22-07-2019
مقالات مختارة
انطوان فرح
انطوان فرح
تبدو مسألة تحديد اسعار الفوائد في اي اقتصاد، مهمة معقّدة من حيث احتساب الظروف والمعطيات التي تسمح بتحريك الفوائد نزولاً او صعوداً. لكن تحديد الفوائد في الاقتصاديات الصناعية المتطورة محصور بهامش ضيق جداً. وهناك حالياً نموذجان في الدول الصناعية، أحدهما يمثله البنك الفدرالي الاميركي (Federal Reserve Bank) والآخر يمثله البنك المركزي الاوروبي (ECB). وتعمل المؤسستان ضمن هامش ضيّق في رفع او خفض الفوائد بمقدار ربع أو نصف نقطة على الاكثر، ارتباطاً بمستويات التضخّم والبطالة والنمو...
في المقابل، يقدّم نموذج الاقتصاديات الاقل تطوراً، مشهداً مختلفاً يتمثل بهامش واسع في تعديلات أسعار الفوائد وفقاً لمعطيات الوضعين المالي والاقتصادي، بالاضافة الى السياسة النقدية. لكن ما هو مؤكّد أمران:
اولاً- انّ ارتفاع الفوائد او خفضها ليس مجرد قرار يتخذه أي بنك مركزي في العالم، بل هو أمر واقع تقريباً، تلجأ اليه المصارف المركزية لمواجهة أزمات خطيرة قد تتحول الى كوارث اذا لم يتم تخفيف تأثيراتها وتداعياتها بواسطة اسعار الفائدة.
ثانياً- انّ أي ارتفاع دراماتيكي سريع لأسعار الفوائد يعكس عملياً نسبة ارتفاع المخاطر في البلد. وهذا يشمل المخاطر على الودائع في المصارف، انطلاقاً من المخاطر السيادية للدولة التي تضطر الى رفع اسعار الفوائد الى مستويات تؤدّي الى شل الحركة الاقتصادية.
في مراجعة لائحة الدول التي تعاني من ارتفاع أسعار الفوائد، من خلال احصاءات العام 2018، يتبيّن بوضوح انّ معيار سعر الفوائد يعني عملياً مستوى المخاطر على الودائع ومستوى الثقة في هذه الدولة.
على سبيل المثال، نورد نماذج عن أسعار الفوائد في دول المنطقة. تركيا (24%)، إيران (18%)، مصر (16.75%).
في لبنان، وقياساً بالوضع المالي والاقتصادي القائم، لا يزال معدل اسعار الفوائد مقبولاً، اذا استثنينا أموال الهندسات المالية، والتي لا علاقة لها بمعدل اسعار الفوائد بشكل عام، وهذا ما يفسّر صدور البيان عن جمعية مصارف لبنان لتجميد الفوائد ضمن المعدلات المُتفق عليها، ومنع تأثير الهندسات المالية التي لديها مهمة محددة (شراء المزيد من الوقت)، على معدلات اسعار الفوائد في السوق. وبالتالي، لا حاجة الى ارتفاع اصوات سياسية بين الحين والآخر للمطالبة بخفض الفوائد، لأنّ الاسعار الحالية القائمة هي واقعياً أقل مما ينبغي ان تكون عليه، في مقياس الوضع المالي العام. وهذا يعني انّ نسبة المخاطر على الودائع ليست كبيرة، ولا يزال المودع مستعداً لضخ المزيد من الاموال عبر الجهاز المصرفي اللبناني ولو بفوائد مرتفعة، وهذا مؤشر ايجابي يُبنى عليه للاستنتاج بأنّ الانقاذ لا يزال مُتاحاً، وبأنّ الودائع في المصارف آمنة، ولا مبرّر للخوف من فقدانها.
كذلك، فانّ التجارب السابقة في السوق اللبناني أثبتت انّ الودائع مُصانة ومحمية. وقد حصلت تجارب عدة على مستوى تعثّر مصرف أو عمليات بيع اضطرارية، ومع ذلك لم يخسر أي مودع فلساً واحداً من وديعته. وكان مصرف لبنان يتولّى مهمة ضمان انتقال سلس للودائع من بنك الى آخر لضمان حقوق المودعين بالكامل. وبالتالي، شكّلت هذه السياسة التي اتبعها حاكم المركزي بديلاً عوّض ضعف مؤسسة ضمان الودائع التي تأسست في العام 1991 لحماية الودائع الصغيرة في حالات الافلاس. وهي مؤسسة مختلطة يموّلها القطاع المصرفي والدولة اللبنانية. هذه المؤسسة تضمن الودائع حتى سقف الـ5 ملايين ليرة فقط.
لكن ينبغي التفريق بين حالات تعثّر مصرف ما، وبين حالات الانهيار المالي الشامل، والذي تشمل تداعياته مالية الدولة والمصارف. في هذه الحالة تبرز شكوك حول طبيعة عمل مؤسسة ضمان الودائع في اي بلد. في كل الاحوال، مشكلة مؤسسة ضمان الودائع في لبنان، والتي تهدف في فلسفة تأسيسها الى طمأنة المودعين الصغار، والاستمرار في جذب الودائع، ان سقفها ظلّ منخفضاً، وكان يُفترض ان يُرفع الى مستويات جديدة تعكس قيمة معدل الوديعة الصغيرة والمتوسطة، والتي باتت تقدّر في السوق اللبناني بحوالى 25 الف دولار.
وللمقارنة، فانّ مؤسسة ضمان الودائع في أميركا (Federal Deposit Insurance Corporation) التي تأسست في العام 1933 باتت تضمن الوديعة المصرفية حتى سقف 250 الف دولار. في حين انّ مؤسسة ضمان الودائع في دول الاتحاد الاوروبي حدّدت سقف الوديعة المضمونة بحوالى 85 الف دولار. وبالتالي، واذا كان الكلام عن القانون، وماذا يحصل اذا وقع الافلاس، فانّ المؤسسات القانونية لا تستطيع حتماً ضمان عدم فقدان المودعين لودائعهم.
في الاستنتاج، بنية الفوائد القائمة حالياً في لبنان، والهندسات المالية الجديدة التي تجري بواسطة المصارف اللبنانية، تُثبت انّ مستوى ثقة المودع بالمصارف اللبنانية لا يزال جيداً. وعندما نتحدث عن ودائع كبيرة يتمّ جذبها ينبغي أن نلاحظ أنّ أصحاب هذا النوع من الودائع هم الاكثر اطلاعاً على الاوضاع المالية في البلد، وعلى المخاطر الحقيقية المحيطة بالودائع. وعندما يقرّر هؤلاء انّ في استطاعتهم نقل اموال الى لبنان وتجميدها لثلاث سنوات لقاء فائدة 14% فهذا يعني ببساطة شديدة انّ الوضع لا يزال مقبولاً، وان الودائع آمنة بنسبة كبيرة ومُطمئنة على المدى القصير والمتوسط.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
حفلة نفاق من أجل أمين معلوف
مقالات مختارة
«لبننة» اللجنة الخماسية: «الدجاجة قبل البيضة أم العكس»؟!
أبرز الأخبار