تتحضّر مكوّنات السلطة الحاكمة اليوم للاجتماع مجدّداً، ولكن هذه المرة بأمر وتكليف من
#حاكم #مصرف لبنان بالإنابة، لمناقشة مشاريع قوانين لإنقاذ القطاع الماليّ وانتظام العمل فيه، وسوف يتركز النقاش على لائحة الطلبات التي تقدّم بها حاكم مصرف لبنان بالوكالة الدكتور وسيم
#منصوري – قانون الكابيتال كنترول، الموازنة العامة للأعوام 2023 و2024، وإعادة الانتظام إلى القطاع الماليّ في لبنان.
في نيسان من عام 2020 كانت أول إطلالة لمشروع قانون الكابيتال كونترول، وفي آب من السنة عينها أطلّ مصرف لبنان، بالتعميم الأساسي الذي يحمل الرقم 154، والذي يهدف إلى إطلاق عجلة إعادة هيكلة المصارف. وكان هذا التعميم من أهمّ ما أنتجته السلطة النقدية من لحظة اندلاع شرارة الأزمة المالية في تشرين من عام 2019، ولكنّه، وللأسف، وُلِدَ ميتاً لأنّه تعميم إصلاحيّ. حتّى اليوم، لا إنجازات تُذكر في الحالتين، فتقاذفت السلطة السياسية وجمعية المصارف الاتهامات، وتنقّل مشروع القانون بين لجنة المال والموازنة والإدارة والعدل والهيئة العامة مرّات عدّة في سياق محاولة إقرار قانون الكابيتال كنترول، فيما سينطلق العمل هذا الأسبوع على الاستجابة لطلبات حاكم مصرف لبنان بالوكالة الدكتور وسيم منصوري. من أهمّ هذه الطلبات قانون الكابيتال كنترول.
حتّى اليوم فشلت اللجان والهيئة العامة لمجلس النواب بإقرار قانون الكابيتال كنترول لأسباب جوهرية أذكر بعضها.
هناك مشاكل في هذا القانون بصيغته الحالية، لأنّه يحاول معالجة مشاكل عدّة في قانون واحد، ولن يحصل ذلك بسبب خلط هذه الأوراق:
1. تنظيم العلاقة بين المودع والمصرف والتي نظّمها، أو نظّم معظمها، مصرف لبنان اليوم بموجب تعاميم، ولكن بطريقة غير عادلة، ولهذا يجب إصدار قانون عادل يعيد إلى المودعين حقوقهم. ولهذه المشكلة محوران:
• السحوبات الداخلية من أرصدة الحسابات بالدولار المحليّ، وفق تصنيف مصرف لبنان، وهي منظمة اليوم بموجب تعاميم صدرت عن مصرف لبنان أهمها التعاميم 151 و158؛ وأهم ما يذكر عن هذه الحسابات أنّها لا تشمل كلّ المودعين أصحاب الحسابات بالدولار المحلّي. وكأنّ مصرف لبنان كان، من خلال هذه التعاميم، يحاول القول بأنّ هناك حسابات مؤهّلة وحسابات غير مؤهّلة. والسلطة النقدية ليست السلطة صاحبة الاختصاص لتصنيف الودائع والمودعين في هذه الطريقة، وبهذا تكون هذه التعاميم غير قانونية رغم تحصّنها بموادّ من قانون النقد والتسليف أحياناً، وقانون الموجبات والعقود أحياناً أخرى.
• التحويل إلى خارج لبنان، وهو مسموح اليوم فقط من الحسابات الفريش، وفق تصنيف مصرف لبنان، وما تبقّى فهو محتجز بطريقة غير قانونية. أبرم لبنان عدداً من الاتّفاقيات الثنائية تتضمّن ضوابط لحرية التحويل، منها ما يتوافق مع قرارات صندوق النقد الدولي ذات الصلة، ومنها من لا يتوافق معها. في حال عدم توافق بعض اتّفاقيات الاستثمار الثنائية مع موقف صندوق النقد الدوليّ، فإنّ ذلك سيطرح مشكلة قانونية إضافية للبنان، لأنّه سيؤدّي إلى خلق استثناءات إضافية للقيود على التحويلات لمصلحة مستثمري بعض الدول (الذين يستوفون شروط وصف الاستثمار في القانون الدوليّ)، ومعاملتهم بصورة تفضيلية بالنسبة إلى اللبنانيين. أمّا في حال عدم التزام لبنان بموجباته الدولية، فإنّ ذلك يفتح الباب واسعاً لمقاضاته أمام هيئات التحكيم الدولية لدى البنك الدوليّ. وعليه فإنّ المخاطر القانونية الدولية التي قد تترتّب على لبنان قد تكون كبيرة في حال التسرّع في إقرار قانون الكابيتال كنترول قبل معالجة هذه المسألة. لذلك، يقتضي:
- لحظ هذا الموضوع ضمن القانون وأسبابه الموجبة،
- الاستحصال على موافقة صندوق النقد الدولي إنفاذاً للاتفاقية،
- إجراء مسح شامل لاتفاقيات الاستثمار الثنائية التي أبرمها لبنان، لمعرفة ما هي الأحكام التي تنصّ عليها، لجهة حرية تحويل الأموال وما إذا كانت تلك الاتفاقيات متوافقة مع قرارات صندوق النقد الدولي أم لا، للتمكّن من تقدير مدى المخاطر القانونية التي قد يرتّبها القانون الجديد.
2. إبراء ذمّة المصارف أم المصرفيين، (وهنا تكمن المشكلة في مشروع القانون)، من كلّ الارتكابات غير القانونية من تاريخ تشرين الأوّل 2019. هذه المشكلة معنية بموضوع إعادة هيكلة المصارف وليس بالسحوبات. وهنا يجب الإضاءة على ما يلي: لا مشكلة في إبراء ذمّة المصرف ولكن يجب محاسبة المصرفيّ الذي أساء الأمانة، وعلى السلطة صاحبة الاختصاص التحرّك لتبيان هذا الأمر بشفافية وموضوعية وبسرعة. ويجب الفصل الصريح بين المصرف والمصرفي لجهة إبراء الذمّة.
المشكلة التي تتطلّب قانوناً اليوم، ومنذ ثلاث سنوات تقريباً، هي الحسابات المثقلة بالمخاطر الائتمانية، أي الحسابات بالدولار المحلّي وفق توصيف وتصريف مصرف لبنان للحسابات بالعملة الأجنبية؛ ولهذا السبب يجب إبقاء الحسابات بالدولار الفريش تحت مظلّة تعميم مصرف لبنان الأساسيّ الذي يحمل الرقم 150.
في المحصّلة، يقتضي اعتماد ضوابط قانونية متجانسة وغير استنسابية، ما يتطلّب تحديداً أكبر لمعايير وآليات التطبيق في أحكام القانون. كما يقتضي معالجة موضوع حسابات الشركات التجارية بمعزل عن موضوع الأفراد نظراً لاختلاف الظروف والنتائج؛ وقد تنطبق هذه المعالجة الاستثنائية على نفقات الدولة بالعملة الأجنبية خارج لبنان.
كما يهدف القانون إلى تنظيم الضوابط بشكل يتمّ من خلاله ترشيد استعمال السيولة بالعملات الأجنبية بناء على معايير علمية وعادلة. وهذا يقتضي ليس فقط وضع القيود على المودعين والعملاء، من أفراد ومؤسسات. وهذا الأمر تمّ تجاهله كلياً من قبل مشروع القانون المتوفّر حالياً، والذي يُعطي مصرف لبنان بشكل عامّ والمصارف بشكل خاصّ مجالاً واسعاً للتقدير في تطبيق أحكامه.
بناء على ما سبق، يقتضي تحديد مختلف الآليات التطبيقية لهذا القانون، بما فيه آليات تتضمّن الشفافية والرقابة والمحاسبة وآليات للشكاوى والمراجعات حول قرارات المصارف والجهات الناظمة. على أن تصدر المراسيم التطبيقية عن مجلس الوزراء عند الحاجة. وهنا لا تجوز قانوناً الصيغة التي اعتمدها مشروع القانون في المادة السابعة منه، حيث أناط مصرف لبنان بصلاحية إصدار قرارات وتعاميم هي بمثابة مراسيم تطبيقية لقانون الكابيتال كنترول، بناء على اقتراح وزير المالية ومجلس الوزراء؛ وهنا أتفهّم موقف الهيئات الاقتصادية الأخير لجهة (أ) إلغاء المادة السابعة من مشروع قانون الكابيتال كنترول، و(ب) ترك الحسابات بالدولار الفريش خالية من أيّ قيود أو ضوابط لجهة السحوبات والتحويل.
وأختم بالقول: العبرة بالنتائج!