من ذلك ان لبنان البائس المصاب بأحد أسوأ الانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية منذ أربع سنوات معطوفا على ازمة رئاسية – سياسية تحللت معها كل معالم الدولة “العادية” ولا نقول اكثر ، هذا اللبنان لم يعد يتسع واقعه الموغل في البؤس لفسحة توقف عابرة لإجراء فحص معمق يبين كم سيصمد بعد وكيف يمكن ان يصمد امام يومياته اللاهثة الضائعة بين تداعيات انهياراته المتدحرجة ، او سخافات سياسات سلطاته وسياسييه المصنف معظمهم بانهم من الطبقة الأشد فسادا والتي عفا عليها الزمن ولا تزال تتحكم بواقع أبنائه ، او حديثا الترقب المقلق المخيف لواقع حربي في الجنوب يتسع نطاقه وعنفه يوما بعد يوم منذرا في كل لحظة بحرب ساحقة ماحقة .
اذا كان لمعايير وقواعد المنطق العلمي من مكان بعد في معاينة التجربة اللبنانية البادئة اقله من عام الانهيار 2019 فان الوقوف الان ، عشية عيد الميلاد سنة 2023 ، تختصر مآل المسار اللبناني بانه احدى عجائب “العالم الجديد” حيث تدار البلاد بالفوضى ولا تندثر ولا تختفي ولا تزول ! اذ انه من غير المجدي التخفيف عن الذات اللبنانية من عقدة الذنب او التقليل من جلد الذات بالقول والتبرير ان اللبنانيين اعتادوا التكيف مع الأزمات والحروب والمشكلات التي نادرا ما مرت على شعوب مماثلة ولذا يصمدون . وليس مجديا اكثر التبرير بان تكيف طغمة المتحكمين بالسلطة والنافذين “الأقوياء” المتسلطين على دورة السلطة والسياسة بقوة التعطيل يحافظون على شكليات النظام ولو ذبحوه من الوريد الى الوريد . الحال ان لبنان الذي قاوم وصمد لخمسة عقود بعد انفجار 1975 اوشك الان تحديدا على ان يصير مصنفا دولة ميؤوسا منها يأسا علميا مثبتا لا جدل فيه وحوله ، وان كل خصائص الكرامة الاجتماعية والإنسانية والوطنية للفرد اللبناني والجماعات اللبنانية قد اغتيلت بتعمد لجعل اللبنانيين باكثريتهم “الجديدة” الساحقة كفقراء يخضعون خضوعا قاتلا لتبديل معالم وطنهم ودولتهم .
البارحة ، انعقد المسمى مجلس النواب اللبناني وأطاح مجددا بقانون سئم اللبنانيون السماع باسمه ( كابيتال كونترول) قيل انه كان يفترض تشريعه فور حصول الانهيار عله يعيد بعض الضوابط لحفظ حقوق مئات الألوف بل الملايين من المودعين الذين صارت النسبة الساحقة منهم تصنف في فئة الفقراء والمعوزين بعد مذبحة القرن التي تعتبر اضخم عار تسبب به اضخم فساد على يد دولة في التاريخ . لا يزال مجلس النواب كما المسماة حكومة كما الذين يصنفون مسؤولين يتعاملون مع أسوأ أزمات الاستشفاء التي يعاني منها اللبنانيون بالخفة والاستهتار والترف المقزز الذي يتعاملون به مع كل أزمات الناس من كبيرها الى صغيرها بحيث صار لبنان ، الأول المتفوق بلا حدود بين “نظرائه” من دول العالم الثالث الفقير والمتخلف . سيشهد الناس ذرف دموع مدرارة في مناسبة الأعياد ، وسيسمعون الكثير من معزوفات التباهي الفارغ بصمود اللبنانيين الذين توافد بضعة آلاف منهم من بلدان الانتشار لتمضية الأعياد في لبنان . ولكن أحدا لن يسأل عن منسوب تصاعد البؤساء “سنة عن سنة” تحت وطأة موت دولة لبنان التي لم يعلن موتها رسميا بعد .