عاجل

راديو اينوما

انتهاك الحريات اللبنانية يتفاقم: الدولة البوليسية تستعيد أنفاسها

09-09-2023

مقالات مختارة

|

المدن

راغب ملي

راغب ملي

كشفت الاجراءات القضائية والأمنية بحق الصحافية مريم مجدولين لحام، تحولاً خطيراً في ملف تعاطي الدولة مع ملف الحريات، لتظهر أن الدولة استعادت أنفاسها فقط لتختار المواجهة مع الناشطين. الدولة تقوم من سباتها وعجزها وفشلها في كافة الميادين والخدمات، فقط لتتبدى في الهيئة البوليسية التي ظن كثيرون أن لبنان تخلص منها في السنوات الماضية. 

لطالما عُرف لبنان بضمانته حرية الرأي والتعبير على مدى سنوات طويلة، وذاع صيته بمختلف دول العالم، لكن الواقع أن البلاد سجّلت تراجعاً في التصنيف العالمي لحرية الصحافة.

فقد حلّ لبنان في المرتبة 130 بين 180 دولة خلال العام 2022 بعدما كان في المرتبة 107 في العام الذي سبقه، بحسب تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" تحت عنوان "عصر الاستقطاب الجديد"، ومن المتوقع أن يتزايد تراجعه خلال العام الحالي نتيجة الانتهاكات التي تواجه الصحافيين والناشطين. ويقرب لبنان، إثر ذلك، من بعض الأنظمة القمعية بعدما كان مأوى للأصوات المعارضة وللمعارضين والناشطين الملاحقين من قبل أنظمتهم نتيجة مواقفهم السياسية. 

ولا يعدّ ما جرى مع الصحافية اللبنانية مريم مجدولين اللحام، حادثة فريدة، إلا أن اللافت تطور الأساليب المستخدمة لاختراق حرية وخصوصية الصحافيين. يذكّر المسؤول الإعلامي لمؤسسة "سكايز"، جاد شحرور، "بخروق وإنتهاكات مُستمرة لحقوق الإنسان بشكل عام وللصحافيين والناشطين بشكلٍ خاص"، إذ "تقوم بعض الجهات اللبنانية بتفتيش هواتف أو حواسيب الصحافيين عند إستدعائهم للتحقيق وإجبارهم على فتح حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي لحذف بعض المنشورات التي تم توقيفهم بسببها"، لكن السابقة الخطيرة هذه المرّة، تمثّلت في حذف منشور الصحافية اللحام، عنوة، "الأمر الذي يُشكّل إنتهاكاً صارخاً للخصوصية الرقمية"، حسبما يقول شحرور لـ"المدن".

وحسب المعلومات، تبين أنّ عناصر المباحث الجنائية وبإشارة من النيابة العامة التمييزية، استحوذوا على حاسوب مجدولين ودخلوا إلى حسابها على "فايسبوك" وحذفوا أحد المنشورات المتعلّقة بشكوى دار الفتوى.

ما هي الخصوصية الرقمية؟
يُعتبر الحق في الخصوصية أحد أهم الحقوق التي كفلتها الاتفاقيات الدولية والدساتير والقوانين بإعتبارها حقاً من حقوق الإنسان تصون له حيّزاً من السرية التي تضمن كرامته وتحفظ حياته الخاصة، إذ تسري حقوق الإنسان في الفضاء الرقمي بقدر سريانها في العالم الحقيقي، وتشكّل الخصوصية الرقمية عنصراً أساسياً منها وهي حق الفرد في التحكم ببنك معلوماته وفق الطريقة التي يريدها بعيداً من المساس بها أو إنتهاكها. ويتمثّل بنك المعلومات في كل مضمون رقمي عائد للشخص في الشبكة العنكبوتية، كمحتوى بريده الإلكتروني وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي والحسابات البنكية الرقمية والصور الخاصة وغيرها.

من الناحية القانونية، يشرح شحرور أنّه "في قانون العقوبات اللبناني لا يوجد أي نص قانوني يُجبر الموقوف (الناشط أو الصحافي) على إعطائهم (السلطات) الصلاحية للولوج إلى حساباته والداتا الرقمية الخاصة به من دون موافقته علماً أنّه هذا الأمر يحدث مراراً من دون أي سقف قانوني" . ومن ناحية ثانية تطرّق شحرور إلى نقطة إجبار الموقوف على إمضاء تعهّد، معتبراً أنه "بدعة من قبل الأحزاب اللبنانية ورجالات السياسة". 

انتهاكات للأصول القانونية
وتمثل الإجراءات التي تقوم بها الضابطة العدلية، "انتهاكات فاضحة للأصول القانونية التي تعتمدها الضابطة العدلية والتي لا تجد لها أي سند قانوني يبررها"، بحسب منظمة "سمكس" للحقوق الرقمية، وتقول متحدثة باسمها لـ"المدن" إنه "من المؤسف أن تتحول الضابطة العدلية في ممارساتها هذه الى شريكة وأداة تستعملها الجهات النافذة للتهويل على الناشطين وتخويفهم، ومنعهم من التعبير عن رأيهم". 

وتضيف: "إذا كان الهدف من حذف التغريدة هو الحد من تشويه سمعة المدعي، فهذا الاجراء التصحيحي تحكم به المحكمة حصراً بعد ادانة المتهمة بجرم القدح والذم، وذلك بعد أن يُسمح للمُدّعى عليها بعرض قضيتها والدفاع عن نفسها أمام القاضي المختص ولا يحق للنيابة العامة اتخاذ تلك الإجراءات من تلقاء نفسها".

أما في ما يخص دخول المنازل للبحث عن أدلة، فتقول المنظمة إن "المشرّع حرص على وضع إطار محدود ومحدد يسمح فيه للضابطة العدلية للقيام بذلك، فالمادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، تحدد إجراءات الضابطة العدلية خارج الجريمة المشهودة، أي كما هو الحال في الدعوى القدح والذم". 

وتنص المادة بوضوح على أنه "لا يحق لهم (أي الضابطة العدلية) تفتيش منزل اي شخص الا بعد استحصالهم على إذن مسبق من النيابة العامة"، ويذهب النص أبعد من ذلك، ويعتبر أن "كل تفتيش يجرونه، خلافاً لهذه الأصول، يكون باطلاً". 

إن تشدد المشترع في اشتراط الاستحصال على إذن من النيابة العامة، بالإضافة الى ضرورة احترام الأصول القانونية لإجراء التفتيش "دليل على رغبة المشرّع في صون حرمة المنزل وخصوصية الأفراد بما فيهم المتهم الذي يتمتع بقرينة البراءة الى حين اثبات العكس". 

وتؤكد المتحدثة باسم "سمكس" أننا "لا نرى الجدوى من مصادرة حاسوب المتهمة والبحث فيه عن أدلة تسهم في التحري عما إذا أقدمت فعلاً على ارتكاب جرم القدح والذم بحق المدعي، علماً أن الفعل الجرمي المزعوم هو قيامها بنشر تغريدة في تطبيق "أكس" (تويتر سابقاً) علماً أن التغريدة كانت لا تزال موجودة حين تم استدعاؤها للتحقيق معها، بالتالي لا تبرير أو قيمة مضافة من مصادرة الحاسوب او تفتيش المنزل".

This website is powered by NewsYa, a News and Media
Publishing Solution By OSITCOM

Copyrights © 2023 All Rights Reserved.