13-08-2023
عالميات
|
بي بي سي
في صور تم التقاطها من طائرة تحلق في السماء، يجذف أربعة أشخاص في قارب حديدي يطفو في البحر الأبيض المتوسط ويلوحون بأذرعهم طلباً للنجدة.
اتضح لاحقاً، أن الناجين الوحيدين هم صبي يبلغ من العمر 13 عاماً، ورجلان، وامرأة، كانوا في مركب تعرض للغرق كان على متنه 41 شخصاً آخرون.
تمكن الأربعة من النجاة عن طريق العوم باستخدام الإطارات الداخلية، وسترات النجاة حتى وجدوا قارباً آخر فارغاً -على الأرجح أنه كان لمهاجرين أيضاً سابقين- صعدوا إليه، وقضوا عدة أيام يطفون في البحر قبل أن يتم إنقاذهم.
بعد يوم من انتشار خبر الكارثة، استعد مهاجرون في مدينة صفاقس التونسية، للقيام بنفس رحلة العبور.
قال رجل، فر من القتال في غرب دارفور في السودان، لبي بي سي ، إنه كان يعتزم طلب اللجوء في تونس، وإنه كان مستعداً لركوب قارب إذا لم ينجح في ذلك. وأضاف: "لقد نجوت للتو من حرب، ليس لدي شيء لأخسره".وهناك رجل آخر من كينيا، كان يحلم بحياة أفضل لعائلته في أوروبا.
إذا استمروا في تسيير الرحلات ، سينضم الرجلان إلى آلاف آخرين خاطروا بحياتهم هذا العام، بسلوك ما يُطلق عليه "أخطر طريق للهجرة في العالم".
وقال خبراء لبي بي سي، إن القوارب سيئة التصميم والمكتظة، والطقس العاصف، والثغرات في الجهود الدولية كلها عوامل تسهم في زيادة الخطر - ووصفت إحدى المنظمات غير الحكومية للبحث والإنقاذ، البحر الأبيض المتوسط بأنه "مقبرة".
تظهر الإحصائيات زيادة في الوفيات
قد يبدو لك أنك تشهد المزيد من التقارير عن حوادث الغرق هذا العام في وسط البحر الأبيض المتوسط - ويبدو أن كلاً من عمليات العبور والوفيات في ازدياد.
تقول وكالة الحدود الأوروبية فرونتكس إن وسط البحر الأبيض المتوسط هو "الطريق الأكثر نشاطاً" إلى الاتحاد الأوروبي، وإنه تم تسجيل أعلى مرات عبور منذ عام 2017.
يُبحر الأشخاص الذين يقومون بالرحلة من شواطئ شمال إفريقيا، عادةً إلى إيطاليا.
سجلت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) أكثر من 1800 وفاة للمهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، حتى الآن من هذا العام، مقارنة بـ 1400 في عام 2022 بأكمله.
من بين حوادث غرق المهاجرين هذا العام كانت سفينة صيد مكتظة قبالة سواحل اليونان، أودت بحياة المئات منهم في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في البحر الأبيض المتوسط خلال السنوات الأخيرة.
تقول المنظمة الدولية للهجرة إن هناك أدلة قوية على أن العديد من حوادث الغرق "غير مرئية": تختفي قوارب غير مسجلة بلا ناجين، ما يعني أن عدد الوفيات الحقيقي من المرجح أن يكون أعلى بكثير.
لماذا يقوم الناس برحلة محفوفة بالمخاطر؟
بي بي سي إكسترا
بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.
الحلقات
البودكاست نهاية
أولئك الذين يشرعون في رحلة محفوفة بالمخاطر يأتون من جميع أنحاء العالم ولديهم أسباب مختلفة للرغبة في الوصول إلى أوروبا، من الفرار من الحرب أو التعذيب إلى البحث عن وظائف.
بعد أن تم إنقاذه من قارب مطاطي مكتظ بالركاب هذا الصيف، قال صبي يبلغ من العمر 16 عاماً من غامبيا، لبي بي سي، إنه غادر منزله قبل ثلاث سنوات لـ "للعمل بجد ومساعدة عائلتي".
كان على علم بمدى خطورة الرحلة، بعد أن فقد صديقه البالغ من العمر 18 عاماً في خلال رحلة هجرة، ولكنه قال إن ذلك لم يثنه، فإن "صديقه فقد حياته من أجل عائلته ومجتمعه ووطنه".
وقد تجاوزت تونس ليبيا هذا العام كنقطة انطلاق رئيسية، في ظل موجة من العنصرية ضد الأفارقة السود في تونس.
يقول البعض إن العبور من خلال الشواطئ الليبية لا يزال أكثر خطورة، لأسباب جيوسياسية.
ويقول ناندو سيغونا، الأستاذ بجامعة برمنغهام وخبير الهجرة: "فيما يتعلق بالقتلى، أعتقد أن فتح طريق شرق ليبيا (من الأراضي التي تسيطر عليها الميليشيات المدعومة من فاغنر) له تأثير أكبر".
وأضاف قائلا: "إنها طريق أطول بكثير وتؤدي إلى ظهور قوارب على الحدود بين المياه الإقليمية الإيطالية واليونانية - وهما حكومتان غير متحمستين حالياً ليُنظر إليهما على أنهما تنفذان عمليات إنقاذ للمهاجرين في البحر"، مشيراً إلى حادثة غرق في يونيو/حزيران أمام السواحل اليونانية كمثال.
قوارب غير صالحة للإبحار
عادةً ما يسافر المهاجرون على قوارب مكتظة بالركاب وغير صالحة للابحار، مع وجود أجهزة عوم محدودة في حالة إذا انقلبت القوارب.
تشمل أنواع القوارب الطوافات المطاطية وسفن الصيد، وفي طريق العبور من تونس، تعتبر القوارب الحديدية شائعة الاستخدام.
وصف المتحدث باسم فرونتكس كريس بوروفسكي، القوارب بأنها "توابيت في الماء".
وقال "إضافة لذلك هناك حقيقة أنه عادة ما يتم إطلاق العشرات منها في وقت واحد مع وجود 40 شخصاً أو أكثر على متنها ما يعني أنها كارثة".
أكد السيد بوروفسكي أن "المهرّبين الجشعين" يستخدمون القوارب الحديدية لتنفيذ عمليات عبور "بأسعار مخفضة" في ظل التنافس على المهاجرين.
موسم الذروة والعواصف
عبور البحر الأبيض المتوسط أمر موسمي، ويزيد خلال فصل الصيف. لكن الطقس قد يكون غير متوقع وقد تستغرق رحلات العبور الناجحة عدة أيام.
ويقول ريان شرودر، المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة "إذا هبت عواصف أو كانت البحار هائجة - والتي قد تصبح أكثر تواتراً مع تغير المناخ - فهناك خطر كبير على الحياة".
وأضاف "أحياناً، لا تثني الأحوال الجوية السيئة المهرّبين عن إرسال الأشخاص إلى البحر"، مشيراً إلى القوارب التي انقلبت مؤخراً قرب جزيرة لامبيدوزا، حيث تم تسييرها على الرغم من الأمواج العاتية.
ويقول بوروفسكي، إن سوء الأحوال الجوية يجعل رصد القوارب المعرضة للخطر أكثر صعوبة.
وقال "تخيل أنك تبحث من الجو عن سيارة صغيرة في منطقة بحجم المملكة المتحدة، حاول الآن البحث عن عشرة أو أكثر في عرض البحر". "هذا هو التحدي الصعب في وسط البحر الأبيض المتوسط. هذا بالإضافة إلى بحر لا يرحم، خاصة عندما يصبح الطقس سيئاً، كما رأينا في الأيام الأخيرة".
هل خذلت الدول الأوروبية المهاجرين؟
يقول الأستاذ سيغونا إنه بينما تقدم فرونتكس "الإشراف العام والدعم الفني"، فإن الحكومات تدير في الغالب عمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط، حيث يتم تنظيم عمل سفن المنظمات غير الحكومية بشكل دقيق.
ويقول السيد شرويدر، من المنظمة الدولية للهجرة، إن جهود البحث والإنقاذ لم تعد "نشطة بنفس القدر، وغير مزودة بالإمكانات كما كان الوضع خلال عملية الإنقاذ الكبيرة ماري نوستروم التي قادتها إيطاليا في الفترة من 2013 إلى 2014".
يقول السيد شرويدر إنه في ظل النظام الحالي، فإن المنظمة الدولية للهجرة قلقة من أن "ثغرات البحث والإنقاذ، والتأخير المزعوم في عمليات الإنقاذ، وقلة الاستجابة لنداءات الاستغاثة قد تسهم في وقوع مآسي على هذا المسار".
ويضيف شاوزايل، منسق الاتصال في منظمة إنقاذ الإنسانية، أن المنظمات غير الحكومية التي تدير سفن الإنقاذ في عرض البحر الأبيض المتوسط وجهت انتقادات أشد باعتبار أن الطريق "أصبح بهذه الدرجة قاتلاً بسبب سياسة ترهيب وإهمال غير مسؤولة اتبعتها الدول الأوروبية على مدار سنوات".
وقالت منظمة سي-واتش الألمانية، غير الحكومية، إن الاتحاد الأوروبي "أنشأ بمحض إرادته مقبرة". وأضافت أن هناك نقصاً في تنسيق عمليات البحث والإنقاذ وأن خفر السواحل الليبي ينفذ "عمليات احتجاز غير شرعية" وفق آليات وبرامج تدريب وفرها الاتحاد الأوروبي.
وفي الشهر الماضي، وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقاً بقيمة 118 مليون دولار مع تونس، بهدف محاولة تقليل الهجرة "غير النظامية"
دافع متحدث باسم المفوضية الأوروبية، عن التعاون مع دول شمال إفريقيا، قائلاً إن "عدد الضحايا في البحر الأبيض المتوسط ما يزال مرتفعاً للغاية"، ما يعني أنه "من المهم مواصلة تعزيز قدرة سلطات خفر السواحل الليبي لتنفيذ عمليات البحث والإنقاذ الفعالة وفقاً للمعايير الدولية".
انتقدت المنظمات غير الحكومية أيضاً قانوناً جديداً، في إيطاليا، يطالب سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات بالاتجاه إلى موانئ بعيدة بعد تنفيذ عمليات الإنقاذ بدلاً من الاستمرار في دوريات البحث عن المزيد من قوارب المهاجرين في حالة الخطر. ويقولون إن هذا يقلل من وقت وجودهم في المناطق التي يكثر فيها حوادث الغرق.
البحث عن حلول
أقر السيد بوروفسكي، من فرونتكس بأنه "يمكننا، وفي الواقع، يجب علينا، أن نفعل بشكل أفضل" في وقف "المآسي في البحر"، داعياً إلى "حلول مشتركة". وقال السيد شرويدر، المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة، إن كل الجهود يجب أن تركز على "إنقاذ الأرواح ومعالجة الأسباب التي تدفع الناس لتعريض حياتهم للخطر".
طالبت منظمة الهجرة الدولية ووكالات الأمم المتحدة الأخرى، بتنسيق عمليات البحث والإنقاذ الأوروبية في عرض البحر الأبيض المتوسط، وبتوفير مسارات قانونية أكثر أماناً للهجرة واللجوء لمنع وقوع وفيات في البحر.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية إن الجهود لزيادة التنسيق في عمليات البحث والإنقاذ بين أعضائها كانت "مكثفة". كانت تعمل على ردع المهربين وتطوير طرق آمنة للأشخاص الذين يأتون إلى الاتحاد الأوروبي من شأنها كسر "نموذج الأعمال التجارية للمهربين والمتاجرين بالبشر".
قالوا إن حوادث الغرق، مثل تلك التي وقعت هذا الصيف قبالة سواحل اليونان، هي "دعوة أخرى للعمل" التي أبرزت "ضرورة تكثيف جهودنا".
أخبار ذات صلة