18-09-2022
محليات
بعد الإنجيل، ألقى عظة قال فيها: "وَصَـــفَ الــمَــســيـــحُ، قَــبْـــلَ أَنْ يَــصِـــلَ إلـــى الآلامِ والــصَّــلْـــب، حَــيـــاةَ الــتَـــلــمــيـــذِ مُــسْــتَــخْـــدِمًـــا صـــورَةَ الــمَــحْــكـــومِ عَــلَــيْـــه، الَّـــذي يَــحْــمِـــلُ صَــلــيــبَـــه. فــمَـــنْ يُـــريـــدُ أَنْ يَــتْــبَـــعَ الــمَــســيـــحَ عَــلَــيْــهِ أَنْ يُــنْــكِـــرَ نَــفْــسَـــهُ، أَيْ أَنْ يَــنْــبُـــذَ جَـــذْرَ كُـــلِّ الأَهْـــواءِ الَّـــذي هُـــوَ الأَنـــانــيـــة، وهَـــذا يَــعــنـــي أَنْ يَــنْــبُـــذَ مَــحَــبَّـــةَ الـــذَّاتِ، ثُـــمَّ أَنْ يَــحْــمِـــلَ صَــلــيــبَـــه، بِـــأَنْ يَـــأْخُـــذَ عــلـــى عـــاتِــقِـــهِ الــجِــهــادَ مِــنْ أَجْــلِ حِـــفْـــظِ وَصـــايــا الـــرَّبِّ وتــطــبــيــقِـهـا. أَنْ أَتْــبَـــعَ الــمَــســيـــحَ يَــعْــنـــي أَنْ أَقْــتَـــدِي بِــحَــيـــاتِـــه، وأَنْ أَتْــبَــعَـــهُ إلـــى جُــلــجُــلَـــةِ الــمَــحَــبَـــة. الــصَّــلــيـــبُ هُـــوَ الــمَــحَــبَّـــةُ الَّـتـــي تُــصــبِـــحُ ذَبــيــحَـــةً لِــكَـــي يَــعــيـــشَ الــعـــالَـــمُ حَــيـــاةً حَــقــيــقــيَّـــة. وفــيــمـــا يَــتَــحَـــرَّرُ الإِنــســـانُ الــمُـــؤمِـــنُ مِـــنْ عِــقـــالاتِ حُـــبِّ الـــذَّات، يَــتَــقَـــدَّمُ فـــي مَــعْـــرِفَـــةِ الــمَــســيـــح، ويَـــرى بِـــوُضـــوحٍ جُــحـــودَ الــعـــالَـــم. يَــعــيـــشُ مَـــأســـاةَ الــكَـــوْنِ شَــخْــصِــيًّـــا، فَــيَــنـــوحُ ويُــصَــلِّـــي مِـــنْ أَجْـــلِ الــعـــالَـــم، ويَــحْــمِـــلُ صَــلــيـــبَ إِخْـــوَتِـــهِ الَّــذيـــنَ لا يَــفــصِــلُــهُـــم عَـــنْ نَــفــسِـــه".
أضاف: "إِنَّ كِــتـــابـــاتِ الــقِـــدِّيــســيـــنَ وسِــيَــرَ حَــيـــاتِــهِـــم تَــصِـــفُ خِــبْـــرَةَ الَّـــذيـــنَ يَــتْــبَــعـــونَ الــمَــســيـــحَ بِـــإِخـــلاصٍ، حَــيْـــثُ نَــتَــبَــيَّـــنُ كَــيْـــفَ يــجِـــبُ عــلـــى الإِنْــســـانِ أَنْ يَـــأخُـــذَ صَــلــيــبَـــهُ ويَــتْــبَـــعَ الــمَــســيـــح. هُــنـــا يَــظْــهَـــرُ أَمْـــرٌ مُــهِـــمٌّ جِـــدًّا. إِنَّ حَــمْـــلَ الــصَّــلــيـــبِ هُـــوَ طَـــريــقَـــةُ حَــيـــاةِ الــمُـــؤمِــنــيـــنَ الــحَــقــيــقــيِّــيـــنَ كُــلِّــهِـــم، بِــغَـــضِّ الــنَّــظَـــرِ عَـــنْ أَنْــمـــاطِ حَــيـــاتِــهِـــم. فَــحَــيـــاةُ الــصَّــلــيـــبِ لَــيْــسَـــتْ حِــكْـــرًا عــلـــى الــكَــهَــنَـــةِ والـــرُهــبــانِ، بَــلْ هِـــيَ سِــمَــةُ كُــلِّ مــؤمــنٍ أكـانَ مِــن أَصْــحـــابِ الــمِــهَـــنِ، أو أَرْبـــابِ الــعــمَــلِ أو الــعُـــمّــالِ، أو مِــمَّــنْ يَــتَــولّــونَ مَــســـؤولِــيَّـــةً ويُــمـــارِســـونَ الــسُّــلْــطَـــةَ فـــي الــمُــجْــتَــمَـــع. وفـــي إنــجــيــلِ الــيــومِ تــأكــيــدٌ مــن الــربِّ يــســوع أنَّ مَــنْ أرادَ أنْ يُــخــلِّــصَ نــفــسَــه يُــهــلِــكُــهــا، ومَــنْ يُــهــلِــكُ نــفــسَــه مــن أجــلِ الــربِّ وإنــجــيــلِــه يُــخــلِّــصُـهــا. فــكــيــف يُــخــلِّــصُ الإنــســانُ نــفــسَــه؟ هــل يــكــونُ الــخــلاصُ بــبــعــضِ الإدعــاءاتِ والــشــعــاراتِ، وبــالإنــتــمــاءِ الــلــفــظــيّ إلــى الــمــسـيــح؟ الــجــوابُ يُــعــطــيــه الــربُّ يــســوع نــفــسُــه عــنــدمــا يــقــول: «مَــنْ أرادَ أنْ يَــتْــبَــعَــنــي فَــلْــيَــكْــفِــرْ بــنــفــسِــه ويَــحْــمِــلْ صــلــيــبَــهُ ويَــتْــبَــعْــنــي». هــذا الــكــلامُ يُــخــيــفُ مــعــظــمَ الــنــاسِ لأنّ حَــمْــلَ الــصــلــيــبِ لــيــسَ أمــراً ســهــلاً. الــطــريــقُ الــســهــلُ لــيــسَ طــريــقَ الــمــسـيــحِ وهــو لــن يُــحــاسِــبَــنــا عــلــى الــنــيّــةِ بــل عــلــى طــريــقــةِ الــحــيــاةِ وهــو الــقــائــلُ: «تــعــالَــوا إلــيّ يــا مُــبــارَكــي أبــي رِثــوا الــمــلــكــوتَ الــمُــعَــدَّ لــكــم مــنــذُ تــأســيــسِ الـعــالــم، لأنــي جِــعْــتُ فـأَطْــعَــمْــتُــمــونــي، عَــطِــشْــتُ فَــسَــقَــيــتُــمــونــي، كــنــتُ غــريــبــاً فــآويــتُــمــونــي، عـُـريــانــاً فَــكَــسَــوْتُــمــونــي، مــريــضــاً فَــزُرْتُــمــونــي، مَــحــبــوســاً فــأتــيــتــم إلـيّ» (مــتـى 25: 34-36). هــكــذا خــاطــبَ اللهُ مَــن حَــمَـلـوا صــلـيــبَـهــم وعــاشــوا حــيـاةَ الــمـحــبـةِ والـبِــرِّ والــعــطــاء. الــمــحــبــةُ لــيــســت فــكــرةً مُــجَــرَّدَةً. الــمــحــبــةُ هــي تَــطــبــيــقُ مــا نــؤمــنُ بــه. يــقــولُ بــولــس الــرســول: «إنْ كــنــتُ أتــكــلَّــمُ بــألــسِــنَــةِ الــنّــاسِ والــمــلائــكــةِ ولــكــن لــيــسَ لــي مــحــبّــةٌ فــقـــد صِــرتُ نُــحــاســاً يَــطِــنُّ أو صُــنــجــاً يَــرِنُّ، وإنْ كــانــت لــي الــنــبــوةُ وكــنـــتُ أعــلَــمُ جــمــيــعَ الأســرارِ والــعِــلـــمَ كُــلَّــه، ولــو كــان لــي الإيــمــانُ كــلُّــه حــتــى أنــقُــلَ الــجــبــالَ ولــم تــكــنْ فـيَّ الــمـحــبَّـةُ فــلــســتُ بــشـيء» (1كو13: 1-2). أمـا الــرســولُ يـعـقــوب فــيــقــول: «كــمـا أنّ الــجــســدَ بــدونِ روحٍ مــيّــتٌ هــكــذا الإيـمـانُ بـدونِ أعــمـالٍ مــيّــت» (يع2: 26)".
وتابع: "حــيــاتُــنــا إذاً هــي مــرآةٌ لإيــمــانِــنــا، ومَــن يــؤمِــنُ أنَّ مَــنْ أرادَ أنْ يُــخــلِّــصَ نــفــسَــه يُــهــلِــكُــهــا، عــلــيــه أنْ يَــمــنَــعَ عــنــهــا كُــلَّ مــا يُــســيءُ إلــى تَــنــقــيَــتِــهــا وخــلاصِــهــا، فــلا تــعــودُ تَــكــتَــرِثُ لــلــمــالِ والــســلــطــةِ والــمــجــدِ وكــلِّ أشــيــاءِ الــعــالــمِ الــفــانــيــة، إذ «مــاذا يَــنــتَــفِــعُ الإنــســانُ لــو رَبِــحَ الــعــالــمَ كــلَّــه وخَــسِــرَ نــفــسَــه» كــمــا سَــمِــعــنــا فــي إنــجــيــلِ الــيــوم؟ ومــاذا يُــعــطــي الإنــســانُ فــداءً عــن نــفــسِــه عــنــدمـا يَــقِـــفُ فــي حــضــرةِ اللهِ يــومَ الــديــنــونــةِ الــرهــيــب؟ هــل يُــقــدِّمُ ثــروتَــه الــطــائــلــة الــتــي لــم يُــحْــسِــنْ اســتِــخــدامَــهــا بــمــا يُــرضــي مَــنْ مَــنَــحَــه إيّــاهــا؟ أم يُــعــطــي مــا جَــمَــعَــه مِــنْ ألــقــابٍ ومــا وصَــلَ إلــيــهِ مِــنْ مــراكــزَ داسَ بــواسِــطــتِــهــا الــفـــقــيــرَ، واضــطــهــدَ الــضــعــيــفَ، ونَــصَّــبَ نــفــسَــه قــاضــيــاً ودَيّــانــاً لــكــثــيــريــن؟ الــمــســيــحُ صُــلِــبَ مِــنْ أجــلِــنــا. مــاتَ لأنّــه أحــبَّــنــا وشــاءَ خــلاصَــنــا. وعــنــدمــا يَــدعــونــا إلــى حَــمْــلِ الــصــلــيــبِ، صــلــيــبِ الــخــطــيــئــةِ، هــو لا يَــدعــونــا إلــى الــعــذابِ بــل إلــى الــحــيــاة، لأنّ مَــنْ داسَ خــطــيــئــتَــه، ومــحــا أنــانــيّــتَــه، وتَــجَــرَّدَ مِــنْ كِــبْــرِيــائِــه وأخــطــائِــه، هــذا يــدخُــلُ فــي الــفــرحِ الــحــقــيــقــيّ، ويُــعــايِــنُ نــورَ الــقــيــامــةِ الــبــهــيّ".
وقال: "لــبــنــانُ يَــســتَــحِــقُّ الــحــيــاة، وشــعــبُــه الــمُــبــدِعُ لا يَــســتَــحِــقُّ مــا هــو فــيــه. لا يَــكــادُ يَــنــقــضــي أســبــوعٌ دونَ أنْ نــســمــعَ بــتَــفَــوُّقِ طــبــيــبٍ لــبــنــانــيّ، أو نــجــاحِ جـــمــعــيــةٍ لــبــنــانــيــة، أو إبــداعِ فَــنّــانٍ أو أديــبٍ لــبــنــانــيّ، أو اكــتــشــافِ بــاحــثٍ لــبــنــانــيّ، أو تَــمَــيُّــزِ مــؤسَّــســةٍ تــربَــويَّــةٍ لــبــنــانــيّــة، أو رِيــادةِ أُخــرى طــبّــيَّــة، أو تــألُّــقِ فــرقــةٍ فــنــيّــةٍ أو ريــاضــيّــةٍ لــبــنــانــيّــة، وآخِــرُ الإبــداعــاتِ الــنــجــاحُ الــكــبــيــرُ الــذي حــقَّــقَــتْــه فِــرقــةُ مَــيّــاس، كــلُّ ذلــك بــجــهــودِ الــلــبــنــانــيــيــن وحــدَهــم الـــذيــنَ يَــفــتَــقــرونَ إلــى الــفُــرَصِ فــي بــلادِهــم، وقــد أظــهـروا أنَّ بــإمــكــانِ الــحُــكَّــام أن يَــســرُقــوا كُــلَّ شــيءٍ مــنــهــم، إلاَّ أحــلامَــهُــم. هــؤلاء الــلــبــنــانــيــيــن الــذيــن يَــدفَــعــونَ ثــمَــنَ أخــطــاءِ حُــكّــامِــهــم وســوءِ إدارتِــهــم وقِــلَّــةِ إحــســاسِــهــم بــالــمــســؤولــيّــة، والــذيــن يُــعــانــون الــيــأسَ والــذُلَّ والــمــرارةَ، فــيــمــا هــم يَــســتــحِــقــون حــيــاةً كــريــمــةً فــي وطــنٍ يــلــيــقُ بــهــم وبــطــمــوحــاتـِــهــم وإبــداعــاتِــهــم، وهــم الــذيــن يــعــطــون صــورةً مــشــرِقَــةً عــن لــبــنــان. الــدولــةُ تُــسْــتَــعــادُ بــالإرادة، إرادةِ الــعــمــلِ والــتــضــحــيــة، بــاحــتــرامِ الــدُســتــورِ وتَــطــبــيــقِــه لا تَــشْــويــهِــه، بــالــنــزاهــةِ والــقــدوةِ الــحَــسَــنَــة، بــالــتَــخــلّـي عــن الــمَــصـالِـحِ، بــالــعــدالــةِ تُــطَــبَّــقُ عـــلــى الــجــمــيــعِ، وهــذا سَــهــلٌ إذا صَــفـَـتْ الــنِــيّــاتُ وانــتَــفَــتْ الــمــصــالِــح".
وختم: "صــلاتُــنــا أن يُــلــهِــمَ الــربُّ الإلــهُ نــوّابَ الــشــعــبِ كــي لا يَــعـــمَــلــوا إلاّ مِــن أجــلِ خــيــرِ الــشــعــب، وأن يَــقــومــوا بــواجِــبــاتِــهــم بــحــســبِ مــا يُــمــلــيــه عــلــيــهــم ضــمــيــرُهــم، وأن يــنــتــخِــبــوا رئــيــســاً لــلــبــلادِ فــي أســرعِ وقــتٍ لــيــتــحــمَّــلَ مــســؤولــيــةَ إخــراجِ الــبــلــدِ مِــن ظــلــمــةِ الــمــوتِ إلــى نــورِ الــحـيـــاة".
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
التيار الوطني الحر والقوات: الخطة "ب" مرهونة بوقتها
مقالات مختارة
غياب الحسيني "أنقذ" ساحة النجمة من "جلسة ذل"
أبرز الأخبار