30-08-2023
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
وليد شقير
وليد شقير
من دون تجاهل مخاطر عودة «داعش» إلى الظهور والقيام بعمليات إرهابية، صار التذرّع بوجود «داعش» غبّ الطلب عند فرقاء الصراع في سوريا والعراق ولبنان، يُستحضر بمناسبة ومن دون مناسبة بحيث بات حجة لهدف سياسي صغير وكبير وسبباً لإضاعة بوصلة الأهداف السياسية للتحركات العسكرية والأمنية للمتحاربين، كل منهم يحتفظ لنفسه بحق التواجد العسكري هنا أو هناك بزعم محاربة هذا الوحش الأمني الذي ساهمت مقتضيات الحرب في سوريا في اختراعه.
الأميركيون يتذرعون بمحاربة «داعش» والإرهاب من أجل بقاء قواتهم في العراق وسوريا، والروس يفسّرون الغارات الجوية التي ينفذونها ضد مواقع للمعارضة السورية بضرب قواعد المنظمات الإرهابية و»داعش» في إدلب وسائر المناطق السورية غير الواقعة تحت سلطة النظام. والإيرانيون يُرجعون وجودهم في بلاد الشام وتوسع انتشار ميليشياتهم في مناطق لا مواجهات فيها بادعاء التصدي لإرهاب «داعش»...
بالأمس أسهب الأمين العام لـ»حزب الله» في الحديث عن إنجازات «الحزب» في دحر «داعش» عن البقاع الشمالي وعن مخاطر عودة «داعش» متهماً الأميركيين باستقدام هذا الغول الإرهابي، إلى درجة أنّه أفرد مساحة في خطابه قد تفوق مساحة حديثه عن مواجهة إسرائيل والانتصار عليها، تحت عنوان ذكرى «التحرير الثاني» بالإشارة إلى حرب الجرود الذي خاضها مقاتلوه عام 2017 ، وكذلك الجيش اللبناني الذي دحر مسلحي التنظيم الذين احتلوا أجزاء من المناطق على الحدود اللبنانية السورية.
الجميع يعرف كيف تأسس تنظيم «الدولة الإسلامية» حين أفلت النظام السوري الإسلاميين المتشددين من السجون، بعيد اشتداد الحرب السورية، ليلتقوا مع أشباههم وأقرانهم الذين سبق أن أُفرج عنهم سابقاً أو جرى تهريبهم لاحقاً من معتقل «بوكا» في العراق (أسسه الاحتلال الأميركي) تحت أعين وتواطؤ الحكومة العراقية ، ليؤسسوا ذلك الجسم القابل للاستغلال والاستخدام من هذه الدولة أو تلك. والجميع على علم كيف أفضت لعبة انسحاب وحدات عراقية من الموصل في العراق ليحتلها «داعش» عام 2014 ليتمدد بعدها نحو سوريا، ثم دخلت دول عدة على خط التواصل مع «داعش» ومنها تركيا... بحيث بات لكل دولة معنية بأوضاع المشرق العربي حصة بهذا التنظيم الجهنمي.
وإذا كان الغول الداعشي أفلت من عقال من ساهموا في إطلاقه، لأن عمليات من هذا النوع غير مضمونة النتائج في كل الأحوال، بحيث يرتكب التنظيم عمليات إرهابية لا قدرة على السيطرة عليها، فإنّ الاستثمار والتوظيف والترهيب بـ»داعش» بات أيضاً جزءاً من لعبة سياسية داخلية لا تخص فقط جغرافية الدول.
هذا ما يحصل في سوريا لمناسبة الحراك الاحتجاجي على الأوضاع المعيشية في محافظة السويداء والتظاهرات التي بات بعضها يرفع شعارات سياسية ويطالب بإسقاط النظام. إذ لا يتوانى مريدو النظام السوري ومؤيدوه، عن تهديد أهالي السويداء بإرسال مجموعات من «داعش» إليهم مثلما حصل عام 2018 حين فتح النظام الطريق لمسلحي التنظيم نحو البادية القريبة من السويداء، حيث ارتكبوا مجزرة بحق الآمنين في القرى الدرزية ذهب ضحيتها 150 مواطناً وجرح 200 آخرون، وتم خطف نساء وأطفال... في حينها اعتبر الناشطون في سوريا أنها كانت حملة تأديبية على رفض القيادات في المحافظة إرسال الشباب إلى الخدمة العسكرية لتجنيبهم القتال ضد مواطنيهم المعارضين...
السيد نصر الله أقحم «داعش» في سياق الانقسام السياسي الحالي حول استحقاق رئاسة الجمهورية، وصولاً إلى اتهام خصومه من «السياديين» بأنهم قدموا الدعم للإرهابيين في عرسال في معرض حديثه عن دور «الحزب» والجيش في دحر المجموعات الإرهابية. بلغ توظيفه السياسي حدّ تبرير معادلة «جيش وشعب ومقاومة» التي يستند إليها «الحزب» لاحتفاظه بسلاحه من أجل مقاومة احتلال اسرائيل ورد عدوانها، على أنه لمحاربة «داعش» أيضاً، لأنّها «حققت انتصارات تاريخية وعظيمة وكبرى» ضد «داعش». هذا رغم أنه يتهم الأميركيين بالشيء نفسه، أي باستخدام حجة مواجهة «داعش» لإبقاء قواتهم في سوريا. أكثر من ذلك قطع نصر الله الطريق على مناقشة الاستراتيجية الدفاعية التي تطالب بها قوى في المعارضة، بهدف معالجة مسألة السلاح، بالقول إنّ «الاستراتيجية الدفاعية الوطنية قائمة على معادلة جيش وشعب ومقاومة»، في وقت يرفض معارضوه المعادلة الثلاثية. بل أنّ نصر الله ذهب إلى حد اتهام «الفريق السياسي الذي ذهب إلى الجرود وأيد المسلحين» بأنه «لا يريد حواراً في استراتيجية دفاعية»، مستبقاً بذلك أي نقاش في شأن هذا الشعار، ليلزم العهد الرئاسي المقبل بتفسيره هو لتلك الاستراتيجية...
أخبار ذات صلة