19-06-2018
مقالات مختارة
علي الامين
علي الامين
قضية الوجود الديموغرافي السوري في لبنان اليوم، تحولت إلى قضية سياسية بامتياز، لا سيما مع انفجار الخلاف بين وزارة الخارجية اللبنانية وتحديدا وزير الخارجية والمنتشرين جبران باسيل ومكتب “المفوضية” في بيروت، بسبب ما اعتبره الأخير منع المفوضية للاجئين من العودة إلى بلادهم، وهو ما نفته المفوضية التي اعتبرت أنها تقوم بواجباتها وهي غير قادرة على منع أي لاجئ من العودة إذا قرر ذلك، وفي نفس الوقت هي عاجزة عن توفير ضمانات العودة الآمنة لهم إلى سوريا.
وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذتها وزارة الخارجية بمنع تجديد الإقامات في لبنان لموظفي المفوضية، فإن الاتصالات لم تنقطع حين برز تباين بين موقفي رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية، حيث اعتبرت مصادر الحريري أن ما قام به باسيل لا يمثل رأي الحكومة، لكن ذلك لم يمنع باسيل من التمسك بموقفه والتعبير عنه بطرق مختلفة، كان منها قيامه بجولة إلى بعض مخيّمات النازحين في بلدة عرسال الحدودية مع سوريا في محاولة لإظهار أن بعض السوريين يريدون العودة، لكن ثمة عوائق تضعها المفوضية في طريق العودة.
وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان يمثل قضية بحد ذاتها تثقل على الدولة اللبنانية عموما، لكنها تكاد تبدو في الكثير من المواقف السياسية عنوانا للاستثمار السياسي اللبناني الداخلي، ذلك أن لبنان الذي يشكو بعض المسؤولين فيه من أعباء قضية اللجوء الاقتصادية والمالية على الدولة، هم أنفسهم لا يبالون باتخاذ أي إجراءات اقتصادية أو مالية وإدارية للحد من عمليات النهب المنظم لخزينة الدولة عبر سياسة المحاصصة والزبائنية التي تستفحل في الدولة، كما أن أطراف السلطة على وجه العموم لا تقوم بما يتوجب من إجراءات تظهر للبنانيين أن لديها اهتماما بتوفير الحد الأدنى من خطوات لجم التدهور المالي والاقتصادي، إن لم يكن وضع خطط للنهوض بالدولة على مستوى التنمية وجذب الاستثمارات للحد من البطالة المتفشية.
من هنا لا يمكن النظر إلى قضية اللاجئين باعتبارها قضية تخلّ بتوازنات ديموغرافية أو تثقلُ على موازنة الدولة فحسب، بل في كونها شماعة لبعض السياسيين في إطار تسجيل المواقف في الهروب من مواجهة التحديات الجوهرية التي تمنع قيام الدولة في لبنان بما هي مرجعية حصرية في إدارة شؤون المؤسسات الدستورية والقانونية، إذ تتحول قضية اللجوء في لبنان إلى جوهر المشكلة التي يعاني منها لبنان، علما وأن العديد من القضايا كالتورط في الحرب السورية لا تمثل لبعض اللبنانيين قضية ليست ذات أهمية في تداعياتها على أحوال الدولة، ولا عملية تخريب مؤسسات الدولة من خلال أطراف السلطة أنفسهم.
العنصر الأهم في أسباب الأزمات التي يعاني منها لبنان، ولا مصادرة القضاء وتعطيله لصالح استمرار الاختلال في إدارة شؤون المؤسسات والمجتمع، ولا مرسوم التجنيس الأخير الذي تم فيه منح الجنسية لأكثر من أربعمئة فرد، فاحت منه روائح مشبوهة، هذا من دون أن نتطرق بالتفصيل إلى عملية الفساد والهدر في تلزيمات الكهرباء والنفط فضلا عن التخريب الممنهج لقطاع الاتصالات الذي يتعرض لاستباحة على مستوى التوظيفات وفي إدارة هذا القطاع الذي يكاد يكون القطاع الوحيد الإنتاجي المتبقي في لبنان الذي يدرّ أموالا على الخزينة العامة، لكنه اليوم يعاني من الفضائح التي تختصرها الزبائنية والفساد واللامبالاة من قبل السلطة تجاه تدهور أحوال هذا القطاع الذي تخلف عن محيط لبنان بدرجات غير مبررة.
يبقى أن قضية اللجوء تجري مقاربتها في لبنان اليوم بشعبوية وطائفية، والأهم هو الاستخدام الذي يجعل من هذه القضية وسيلة من وسائل فتح الباب أمام عودة النفوذ السوري إلى لبنان من خلال هذه القضية، ذلك أن المنطق السياسي والوطني والإنساني يفترض مهما قيل عن الموقف الدولي في تقصيره بشأن اللاجئين السوريين وتوفير شروط عودتهم إلى بلادهم، يبقى الموقف الأفضل أو الأقل خطرا على لبنان إذا ما كانت المقارنة مع سياسة وسلوك النظام السوري في هذا الشأن.
لذا فإن حرص لبنان على المحافظة على الغطاء الدولي وتمتين شروط العلاقة مع مؤسساته هو المنهج الأقل ضررا على الدولة من أي خيار آخر، ذلك أن لبنان لا يمكن له أن يغامر في العلاقة مع مفوضية اللاجئين لحساب النظام السوري. فلبنان الذي عانى من نظام الأسد.
لا يمكن له أن يلجم شهية النظام السوري في السيطرة والنفوذ إلا بالتحصّن بالشرعية الدولية والمظلة العربية، كما أن لبنان ليس لديه ترف المغامرة بعلاقاته الدولية في وقت يدعو فيه إلى احتضان الدولة اللبنانية التي باتت على شفير الإفلاس وهو لا يزال يطالب أيضا بدعم اقتصاده من خلال المؤتمرات الدولية ولا سيما تلك التي انعقدت خلال الشهرين الماضيين، سواء مؤتمر سيدر في باريس الذي أقرّ مساعدات بقيمة أحد عشر مليار دولار أو مؤتمر روما الذي أقر مساعدات عسكرية للجيش اللبناني.
طرح قضية اللاجئين بالشكل الذي يتم اليوم في لبنان ينطوي على فتح نافذة للنظام السوري تجاه لبنان، كما ينطوي أيضا على سياسة الهروب إلى الأمام من خلال تفادي مواجهة الاستحقاقات الرئيسية التي يجب على السلطة اللبنانية مواجهتها، وطالما أن مسألة الأعباء الاقتصادية والمالية هي التي تُرفعُ كشعار لتبرير السلوك المنفّر على هذا الصعيد، فإن ما يجب ألا يخفى على أحد أن عجز السلطة عن مواجهته فإن عجزها أيضا عن مواجهة فساد أطرافها وسوء إدارتها لشؤون المواطنين، هي المعضلة الحقيقية التي تجعل لبنان اليوم من دون أي خطة تنموية فعلية ولا أي سياسة جادة في السيطرة الحصرية على مرافق الدولة وعلى مرافقها، بل هي غائبة عن التحكم الكامل في حدودها البرية مع سوريا.
وإزاء هذا الهروب تبقى قضية اللاجئين السوريين في لبنان الوسيلة التي يتم من خلالها النموذج الجذاب الذي يغري بعض أطراف السلطة لمداراة عجزها عن تلبية شروط بناء الدولة، أو وسيلة لإخفاء تورطها في ملفات الفساد، عبر استغلال أوجاع المواطنين وحاجاتهم الملحة بإحالتها إلى مشكلة اللجوء، وهذا ما يمهد ليس لمعالجات جادة بل لتعميق الجراح بين البلدين ولا سيما بين الشعب السوري والشعب اللبناني اللذين يقعان اليوم ضحية سلطات خبيثة مستعـدة لأن تغـامر بمستقبل البلدين من أجل مكاسب سلطوية شخصية أو حزبية وفئوية.
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
يتلهّون في عدِّ الأصوات.. وعدّادُ النازحين «ماشي»
مقالات مختارة
حفلة نفاق من أجل أمين معلوف
أبرز الأخبار