مباشر

عاجل

راديو اينوما

سِلاحٌ لا يُسَلَّمْ تَفاهُمٌ لا يُنجَزْ: لُبنانُ في قَبْضَةِ الشُّروطِ المَفروضَةِ

23-07-2025

مقالات مختارة

|

اينوما

أنطوان العويط منذ الإعلان، فجرَ الأربعاء في 27 تشرين الثاني 2024، عن وقفِ الأعمالِ العدائيّة، والبدءِ بتنفيذِ الترتيباتِ الأمنيّةِ المُعزَّزة ذاتِ الصِّلةِ بالقرارِ 1701، راحتْ معالمُ المشهدِ تتكشَّفُ تِباعًا، لتفضحَ خبايا هذا التفاهم، والإختلال الفادح في ميزانِ القوى، وقد أخذَ يتجلَّى يومًا بعدَ يومٍ من خلالِ انتهاكاتٍ ميدانيّةٍ عسكريّةٍ وأمنيّةٍ متواصلة، ومن طرفٍ واحدٍ، هو إسرائيل. منذ تلكَ اللحظة، بدا واضحًا أنّ لبنانَ دخلَ هذا التفاهمَ من موقعٍ هشٍّ ومفتقرٍ لأيِّ أوراقِ ضغطٍ فاعلة. فالإطارُ المطروحُ لا يُتيحُ له أدنى هامشٍ لتحسينِ شروطِه أو تعديلِها، حتّى في حدودِها الدُّنيا، بل يُفرَضُ عليه كأمرٍ واقع، بلا نقاشٍ ولا تفاوض، وكأنّهُ أقربُ إلى صكِّ إذعانٍ مكتملِ العناصر. فلا مساومات، ولا التزامات، ولا حتّى ضماناتٌ مؤقّتةٌ أو بعيدةُ الأمد، تُراعي للدولةِ اللبنانيّة موقعَها كمُكوِّنٍ شرعيٍّ في المعادلة. ومع الزيارةِ الثالثةِ للموفدِ الأميركيّ طوم بارّاك إلى بيروت، تأكَّد المؤكَّدُ في توصيفِ هذا التفاهم، كمسارٍ إكراهيٍّ واضحِ المعالم، تُفرَضُ فيه الشروطُ من أعلى، تحتَ وطأةِ موازينِ قوى دوليّةٍ وإقليميّةٍ لا ترحم. هو إخضاعٌ موصوف، في زمنٍ ضاقت فيه الهوامشُ حتى كادت تختنق، فتُلقى على عاتق الدولة اللبنانيّة وحدها تبِعاتُ مسؤوليّةٍ عن أمرٍ لم تكن يومًا هي صانعتَه، ولا من أهله. باختصارٍ مُكثَّفٍ ودلالةٍ عميقة... إنّها واحدةٌ من أبرزِ النتائجِ المباشرةِ والجوهريّةِ لحربِ "الإسناد" التي أطلقها حزبُ الله غداةَ طوفانِ الأقصى، كخطوةٍ غير محسوبةٍ وكخطأٍ استراتيجيٍّ في لحظةِ اشتباكٍ إقليميٍّ محتدم، جاءت كمَن يركبُ الموجةَ دون أن يتحكَّمَ باتجاهِها. وها هيَ الكُلفةُ تتظهَّرُ ثقيلةً وفادحةً لتلكَ الحربِ وذاكَ التفاهمِ، وتتجاوزُ الحساباتِ الظرفيّةَ، لتبلغَ حدَّ إعادةِ رسمِ التوازنات، بشروطٍ لا يملكُ فيها لبنانُ، الجاهدُ في سبيلِ استعادةِ قراره، لا موقعَ التأثيرِ ولا قدرةَ التعديل، بل يُكتفى له بدورِ المُتلقّي لِبنودٍ كُتِبَت خارجَ حدودِه. على أرض الواقع، طغت على زيارةِ بارّاك إلى بيروت أجواءُ الخيبةِ والتباعدِ، حيثُ حطَّ محمَّلًا بلائحةٍ مشدَّدةٍ من الشروطِ لم تُلبَّ. خيبةٌ مزدوجةٌ أصابت الطرفين: فلا باراكَ حصلَ على ما جاءَ يبحثُ عنه، ولا الدولةُ اللبنانيةُّ نالتْ منه ما يُطمئنُّها للمضيِّ قدمًا. لم يُخفِ بارّاك هدفَه المباشرَ بوضوحٍ، المتمثلِ في جدولةٍ محددةٍ لتسليمِ سلاحِ حزبِ الله، مصحوبةٍ بخطةٍ تنفيذيةٍ ومراحلَ عمليةٍ تبدأ دون تأخير. وفي هذا السياقِ، طرحَ معادلةً صارمةً وواضحة ومباشرة لا لبسَ فيها: من يريدُ وقفَ الخروقاتِ والضرباتِ الإسرائيليّة، وغيرها، عليه أن يُسلِّمَ السلاحَ للدولة، و"المشكلة ليست في الضمانات"، قال. في المقابل، أظهرَ لبنانُ استعدادَهُ لقرارٍ رسميٍّ وصريحٍ يصدرُ عن مجلسِ الوزراء، يُحدِّدُ مصيرَ السلاحِ خارجَ إطارِ الدولة، لكن ضمن أطرٍ واضحة: ضماناتٌ تُطمئنُ إلى حسنِ المسار، وخطواتٌ أولى أو متزامنةٌ من الجانبين، تتضمّنُ مهلةً زمنيّةً لوقفِ اعتداءاتِ إسرائيل، تُنفَّذُ خلالها المرحلةُ الأولى من الخطّةِ المطلوبة. هكذا بدا لبنانُ كأنّه يمسكُ العصا من وسطها؛ لا موافقةً صريحةً ولا رفضًا قاطعًا، مكتفيًا بلغةٍ دبلوماسيّةٍ مرنةٍ، في انتظار المجهول. في الواقع، فوجئ المسؤولون اللبنانيون هذه المرّة بحزمٍ غير مسبوق من طوم بارّاك، الذي تخلّى عن لهجة التكيّف التي اتّسم بها سابقًا، فلم يعد يتحدث عن ضماناتٍ محتملةٍ تجاه أيّ أمر...إلاّ بعد جدولة تسليم السلاح وتنفيذ الملفّ العالق. وقد عبّروا عن قلقهم العميق إزاء تصريحاته، خصوصًا حين وصف حزب الله بمنظمةٍ إرهابيّة، بعدما كان قد وصفه في زيارته الأولى بأنّه حزب سياسيّ. كما أثار قلقهم قوله الصريح إنّ الولايات المتّحدة عاجزة عن فرض أيّ شيء على إسرائيل، بمعنى أنّه لا يمكنها طلب انسحابها من الأراضي المحتلّة، ولا إيقاف ضرباتها أو اغتيالاتها الجويّة، حتّى لو قرّرت تل أبيب تكثيف غاراتها في المرحلة المقبلة. أمّا الأخطر، فتجلّى في قوله إنّ سلاح حزب الله هو شأنٌ لبنانيٌّ داخليٌّ، ما يعني تحميل الدولة اللبنانيّة كامل المسؤوليّة، ودفعها لتحمّل تبعات عدم إقدامها على حصر سلاح الحزب، في موقفٍ يضع لبنان أمام تحدّياتٍ داخليّةٍ وخارجيّةٍ معًا، من دون أيّ دعمٍ أو غطاء خارجيٍّ واضح. وفي وقتٍ تباينت فيه توقعاتُ باراك مع واقعِ السلطةِ اللبنانيّة، تصدّى حزبُ الله للمشهدِ بموقفٍ متصلّبٍ ربّما للضرورات التفاوضيّة وربّما لا، مؤكّدًا أنّه لا قرارَ لديه بتسليمِ سلاحِه، ولا نيةً حاليّةً لفتحِ بابِ النقاشِ حول هذا الملفّ الحسّاس. الحزبُ، رغم وعيهِ التامّ لتبعاتِ هذا الموقف، يقول أنّه اختار المواجهةَ مهما كانت العواقبُ، على الخضوعِ والاستسلام. كما يُسوّق أنَّ ما تشهده سوريا من تحوّلاتٍ وصراعاتٍ عميقةٍ يدفعهُ إلى التمسّك بسلاحِه أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، في ظلّ تهديدٍ وجوديٍّ حقيقيّ يتراءى له. وللمرّةِ الأولى - يُبرّر- قد تدفعُه المستجدّاتُ إلى منحِ سلاحِه دورًا جديدًا كأداةٍ لحمايةِ الطائفةِ الشيعيّة، وأمنِها، ومصالحِها الحيويةِ في مواجهةِ تحدياتٍ غيرِ مسبوقةٍ. هكذا، تُخْتَتم زيارةُ باراكَ على وَقْعِ انتظارِ قرارٍ مُعلَّقٍ لم يُتَّخَذْ، وتفاهمٍ مُعطَّلٍ لم يُنجَزْ ودون انسدادٍ كليّ، وسلاحٍ يُراوحُ حيث هو خارج سلطة الشرعيّة اللبنانيّة... فَكَيْفَ ستَشرُقُ علَينا شَمسُ الأيّامِ المُقبِلة، وَسْطَ ظِلالِ السِّلاحِ الحاجِبَةِ لِلنور؟
services
متجرك الإلكتروني في أقل من عشرة أيام!

انطلق من حيث أنت واجعل العالم حدود تجارتك الإلكترونية…

اتصل بنا الآن لنبني متجرك الإلكتروني بأفضل الشروط المثالية التي طورتها شركة أوسيتكوم؛ أمنًا، سعرًا، وسرعة.
اتصل بنا

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.