنهاء هذا الإضراب والحد من تداعياته على ما تبقى من العمل المصرفي، وتلبية الحاجات اليومية للمتعاملين مع المصارف، وخاصة بالنسبة لفتح الإعتمادات للسلع الغذائية، وتلبية ما أمكن من طلبات المودعين المغلوبين على أمرهم في إحتجاز أموالهم في المصارف، دون أي مستند قانوني.
ما يتردد عن أن الإضراب سببه صدور بعض الأحكام القضائية بردّ الودائع إلى أصحابها بالفريش دولار، ورفض بعض القضاة بإعادة أموال المودعين المدّعين بالشيكات المصرفية، يؤكد المخاطر الفعلية المحدقة بمصير المليارات من الدولارات العائدة لأصحاب الودائع، والتي مازالت خطط الحكومة المتعثرة تُناور في التهرب من تحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين الذين أعطوا ثقتهم للدولة وللنظام المصرفي، فأودعوا جنى أعمارهم في البنوك، التي إستسهلت إقراضها إلى الدولة والمنظومة السياسية، وذهبت بمعظمها نهباً وهدراً، في أبشع محاصصة عرفها تاريخ لبنان الإستقلالي.
وجاء الإضراب المصرفي الملتبس ليزيد الشكوك والإتهامات بـ«علاقة ما»، بين قرار جمعية المصارف والإضراب القضائي الذي عطّل قصور العدل ستة أشهر ونيّفاً، للحؤول دون صدور القرارات العادلة بحق المودع الحصول على أمواله، أو على الأقل جزءاً منها، لتلبية ضرورات الإستشفاء، أو تسديد قسط جامعي في الخارج، أو حتى تفادي مشاكل العوز والحرمان لعائلات أودعت مدخراتها في المصارف.
والأنكى أن هذا الصمت المريب من البنك المركزي، وما يرافقه من صمت مُطبق من حكومة تصريف الأعمال، شجّع أصحاب المصارف على الذهاب بعيداً في تحدّيهم لحقوق المودعين، حيث باتوا يهددون بوقف العمليات المصرفية الإلكترونية وعبر الصرّاف الآلي، مما سيؤدي إلى قطع العلاقة نهائياً بين المودعين وما تبقى من أموالهم في المصارف!
هل تحوّل المسؤولون المعنيون إلى مجرد شهود زور على الفصول الجديدة في مسرحية المصارف الدراماتيكية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات؟