13-10-2020
مقالات مختارة
راجانا حمية
راجانا حمية
تقفل أبواب معظم الصيدليات، اليوم، التزاماً بقرار الإضراب التحذيري الذي أعلنه تجمع أصحاب الصيدليات. لم يكن ثمة خيار آخر أمام الصيدليات لمواجهة الكارثة التي تهددهم والمواطنين، خصوصاً في ظل شحّ الدواء. المسبب الأول لتلك الكارثة، برأي هؤلاء، هو تهويل حاكم مصرف لبنان برفع الدعم عن الدواء، والذي شرّع الباب أمام فوضى في سوق الدواء، «أبطالها» بعض تجار الأدوية وأصحاب بعض المستودعات وبعض الصيدليات التي استغلت الأمر للتجارة بالدواء
قبل نحو ثلاثة أشهر، قام عدد من الصيادلة بأول «انتفاضة» على ما آلت إليه أوضاعهم في ظل تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار، ما تسبّب في إقفال حوالى 200 صيدلية أبوابها نهائياً. يومها، كانت «الجعالة» سبب الانتفاضة، بعدما فاقت مدفوعات الصيادلة - المسعّرة بعملة السوق السوداء - مبيعاتهم التي لا تزال تصرّف على أساس السعر الرسمي. يومها ، لم تحصّل الدعوة إجماعاً، وبقيت محصورة بعددٍ ضئيلٍ من الصيادلة.
اليوم، يستعد هؤلاء لانتفاضة أخرى. هذه المرة، كانت الدعوة شاملة والأسباب أكثر من مجرّد جعالة، على أن تتبع «هذه الخطوة الأولى التحذيرية خطوات تصعيدية في حال استمرار المنحنى الانحداري على ما هو عليه»، بحسب البيان الصادر، أمس، عن تجمع أصحاب الصيدليات. ولئن لم يكن هذا التجمع يحمل في الصباح سوى توقيع صيادلة «ندوة الصيادلة في حزب الكتائب»، سرعان ما بات بياناً جامعاً مع انضمام «مصالح» الصيادلة في عددٍ من الأحزاب والمناطق. هكذا، وبعد ساعات من انتشار بيان الندوة، أعلنت هيئة الصيادلة في التيار الوطني الحر وتيار المستقبل والتجمع الوطني الديمقراطي والجمعية الإسلامية للصيادلة تأييدها للإضراب التحذيري، وإن تفاوتت «ساعات» التحذير في ما بينهم. ففيما دعت الندوة إلى إقفال اليوم بكامله، دعا الآخرون، ومنهم الجمعية الإسلامية، إلى الإقفال 4 ساعاتٍ كحدّ أقصى.
هذا أمرّ الخيارات للصيادلة، إذ يصبّ في غير خدمة المواطنين، إلا أن الأسباب التي اجتمعت مؤخراً، جعلت من الصعب التفكير في خيارات أقل «عدائية». صحيح أن الجعالة لا تزال ضمن الأسباب، إلا أن ما أضيف إليها كان «سبب وصولنا إلى هنا»، يقول صاحب الدعوة، رئيس ندوة الصيادلة في الكتائب، جو سلّوم. وبحسب سلوم، يقف على رأس تلك القائمة «ثالوث» الدولة - مصرف لبنان - نقابة مستوردي الأدوية. هذه الأذرع الثلاث، بحسب سلوم، هي «التي أذلّت المواطن وجعلت صيدلياتنا خالية من الدواء».
مع ذلك، ليست المسؤوليات هنا متساوية؛ فما تحمله الدولة من مسؤولية، بحسب الصيادلة أنفسهم، يكاد ينحصر بوقوفها متفرجة من دون استخدام صلاحياتها. وهذا لا يمكن أن يقارن بما فعله حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في بضعة أشهر، وما تبعه فيه مستوردو الدواء ومصانع الأدوية في لبنان. فقد فعل سلامة في الشهرين المنصرمين ما لم تفعله الأزمة المالية المستمرة منذ نحو عام، إذ إن تصريحاته المتتالية عن إمكانية رفع الدعم عن الدواء لعدم توافر دولار الاستيراد انعكس هلعاً بين المواطنين الذين بدأوا بالتهافت على شراء الأدوية وتخزينها خوفاً من انقطاعها أو غلاء أسعارها، وترافق ذلك مع اتباع نقابة المستوردين نهجاً جديداً في التوزيع، كان أشدّ قساوة من... تقنين التيار الكهربائي. وهنا، يشكو الصيادلة من فرض المستوردين عليهم الدفع «كاش» مقابل الحصول على الدواء. مع ذلك، يؤكد سلوم أن مشكلة «الكاش» لا تكاد تذكر في ظل «الاستنسابية التي يتعاطى بها المستوردون، ما يعزّز قبضة الصيدليات الكبرى على تلك الصغيرة»، إضافة إلى «التأخير في تسليم الدواء. ففيما كنا نتسلم الدواء في اليوم التالي من طلبه، بات اليوم يحتاج إلى أسبوع كامل». أضف إلى ذلك أن سياسة التقنين وصلت إلى حد «تسليمنا الدواء على أساس معطيات العام الماضي، أي على أساس ما كنا نتسلمه في حينه»، على ما يقول حمود الموسوي، رئيس الجمعية الإسلامية للصيدلة.
قد يتفهّم الصيادلة حجة نقابة مستوردي الأدوية لاعتماد خيار التقنين في إطار الحفاظ على المخزون، إلا أن ما لا يفهمونه هو «الاستنسابية في التعاطي». ففي وقت تتسلم فيه صيدلية عادية «3 علب بانادول، تتسلّم صيدلية أخرى 6 صناديق»، وفق ما يقوله الصيدلي علي عز الدين. لا يرى الصيادلة تفسيراً لذلك سوى «تواطؤ» أصحاب الشركات مع بعض الموزعين الكبار وأصحاب المستودعات والصيدليات - المافيا، «وهي شبكة تعمل على خط تهريب الدواء إلى الخارج بعدما بات رخيصاً جداً». أضف إلى ذلك، يتحدث بعض الصيادلة عن «أصحاب مستودعات وصيدليات كبيرة نشطوا مؤخراً في إرسال بعض الأشخاص للملمة أدوية من الصيدليات».
«ثالوث» الدولة - مصرف لبنان - المستوردين وراء أزمة انقطاع الدواء
صحيح أن هذه الاتهامات لا أدلة موثقة عليها، ولكن يمكن الركون هنا إلى نقاشات لجنة الصحة النيابية التي تحدث رئيسها عاصم عراجي عن حركة تهريب نشطة «على خط العراق وليبيا وحتى سوريا». صحيح أن هذه النقاشات لم ترق إلى مستوى التحقيق، إلا أن ما يؤرق اللجنة هو الإجابة عن سؤال: أين ذهبت الأدوية إذا كان مصرف لبنان قد صرف هذا العام مبلغ 775 مليون دولار للاستيراد؟ وهي كمية «أقل من العام الماضي بـ10% فقط». أين ذهبت؟ لا يجد عراجي سوى أحد أمرين: «إما مخزّن أو عم يتهرّب»، ولا خيار ثالثاً. والضالعون كثر، من المستوردين، إلى أصحاب المستودعات، إلى مصانع الدواء الوطنية التي استغلت سماح وزارة الصحة لها بتصدير الدواء لأغراض تجارية، إلى بعض الصيادلة. وفي النقطة الأخيرة، أوقفت وزارة الصحة العامة، أمس، صيدليتين بوظيفة مزدوجة: شراء الأدوية وتخزينها تمهيداً لتهريبها؛ الأولى، على ما يقول وزير الصحة حمد حسن، اشترت «كمية كبيرة من علب الدواء لعلاج السرطان بسعر مدعوم وتقوم ببيعه للخارج»، والثانية «اشترت 120 صندوقاً من الأمصال وتبيعها بالجملة، وهو أمر ممنوع، لأنه وفق القوانين يجب بيع المصل للعموم».
حلقة معقدة... برعاية مصرف لبنان وحماية التجار وقع ضحيتها المواطنون والصيدليات التي لا تدخل في نطاق المافيا. وهذه مسؤولية تحملها الدولة، التي لم تقم بالصلاحيات التي يمنحها إياها القانون لجهة فرض رقابتها على «كل معني بملف الدواء»، على ما يقول رئيس الهيئة الوطنية الصحية، الدكتور إسماعيل سكرية. لم تتنبه هذه الأخيرة، ممثلة بوزارة الصحة العامة، لصلاحياتها، إلا عندما «وقعت البقرة»، يختم سكرية.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار