None
أقامت مؤسسة فؤاد شهاب ندوة بعنوان "السياسة الخارجية في عهد فؤاد شهاب" في اوديتوريوم فتال في المعهد العالي للأعمال ESA، تحدث فيها كل من الوزير السابق الدكتور ناصيف حتي والصحافي سركيس نعوم والدكتور سيمون كشر.
حضرالندوة وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين، الوزير السابق دميانوس قطار، عضو نقابة المحررين صلاح تقي الدين،أعضاء مؤسسة فؤاد شهاب ومن مختلف القطاعات.
استهلت الندوة بالنشيد الوطني، فكلمة ترحيب لمدير المعهد العالي للأعمال مكسانس ديالت. ثم تحدث رئيس المؤسسة الوزير السابق عادل حميه الذي رحب بالحضور وشدد على أهمية الموضوع في هذا الوقت.
كشر
وتحدث عضو الهيئة الإدارية في المؤسسة الدكتور سيمون كشر عن تجربة الرئيس شهاب في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وقال:"أن الرئيس شهاب إتخذ قرارا منذ بداية عهده بأن السياسة الخارجية جزء لا يتجزأ من الوحدة الوطنية وبضرورة أن تحمي السياسة الخارجية الوحدة الوطنية والعكس. وأنه من أجل الحصول على ضمانة المجتمع اللبناني، يجب ألا يكون لبنان جزءا من صراعات إقليمية".
وتابع:" أن الرئيس شهاب كان يعتبر أن دور لبنان في العالم، لا سيما في جامعة الدول العربية، يقوم على دعم القضايا العربية دون الانزلاق إلى الانحياز إلى طرف ضد آخر، لأن لبنان الذي هو مجموعة حضارات متوائمة، محكوم عليها بالحياد، حياد لا يجب أن يكون أيديولوجيا بمعنى أنه حكم على سياسة ضد أخرى، بل حياد عملي واقعي".
ثم تحدث كشر عن لقاء "الخيمة الشهير" بين الرئيس شهاب والرئيس عبد الناصر، وكيف تترجم حرص الرئيس شهاب الكبير على سيادة لبنان وإستقلاله من خلال هذا اللقاء، الذي أعاد لبنان الى موقعه الذي يهيئه له مركزه: لعب دور الوسيط القادر على العمل لجمع العقد العربي والمساهمة في خدمة القضايا العربية".
وختم كشر :"إذا اردنا اليوم إتباع سياسة خارجية متزنة وسيادية، فيتطلب ذلك الإيمان بنهائية كيان لبنان، كما فعل الرئيس شهاب.
حتي
ثم كانت كلمة الوزير السابق ناصيف حتي الذي أكد "أن الرئيس شهاب بدأ في بناء دولة المؤسسات وفي تعزيز دور هذه المؤسسات في صنع وإدارة السياسة في لبنان، ومنها السياسة الخارجية. وهو فهم موقع لبنان وتوازنات القوى في المنطقة، وعمل على هذا الأساس. خير مثال على ذلك، إجتماع الخيمة الشهير مع الرئيس عبد الناصر".
ثم تحدث عن لعنة الجغرافية السياسية للبنان التي تجذب كافة أنواع التدخلات بسبب موقع لبنان وإنكشافه السياسي والإجتماعي. وأشار الى "أن التركيبة المجتمعية اللبنانية من طائفية سياسية ومذهبيّة سياسية، تساعد في فتح الأبواب أمام التدخلا"ت.
وذكر "أن مجمل خلافاتنا وصراعاتنا الداخلية سببها علاقاتنا وإصطفافاتنا المختلفة مع الخارج". وأشار ب"أسف أن لبنان يقوم بوظيفة صندوق البريد للآخرين وهو ساحة لصراعاتهم".
وتكلم عن "القدرية السياسية لدى المكونات السياسية اللبنانية التي تنظر دائما الى الخارج للبحث عن حلول. بينما مصلحة لبنان أمام التحديات المتعلقة بالمنطقة - وهي مفاوضات فيينا وما قد تؤدي اليه وإنعكاسات ذلك على المنطقة. المحادثات الإستكشافية السعودية الإيرانية وعودة التطبيع التدريجي بين بعض الدول العربية وسوريا، وهي متغيرات أساسيّة بالمنطقة - فهي العمل لبلورة سياسة "حياد إيجابي ناشط". فلبنان دولة عربية، مؤسسة لجامعة الدول العربية وعليه إلتزامات تجاه العرب. لا بديل له عن ذلك".
وأكد حتي "أن الحياد السياسي الإيجابي يجب أن يكون ناشطا، وهذه مصلحة الدول الصغيرة التي عليها أن تلعب دور الإطفائي وباني الجسور لأن ذلك يحمي الدولة ويعزز أمنها الوطني والمجتمعي. وأعطى لذلك مثل دولة عُمان. وبرأيه فان لبنان قادر على القيام بهذا الدور، ويجب عليه أن يقوم به، ولكن ذلك يتطلب إعتماد منطق الدولة وحكم المؤسسات ولا البقاء في واقع فديرالية المذاهب القائم حاليا".
نعوم
الكلمة الأخيرة كانت للصحافي سركيس نعوم الذي قال:"لا يمكن لأي كان ألا يعجب بالرئيس شهاب وسياسته وتوجهاته وزهده بالسلطة الذي تترجم برفضه الرئاسة عام 1952 ورفضه التجديد عام 1964 إحتراما للدستور ولنظام لبنان الديموقراطي كونه عسكريا. كما يجب إحترام إستنتاجاته الواضحة والدقيقة عام 1970 عندما رفض أيضا الترشح للرئاسة مجددا معللا ذلك بعدم جهوزية البلاد واللبنانيين للتغيير والتطور المطلوب للنظام السياسي".
أضاف: "في شبابي كطالب جامعي ثم صحافي في جريدة النهار كنت متأثرا بتوجه الجريدة لإنتقاد الشهابية بشكل دائم. لكن اليوم أقول أننا إذا قارننا بين الرئيس شهاب ومن جاء بعده، نستنتج أن الرئيس شهاب كان الرئيس النموذج للبنان، فهو قام بإنجازات هائلة. لكنه إحتجب عن القيام بأشياء إضافية كان لبنان بحاجة اليها، وله أسبابه في ذلك وقناعاته وتبريراته وفهمه للواقع اللبناني غير الجاهز لهذا التغيير بسبب الغرائز الطائفية".
وذكر نعّوم أن من أهم إنجازات الرئيس شهاب على صعيد السياسة الخارجية كان لقاء الخيمة على الحدود مع الرئيس عبد الناصر الذي رضي به عبد الناصر بسبب إحترامه لشخصية الرئيس شهاب، والذي مكن من خلاله الرئيس اللبناني سيادة وإستقلال لبنان. وقد أمن ذلك الإستقرار للبنان وسمح للرئيس شهاب بالتركيز على الإصلاحات وبناء مؤسسات الدولة.
وأضاف:" أن صفات الرئيس شهاب ومناعته تجاه إغراءات السلطة شكلت حالة مميزة في الحياة السياسية اللبنانية. فكان همه الوحيد خدمة الشأن العام والمواطن اللبناني وبناء المؤسسات، من دون أي رغبة بالإستفادة الشخصية.
كما ذكر علاقة الرئيس شهاب المميزة بالرئيس شارل دي غول، وكيف إتبع المنهجية الغربية عندما إختار تكليف بعثة إيرفد الأجنبية، التي رأسها الأب الفرنسي لو بري، لإجراء الدراسات الشاملة عن واقع لبنان وإمكانياته وحاجاته، قبل البدء ببناء المؤسسات العامة والإصلاحات الإدارية المطلوبة لدولة عصرية.
وأضاف: "الرئيس شهاب نجح ببناء المؤسسات وتفعيلها في عهده، لكن المسيحيين لم يكونوا داعمين له وخلفه لم يتمكن من المتابعة في مسار الإصلاحات وتفعيل المؤسسات، وقد سهلت الأجواء قيام الحلف الثلاثي للأقطاب المسيحيين المناهض للشهابية. ثم جاء عهد مناهض للشهابية عام 1970، الذي إرتكب خطأ كبيرا بإلغاء جهاز المخابرات الشهابي القوي والمنتقد. كان يجب تصحيح عمل هذا الجهاز الأساسي بدل تفكيكه، لأن تفكيكه أضعف لبنان وجعله مشرعا لنشاطات الأجهزة الخارجية وتدخلاتها وصراعاتها داخل لبنان بحرية كبيرة".
وأكد نعوم "أن فؤاد شهاب لم يكن طائفيا، ولم يكن ناكرا لعروبة لبنان. كما لم تكن عنده ثقة بالطبقة السياسية اللبنانية "أكلة الجبنة" المستغلة للمواقع والنفوذ على حساب الدولة ومصلحتها العلية. ولم يستجب الرئيس شهاب لدعوات الرئيس دي غول لزيارة لفرنسا، لكي لا يضطر الى زيارة مصر في المقابل ودول أخرى. فضل عدم تلبية أي من هذه الدعوات، لكي يتجنب أن يقال أن لبنان منحاز الى طرف خارجي أو آخر. وكان ذلك تسجيدا لسياسته الخارجية الحكيمة، وحرصه الشديد وحمايته لموقع لبنان الحيادي وسيادته التامة".
وختم نعوم : "لا يمكن إلا تقديم كل الإحترام للرئيس شهاب وسياسته الخادمة لمصلحة لبنان وتدريس نهج حكمه للأجيال القادمة، وإستخلاص من ذلك أن الخارج لا يمكن أن يساعد لبنان إلا لفترات موقتة وضمن مصالح الخارج وليس بصورة كاملة (كإتفاق الطائف ورعاية سوريا له)، والداخل لا يمكن أن ينجح بإنتاج الحلول الحقيقية ما دام منقسما على أسس طائفية ومذهبية. نحن بحاجة اليوم الى فؤاد شهاب ثان، ولكن ليس بالضروري أن يكون عسكريا بل من الأفضل أن يكون مدنيا، وأن يدرس ما قام به الرئيس شهاب من إنجازات، ويتمعن بحكمته وزهده بالحكم وإبتعاده عن المصالح الخاصة، وهو من عرف ب"ناسك صربا". حظنا كان سيئا إذ لم تسمح الظروف القاهرة للرئيس سركيس، الذي كان تلميذا للرئيس شهاب، من تكملة ما بدأه الرئيس شهاب".
تلا ذلك حوار بين المتكلمين والحضور ليصار بعد ذلك إلى إنتهاء الندوة، حيث بلغ حميه تحيات رئيس المؤسسة الفخري اللواء الركن أحمد الحاج لجميع الحضور، وقدم بإسمه للصحافي سركيس نعوم درعا.