07-10-2019
مقالات مختارة
جوني منير
جوني منير
ولا شك في أنّ بومبيو، عندما رَدّد مرتين كلمة «الكثير» عند كلامه على التغيير، فإنما كان يؤشّر الى أوضاع سياسية جديدة تؤسس لمرحلة جديدة مختلفة عن المراحل السابقة.
ولا شك في أنّ التغيير الذي تحدث عنه يعتمد على المحطات الساخنة، بل الملتهبة مدخلاً له، وأنّ الحضور العسكري والأمني الاميركي حاضر للدفع في هذا الاتجاه.
في 25 حزيران الماضي أقرّت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي اقتراح قانون تقدّم به عضوان من المجلس، هما: الديموقراطي عن ولاية نيوجرسي روبرت مينديز، والجمهوري عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو.
ويؤكد مشروع القانون على إقامة تحالف اقتصادي وأمني بين الولايات المتحدة الاميركية ومثلّث اليونان وقبرص واسرائيل، للدفاع المشترك بينهم في مجال الغاز والبترول في منطقة شرق البحر الابيض المتوسط، على أن تعلن واشنطن إنشاء مركز متخصّص للتعاون في مجال الطاقة بين البلدان الاربعة.
ووصل الاقتراح الى مجلس الشيوخ، وأيضاً الى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الاميركي، تمهيداً لاقراره واحالته الى التصويت في مجلس النواب.
وهذا يعني بكل بساطة السماح للرئيس الاميركي باستعمال القوة العسكرية لحماية مصالح هذا التحالف من دون العودة الى الكونغرس الاميركي، والأهمّ أنّ مشروع القرار الصادر في الأساس عن الحزبين الاميركيين، يؤشّر الى وجود جهود كبيرة للوبي اليهودي للدفع به وإقراره.
صحيح انّ لبنان غير مذكور في مشروع القانون، لكن من المنطقي الاستنتاج أنه سيتأثر بشكل كبير بالمفاعيل التطبيقية لهذا القرار، خصوصاً أنه أصبح شريكاً في الاحتياط الهائل للغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط. ومشروع القانون الاميركي يُظهر مدى الاهتمام الاميركي في الإمساك بمخزونات الغاز المكتشفة.
عام 1989، وتحديداً عندما هدم جدار برلين إيذاناً بسقوط مرحلة الانقسام العالمي بين موسكو وواشنطن وبدء مرحلة عالمية جديدة قيادتها في يد الولايات المتحدة الاميركية، أنشأت واشنطن مجموعة جديدة من القواعد العسكرية عددها 35، في إطار تثبيت النفوذ الاميركي على كامل أصقاع الارض، خصوصاً حول النقاط التي تعتبرها حيوية واستراتيجية.
ووفق مصادر معنية ومتابعة فإنّ للجيش الاميركي حوالى 800 قاعدة عسكرية منتشرة في 130 بلداً، وفي الشرق الاوسط هنالك ما بين 60 الى 70 ألف جندي أميركي منتشرين في قواعد عسكرية.
وللبلاد العربية الحصة الاكبر من القوات الاميركية، ففي العراق (5200 جندي) البحرين (7000 جندي) الاردن (2800) الكويت (13000) سلطنة عمان (بضع مئات في ميناء الدقم قرب مضيق هرمز) سوريا (2000) الامارات (5000).
أما في السعودية، وبعد أن سحبت واشنطن جنودها الـ 5000، إثر حصول هجمات 11 ايلول، عاد زهاء 500 جندي بعد التوتر المتصاعد مع ايران مع خطط لنشر صواريخ دفاعية وطائرات حربية. لكنّ الأهم قاعدة العديد الاميركية في قطر، والتي تضم حوالى 10000 جندي وفيها مركز قيادة القوات الاميركية في المنطقة «السنتكوم»، إضافة الى قاعدة السبلية التي يتواجد فيها حوالى 3000 جندي.
طبعاً، معظم هؤلاء الجنود هم من الخبراء والمتخصصين في مجالات عدة، وخصوصاً الرصد والمراقبة والتدخل السريع.
لكن ثمّة إشارة مهمة أرسلتها القيادة العسكرية الاميركية لدول الخليج، فلقد جرى نقل قيادة القوات الجوية لمدة 24 ساعة الى قاعدة «شو» في ولاية ساوث كارولينا الاميركية، مع الحديث عن نقل مركز العمليات الجوية والفضائية لمدة 8 ساعات يومياً مستقبلاً، وهو ما يبعث على القلق في دول الخليج التي استثمرت كثيراً في القواعد العسكرية الاميركية.
وأخيراً، أنفقت قطر وحدها مليارات الدولارات بهدف توسيع قاعدة العديد وتطويرها، حيث توجد 300 طائرة تنفيذ عمليات في سوريا وافغانستان وشمال شرق افريقيا.
الرسالة الأميركية قرأها البعض انّ لواشنطن أجندتها الخاصة، وانّ أحداً لا يستطيع دفعها باتجاه حروب ومواجهات ليست في حساباتها الآن.
ربما لهذا السبب بدأ الحديث عن مبادرة سعودية جدية باتجاه الحوثيين، لإعلان وقف الحرب وسط تراجع الغارات الجوية للتحالف على اليمن.
لكنّ الأجندة الاميركية في الخليج ليست بالضرورة متشابهة او متطابقة مع أجندتها في منطقة الهلال الشيعي، وصولاً الى البحر الابيض المتوسط وآبار الغاز البحرية. فروسيا المنزعجة وغير المرحّبة بالتوجه الاميركي حيال الامساك بغاز شرق البحر المتوسط، كانت قد رَعت إعادة فتح معبر القائم - البوكمال، وهو ما يعني دعم موسكو لتأمين الطريق البرية التي تربط إيران بلبنان.
لكن سرعان ما اندلعت تظاهرات وانتفاضة شعبية في العراق نَدّدت بإيران، وأدت الى إحراق مقرّات للحشد الشعبي. وفي الوقت نفسه، باشَرت واشنطن تشكيل قوة عربية عمادها العشائرالسنية، هدفها قطع طريق التواصل البري عند الحدود العراقية - السورية.
كذلك، فإنّ تركيا، المُستاءة من مشروع القانون الاميركي حول ايران - قبرص واسرائيل، تتحضّر للاندفاع عسكرياً شرق نهر الفرات حيث الاكراد، معلنة نيّتها تركيز النازحين السوريين الموجودين على أراضيها في المنطقة الشمالية لسوريا. وأرسلت تركيا أيضاً سفنها للتنقيب عن الغاز قرب قبرص، في تحدٍ لواشنطن.
وبَدا لموسكو أنّ قاعدتيها في سوريا، حميميم الجوية وطرطوس البحرية، لن تجعلا منها صاحبة الكلمة الاولى في موضوع الغاز البحري، بسبب التوجّه الاميركي الجديد.
هي اذاً مرحلة تغييرات كبيرة تلوح في الأفق وتسعى لها واشنطن، كما أعلن بومبيو.
مرحلة ستَلفح لبنان بالتأكيد، ولو أنه غير مُدرج في مشروع القانون الاميركي. ولذلك، ورغم الازمة السياسية العاصفة في إسرائيل، فإنّ المفاوضات حول ترسيم الحدود البرية والبحرية مع لبنان ستبدأ قريباً، من خلال تكثيف جولات مساعد وزير الخارجية الاميركية الجديد ديفيد شينكر، الذي سيزور لبنان قبل منتصف هذا الشهر.
لكنّ المسألة ليست بهذه البساطة، فهنالك تأثير النفوذ الايراني في لبنان، وهنالك تصاعد التوتر بين ايران واسرائيل، خصوصاً بعد اتهام ايران لإسرائيل باكتشاف محاولة لاغتيال الجنرال قاسم سليماني، وتوقّع اسرائيل حصول رد قد يكون على شكل إطلاق صواريخ من جنوب العراق.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
حفلة نفاق من أجل أمين معلوف
مقالات مختارة
«لبننة» اللجنة الخماسية: «الدجاجة قبل البيضة أم العكس»؟!