مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

تلفزيون لبنان..إغلاق آخر المساحات المشتركة بين اللبنانيين

13-08-2023

محليات

يمثل النقاش الدائر حول اغلاق تلفزيون لبنان الرسمي، لجهة "تهديد حرية التعبير" أو "وضع حد للهدر والمحسوبيات المذهبية"، رأس قائمة الهواجس من خطوة مماثلة، تراجع عنها وزير الاعلام زياد المكاري. هو تهديد لما تبقى من الصوت اللبناني المشترك ضمن المساحة العامة.

كما هو الحال مع النقل العام الجيد، فإن جودة خدمة البث العام هي أيضاً طريق لبناء مستقبل وطن وجانب أساسي من العملية الديمقراطية، حيث يُشجع "الفضاء العام" الحوار، ويُرحب بالجميع بغض النظر عن العمر، الجنسية، الانتماء الديني، السياسي، الجندري أو العرقي أو التوجه الجنسي حتى. هذا المكان موجود بالتساوي ومرحِب ليس فقط لأصحاب الامتيازات، بل لكل من لا يملك أي شيء منها.

الفضاء العام هو في الواقع اتفاق اجتماعي لصالح جميع أعضاء المجتمع مثل حرية الحركة والحق في الوصول إلى مناطق جغرافية معينة واستخدامها للرفاه الإجتماعي؛ تماماً مثل حقّ الحصول على المعلومة، والحق بخدمة الانترنت السريع، وحقّ الطبابة والتعلم والعيش الكريم...وغيرها من الحقوق المكتسبة. بالتالي عندما نعود بالوراء لن تكون بصدفة صدور كتاب "ثروة أمة" في العام 1776 لآدم سميث كنتيجة لروابط النقل والتواصل كما الاتصالات؛ هذا ما جعل فرنسا مثلاً وحدة جغرافية من الأكثر كفاءة عبر الاسواق المنظمة آنذاك.

فالبلدان "متماسكة" من خلال الشبكات العامة أو البنية التحتية، مثل الطاقة والطرق وتمويل الأنظمة التربوية العامة والرعاية الصحية وسكك الحديد وشبكات الاتصالات والتواصل، وعندما تُهمل أي حكومة هذه الشبكات على شاكلة لبنان، فهي تؤسس لـ"نبوءة تحقق ذاتها" ونشهد عليها جميعاً حالياً تماماً مثل "سجلات نارنيا" حيث يلعب الأطفال ألعاباً خطيرة بالسحر.

بالأمس القريب كانت إحتفالية "بيروت عاصمة للإعلام العربي 2023"، وكانت الخطابات تتوجه نحو مناصرة القضايا العربية المحقّة، والانفتاح ضد العزلة، والانتصار لقضايا النساء والأطفال والسلام. وجميعنا مناصرات ومناصرين لتلك الحقوق. تقول الرواية أنه عندما حققت روسيا انتصاراتها ضد الامبراطورية العثمانية، قررت الامبراطورة كاثرين الثانية (ولقبها أيضاً العظيمة) بالتوجه لزيارة شبه جزيرة القرم بعد أن قدمها لها الباب العالي لتصبح جزءاً من توسع نفوذ روسيا في البحر الاسود وكانت رحلة الامبراطورة الشهيرة ولمدة ستة أشهر للتعرف على الاراضي المكتسبة حديثاً في العام 1787.

نظم هذه الرحلة جريجوري ألكساندروفيتش بوتيمكين وأقام مستوطنات زائفة على طول ضفاف أهم نهر من أنهار أوروبا الشرقية "دنيبر" في سبيل إيهام الإمبراطورة الروسية والضيوف الأجانب بحالة الازدهار في المنطقة ليتم لاحقاً تفكيك الهياكل وإعادة تجميعها على طول الطريق ولتتم رؤيتها مرة أخرى.

في مفهومنا الحديث اصبح اسم "بوتيمكين" مصطلح يعني الزائف أو تغطية ما هو غير مرغوب أو ضار وبالتالي الخداع. وبالعودة إلى لبنان حيث لم يتم تنفيذ أي استثمار جاد في أي من القطاعات التي تكرس المساحة المشتركة، منذ نهاية الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي، طبقت السلطة مفهوم "بوتيمكين" وطورته ووصلت المعاناة الطويلة للتعليم العام وإعلام الخدمة العامة إلى مستوى جديد. ومعه، أُوصل البلد إلى حالة تآكل لم يشهدها في التاريخ ومع كلّ محاولة إغلاق أو منع أو تخويف أو تعدي على حقوق العمال في التنظيم الجماعي والتفاوض مع أصحاب العمل من خلال نقابة يجعل الأزمة الحالية أكثر تدميراً للمساحات العامة وللتواصل والتفكير الجماعي.

ثلاثة جوانب من مساحتنا المشتركة ضرورية للبقاء كمجتمع بشري: أولها، شبكات النقل؛ وثانيها، جودة التعليم وتوفيره للجميع؛ وثالثها قطاع تواصل نابض بالحياة بالإضافة إلى الرعاية الصحية وتفعيل المرافق العامة (المياه والكهرباء وإدارة النفايات).

قبل يومين، وأنا أعيد قراءة قصيدة "لا شيء يعجبني" للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. أردد القصيدة وأعيدها مرات عدّة خلال النهار وكأنني أبحث عن "انحياز تأكيدي" بأن وضع لبنان يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، وأنني ألمس سوء وضعه مع كلّ عودة، وأسأل نفسي: "ما العمل ولما أعود؟" في حين تزداد حيرتي ولا تهدأ عند كتابة عنوان القصيدة في محرك البحث ليأتيني ردّ على شكل دردشة آلية عبر احد ملحقات "غوغل كروم" للذكاء التوليدي: "اذ لا يوجد شيء يعجبك، فقد يكون من المفيد أن تستكشف مجالات جديدة.. قد تجد أنه من الصعب إيجاد شيء محدّد يعجبك حالياً". 

أسأل الملحق مرّة أخرى: "فكر كمواطن/ة لبناني: هل يمكن للبنان أن يتعافي؟" اقتباس من الردّ: "كمساعد ذكي، ليس لدي القدرة على عمل تنبؤات دقيقة حول المستقبل. لكن يمكنني أن أقول لكم إنه بينما يواجه لبنان تحديات هائلة، هناك بعض العوامل التي قد تسهم في تعافي لبنان. أولاً، إن إصلاح نظام الحكم مهم لإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع في لبنان. سيكون تعزيز فعالية الحكومة وشفافيتها، ومكافحة الفساد، وإرساء بيئة سليمة لسيادة القانون أمراً أساسياً... بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر التضامن الاجتماعي والمصالحة الوطنية أيضاً عاملين مهمين في تحقيق تعافي لبنان. من خلال تعزيز جهود السلام والمصالحة، والحدّ من الصراع الداخلي وتحسين التماسك الاجتماعي، يمكن خلق بيئة أكثر استقراراً وازدهاراً لإعادة الإعمار". أتوقف عن النقر على الحاسوب وأبتسم.

أعتقد أنه من الجدير العودة إلى مفهوم الفيلسوف الالماني يورجن هابرماس للمجال العام من أجل رسم تعريف أولي للفضاء العام كموقع نظري يحتفظ بمكانة الحكم الذاتي ضد السلطة العامة للدولة والمجال الخاص للأسرة والاقتصاد الذي يمكن من خلاله المناقشة والنقد والتواصل بين الأسس الأخرى.

ويرى هايرماس ضرورة أهمية المفهوم الحديث للفضاء الخاص على طول جانب البناء القانوني للملكية الخاصة. والسلطة العامة التي لا تظهر إلا كفئة فرعية مرتبطة فقط بهذا المحيط وبينهما. أقتبس من مقولة لجلال الدين الرومي: "خارج مضمار كل الأفكار كل مفاهيم الخير والشر، الفضيلة والخطيئة، هناك مرج واسع بلا نهاية سألقاك هناك" أي في حقل التواصل وقول الحقيقة في وجه السلطة. 
ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما