انتهت يوم الجمعة الماضي مهلة تقديم عروض الشركات الراغبة بدخول مناقصة امتياز تقديم خدمات إنتاج الكهرباء وتوزيعها في منطقة زحلة، من دون أن تتلقى مؤسسة كهرباء لبنان أي عرض من أي شركة، بل ومن دون أن تتقدّم شركة كهرباء زحلة نفسها بعرض للمؤسسة. وهكذا، ستكون نتيجة استدراج العروض الشكلي الإبقاء على الامتياز الممنوح لشركة كهرباء زحلة، عملًا بمبدأ استمراريّة المرفق العام، إلى حين إجراء استدراج عروض آخر ومناقصة فعليّة في المستقبل. وبغياب ما يضمن حصول هذه المناقصة قريبًا، فستكون النتيجة الاستمرار بعقد صفقات وتسويات من وراء الكواليس مع شركة كهرباء زحلة، مع تجديد امتيازها بشكل متكرّر بحجّة تعذّر إجراء المناقصة.
مناقصة شكليّة طلب العليّة إلغاءها
ما جرى يوم الجمعة لم يكن سوى نتيجة مسار هندسته مؤسسة كهرباء لبنان، بما يفضي إلى التمرّد على صلاحيّات هيئة الشراء العام ورئيسها جان العليّة، وبما يسمح بتمرير صفقة تجديد امتياز كهرباء زحلة على هذا النحو. اللعبة بدأت بالتذاكي على قانون الشراء العام، والإعلان عن المناقصة قبل أيام معدودة من دخول هذا القانون حيّز التنفيذ في أواخر الشهر الماضي، للتملّص من إشراك هيئة الشراء العام في عمليّة تدقيق العقود وإبداء الرأي فيها.
ثم لجأت المؤسسة إلى إخفاء دفاتر الشروط والتأخّر في إرسالها إلى هيئة الشراء العام للنشر، بما يحول دون اطلاع الشركات عليها لتقديم العروض، ولم يتم إرسال هذه المستندات إلى هيئة الشراء العام إلا قبل ثلاث أيّام من انتهاء مهلة تقديم العروض. كما لم تعمد المؤسسة إلى تحديد مهلة محددة لفض العروض بعد انقضاء مهلة تقديمها. مع الإشارة إلى أنّ قانون الشراء العام الذي دخل حيّز التنفيذ منذ بداية الشهر، كان يفرض نشر دفاتر الشروط عبر منصّة هيئة الشراء العام، بما يسمح بوضعها بمتناول الشركات الراغبة بتقديم العروض. كما يفرض قانون المناقصة العموميّة كشف موعد فض العروض. ومع التأخّر في الإفصاح عن دفاتر الشروط، لم يعد بإمكان أحد دراستها بما يكفي لإعداد عرض متكامل.
باختصار، كان استدراج العروض أشبه بمسرحيّة تم تصميمها على نحو لا يسمح لأي شركة جديّة بالاشتراك، بما فيها الشركة التي تملك امتياز الإنتاج والتشغيل في الوقت الراهن. ولهذا السبب بالتحديد، راسل رئيس هيئة الشراء العام جان العليّة مؤسسة كهرباء لبنان، موصيًا بإلغاء المناقصة الشكليّة، تمهيدًا لإجراء مناقصة جديّة، بما يسمح لهيئة الشراء العام بالمشاركة في تدقيق دفاتر الشروط وتقييمها، ونشرها بشكل شفّاف لتأمين تساوي الفرص بين العارضين.
التمرّد العوني على العليّة
امتنعت مؤسسة كهرباء عن التجاوب مع طلب جان العليّة، ليأتي الرد من النائب سليم عون، معتبرًا أنّ المناقصة مستمرّة "وفق القانون حتّى تحقق غايتها وهي خفض فاتورة الكهرباء". رد سليم كشف المستور في هذه القضيّة، لجهة دور التيار الوطني الحر وجيش الاستشاريين التابع له في وزارة الطاقة، في قيادة التمرّد الكهربائي ضد جان العليّة، وفي التلاعب بمسار تحضير دفاتر الشروط ونشرها على هذا النحو. مع الإشارة إلى أنّ التيار يملك، فضلًا عن حسابات الصفقات والمصالح والعمولات في قطاع الكهرباء، ثأراً شخصياً من رئيس هيئة الشراء العام جان العليّة، ما يفسّر اندفاعه لتهميش دور العليّة في المناقصة بهذا الشكل.
على أي حال، كان أغرب ما في الموضوع هو اعتبار النائب سليم عون أن مسار هذه المناقصة سيسهم في تخفيض فاتورة الكهرباء، موحيًّا أنّها مناقصة تنافسيّة تتسابق فيها الشركات على تخفيض الفواتير. في حين أنّنا نتحدّث عن مناقصة لم تشترك فيها أي شركة، فيما مثّل مسار إعداد دفاتر شروطها نكتة في عالم الصفقات العموميّة، وخصوصًا لجهة إخفاء دفاتر الشروط والتغاضي عن تقديم الإيضاحات الخاصّة بها.
في كل الحالات، تشير المصادر المتابعة للملف إلى أنّ تمرير دفاتر الشروط قبل أيام من دخول قانون الشراء العام حيّز التنفيذ أخفى منذ البداية رغبة دفينة بالتلاعب في هذا المسار، من خلال تفخيخ دفاتر الشروط أولًا، وتصميمها بما يحول دون مشاركة شركات يمكن أن تنافس جديًّا للحصول على الامتياز. وأيضاً، من خلال تأخير نشر الدفاتر كما حصل لاحقًا، للحد من إمكانيّة دخول منافسين جدد على خط المناقصة. مع الإشارة إلى أنّ ثمّة شركات تقدّمت بالفعل بطلبات للحصول على دفاتر الشروط، إلا أنّ هذه الطلبات لم تُترجم لاحقًا بعروض فعليّة، ما يشير إلى عدم اقتناع الشركات بجديّة المناقصة أو جدواها، أو إلى وجود أفخاخ في دفاتر الشروط منعت الشركات من تقديم عروضها.
في خلاصة الأمر، سينتهي عقد امتياز شركة كهرباء زحلة في آخر هذا العام، وحتّى اللحظة لا يبدو أنّ التيّار الوطني الحر سيدفع وزارة الطاقة باتجاه مناقصة تنافسيّة حقيقيّة، ما يمكن أن يؤمّن أي تحسّن ملحوظ في فواتير كهرباء زحلة في المستقبل. وهنا، يبدو أن التيّار سيكون بين التمديد لشركة كهرباء زحلة بعد عقد ما يمكن عقده من صفقات تحت الطاولة، أو محاولة تمرير مناقصة شكليّة كتلك التي انتهت مهلة تقديم عروضها يوم الجمعة الماضي، لهندسة صفقة جديدة في هذا القطاع. هنا بالتحديد، يمكن فهم تمسّك التيّار الوطني الحر بوزارة الطاقة، حتّى في عز الأزمة وتأزّم أمور القطاع.