مباشر

عاجل

راديو اينوما

دروز سوريا “بدهم حرية”

27-07-2018

مقالات مختارة

مكرم رباح

مكرم رباح

“يا غيرة الدين”، عبارة صدحت في أرجاء جبل العرب والسويداء بالأمس في محاولة من الدروز للتصدّي لهجوم “داعش” على السويداء وقراها، والذي انتهى بسقوط أكثر من 240 شهيداً والعشرات من الجرحى والمخطوفين. ورغم أن الطرف المهاجم واضح وجلي للعلن، فإن الهجوم “الداعشي” على الدروز ، كما يقولون هم أنفسهم، “مسألة على ثلاث طُوْق”، يخفي في طياته صراع الشعب السوري في وجه نظام بشار الأسد والمرتزقة المنخرطين في صفوف الممانعة العالمية.

نجح دروز سوريا في البقاء خارج دوامة الحرب السورية والتي حاول بشار الأسد إظهارها على أنها صراع بين الإسلام السني التكفيري وعلمانية نظام البعث الحامي للأقليات في المشرق. سردية نظام الأسد الأقلوية تحطمت بفضل ظروف عدة من أهمها رفض دروز المشرق ودروز سوريا تحديدا الانخراط في مغامرة الأسد عبر رفضهم المشاركة ضمن صفوف الجيش الأسدي في تهجير وقتل رفاقهم من الوطن من الذين وقفوا هاتفين “سوريا بدا حرية”.

حكمة عقلاء الدروز وساستهم ومن بينهم زعيمهم الأوحد وليد جنبلاط نجحت في تحييد أبناء طائفة الموحدين الدروز وحمايتهم من ضغوط عدة عبر التحذيرات المستمرة من عواقب استعمالهم كقتلة في نظام الأسد وعصاباته. وقف دروز سورية وعلى رأسهم الشيخ وحيد البلعوس مؤسس تنظيم “رجال الكرامة” بوجه أبناء طائفته البعثيين ليذكرهم بأن لا مصلحة للدروز بقتال الطوائف الأخرى ولا سيما أنه ليس للدروز أي أعداء من أبناء وطنهم وأن تقاليد الموحدين الدروز وسلاحهم وجدوا ليستخدموا حصراً في الدفاع عن الأرض والعرض. موقف البلعوس الشجاع دفع بنظام الأسد إلى اغتياله في محاولة لتقويض الدروز وتذكيرهم بعواقب جنوحهم. ورغم استشهاده، استمرت حركة البلعوس لتترسخ كعقيدة سياسية وعسكرية تشبه الحياد الإيجابي، ما دفع بالأسد إلى استخدام صورة اللواء عصام زهر الدين أحد أبرز الضباط الدروز في صفوف الحرس الجمهوري لاستمالة الدروز وإعادة انخراطهم في النظام.

صور بطش عصام زهرالدين وجرائمه أثناء المعارك كانت محاولة فاشلة من النظام السوري لإظهاره كممثل لأبناء طائفته في وجه العقلاء الدروز الذين “رموا الحُرم الديني” بحق أي من أبناء طائفة الموحدين الذي يسقطون في القتال خارج حدود الدفاع عن المناطق الدرزية باستثناء حالة الدفاع عن النفس. مقتل زهر الدين في معارك دير الزور وسط ظروف غامضة أكدت أنه حالة شاذة، وأن بشار الأسد قد خسر الدروز ولا سيما الذين وقفوا إلى جانب النظام منذ تأسيسه.

 

وبناء على هذا الواقع، قرر الأسد الانتقام من التمرد الدرزي عبر استخدام داعش “سلاحه غير السري” الذي ينبت في أماكن تخدم النظام حصراً، على أن يبادر بدوره إلى طرح نفسه كمنقذ ومكافح للإرهاب بمساعدة حليفه الروسي. ليس من باب الصدفة أن يقوم “داعش” بمهاجمة الدروز بعد أسابيع فقط من الاجتماع العاصف الذي جمع قيادتهم بممثلي الجيش الروسي ونظام الأسد، حيث قام الجنرال الروسي بتهديد رجال الكرامة مطالبا إياهم بتسليم سلاحهم والطلب من الـ52 ألف المتخلفين عن التجنيد بالالتحاق الفوري بالجيش الأسدي، تحت طائلة وصمهم بالإرهابيين واتخاذ الخطوات التي ترافق عادة مثل هذا التصنيف.

تهديدات الجنرال الروسي والنظام تُرجمت على أرض الواقع سياراتٌ انتحارية وحملة واسعة على الدروز من قبل تنظيم “داعش” الذي تمت مواكبته من مخيم اليرموك في دمشق إلى أطراف السويداء ليلعب عناصره دورهم التقليدي وينتقموا من نساء وأطفال السويداء التي حمت وأوت أهالي درعا الفارين من هجوم قوات النظام والمليشيات الإيرانية.

والمفارقة تكمن في تزامن مجزرة السويداء مع الحملة الدولية التي تقودها روسيا بالتعاون مع أطراف لبنانية لإعادة اللاجئين السوريين تحت ضمانات روسية شبيهة بسابقاتها والتي نكث الروسي بها في أول فرصة له. روسيا ترغب في آخر المطاف بالخروج من المستنقع السوري عبر تمكين جيش الأسد وإعادة أبنائه ليصبح قادراً على الوقوف في وجه التحديات وأهمها التنظيمات والميليشيات الإيرانية التي استوطنت مناطق حساسة في سورية. وفي سبيل تحقيق ذلك، يجب على السوريين ومن ضمنهم العائدين “طوعا” حمل السلاح من أجل سوريا الأسد .

دروز سوريا الذين ساهموا في بناء سوريا الحديثة هم تاريخياً أبناء اللاجئين الدروز الذين نزحوا من لبنان إثر معركة عين دارة بين القيسيين واليمنيين سنة 1711، والتي أجبرت الجناح اليمني المهزوم على الجلاء باتجاه الداخل السوري والاستيطان في نواحي حوران. قد يبدو للكثيرين أن الثورة في سوريا قد هُزمت وأن ساعة الانتقام من كل من تقاعس أو تواطؤ ضد الأسد قد حانت، لكن التاريخ يشهد بأن الانتصار العسكري ليس بالضرورة مؤشر الانتصار الشامل، بل هو مجرد حالة ترافق نشوة القوة والسلاح.

 

لقد نجح الدروز في سوريا سابقاً في الدفاع عن أنفسهم عبر رفض الأسد ومنطقه، وفي الأمس نجحوا أيضاً في دفاعهم عن عرضهم وأرضهم بوجه جحافل “داعش” “المبعثين”، ولكن على الدروز في كل من سوريا والمشرق استخدام أحد أقوى أسلحتهم وهو سلاح الموقف. وعلى الدروز كما كل أبناء سوريا أن يتذكروا أن الخطر الفعلي على مستقبلهم هو بشار الأسد الذي احترف استعمال التكفيريين في قتل البشر وتدمير الحجر. وفي نهاية المطاف، على كل من يراهن على بشار الأسد وحلفائه أن يعي تماماً أن القوة قد تجعل من أشباه الرجال رؤساءً وحكاماً، لكن الحكمة والشجاعة وحدهما تجعلان من الرجال قادة، كما هو حال الشيخ البلعوس وسلطان باشا الأطرش اللذين ما زال طيفهما يحرس أهل السويداء ونضالهم المستمر.

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.